في لحظةٍ كادت فيها الشعوب أن تُقنع نفسها بالعجز، خرج اليمن، كما لم يخرج بلدٌ من قبل، في أكثر من ألف ساحة ومسيرة جماهيرية عمّت الجبال والسهول والمدن والقرى، تنبض باسم غزة، وتصرخ في وجه العالم: "لن نكون شهود زور على مجازر الإبادة.. ولن نغفر تجويع الطفولة تحت صمت أممي خائن."
لم تكن هذه الساحات مجرّد مظاهرات عابرة، بل كانت طوفانًا إيمانيًا وإنسانيًا وسياسيًا، جسّد وعياً جمعياً يستعصي على التدجين، ويُعبّر عن شعبٍ قرّر أن تكون بوصلته القدس، ودمه في كفّ الحق، ورايته فوق المتاريس، وجبهته مفتوحة في قلب البحر الأحمر، وفوق مدارج المطارات الصهيونية.
من صعدة شمالاً إلى لحج جنوبا، ومن عمران إلى الحديدة، ومن ذمار إلى إب، كان اليمنيون يخرجون من المساجد، والحقول، وحتى من خطوط التماس، لا ليرفعوا فقط أعلام فلسطين، بل ليجددوا بيعتهم لأرض الأنبياء، ويعلنوا بصوت عالٍ:"نحن في اليمن لا نكتفي بالصراخ.. نحن من نُحاصر العدو في موانئه، ومطاراته ونُحطم أوهامه بالصواريخ والطائرات، ونكتب في ليل الإبادة فجر الجهاد والمقاومة".
لقد اختار الشعب اليمني أن يقف إلى جوار فلسطين لا بدافع العاطفة وحدها، بل من منطلق الإيمان بأن الوقوف مع غزة هو امتحان لمصداقية الإيمان، ومفترق الأخلاق، ومصير الأمة، وسرّ نجاتها.
هذا الاصطفاف الجماهيري العارم في أكثر من ألف ساحة وميدان وتجمّع شعبي هو ترجمة عملية لوعد قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي بأن "اليمن لن يظل متفرجاً أمام مذابح غزة".
وفي مشهد يختلط فيه بالهتافات وبالتكبير، وبالوفاء بالعهد، والأقدام الحافية بالإرادة الصلبة، كانت كل ساحةٍ في اليمن بمثابة كتيبة معنوية وجبهة مواجهة وردع، تصدح بلسان القلوب:
"قل للقوات اليمنية.. أنتم صوت الإنسانية"
"يا غزة واحنا معكم.. أنتم لستم وحدكم"
في قلب العاصمة اليمنية، في ميدان السبعين الذي لطالما احتضن أعراس الانتصار وأهازيج الصمود، خرج الشعب اليمني كالعادة بلهجة الإيمان الغاضب، والإنسانية المجروحة، والعهد الممهور بالدم.
لم تكن المسيرة مليونية فحسب، بل كانت طوفاناً من الروح، زحفًا إلهيًّا يُحاكي مشاهد يوم النشور، حشود لا تحصيها عين ولا تسعها عدسة، خرجت تحت شعار "ثباتاً مع غزة.. سنصعد في مواجهة جريمة الإبادة والتجويع"، لتجعل من ميدان السبعين ميدانا للإباء والكرامة، يتقاطر إليه المؤمنون من كل فجّ يمني عميق.
ارتفعت الهتافات كأنها طلقات سماوية:
"لا ميناء ولا مطار.. حتى إنهاء الحصار"
"يا غزة واحنا معكم.. أنتم لستم وحدكم"
"الجهاد الجهاد.. كل الشعب على استعداد"
ورددت الجموع "فوضناك يا قائدنا"، لتؤكد أن قرار الحرب بيد القيادة، وأن الشعب لا يبارك فحسب، بل يستنفر وينفر، ويقدّم الدم قبل الكلمة.
في ميدان السبعين، كانت الصورة أبلغ من كل خطبة، إذ وقف رجال الأمن وقوات التدخل السريع كتفاً إلى كتف مع المواطنين، في مشهد وطني قلّ نظيره، يحمل في تفاصيله أعظم ردّ على الأنظمة العربية التي وقفت متفرّجة على مذابح غزة.
ومن ساحة العاصمة، صدحت كلمات الجاليات الإفريقية كضوء يأتي من بعيد ليعانق صرخة الحق، مؤكدين أن فلسطين ليست وحدها، وأن غزة هي قلب أفريقيا كما هي قلب الأمة.
"لن نكون جزءاً من العار... بل نكتب موقفنا أمام الله وخلقه ودينه وكتابه الكريم... لن نقبل، لن نسكت، لن نتراجع، بل سنواصل حتى يُكتب لغزة النصر ويتحقق وعد الله".
وهكذا دوّى الصوت اليمني من قلب عاصمة الصمود، ليقول للعالم كله:
"في زمن التخاذل... نحن نُهاجم، لا نستنكر. نحن نحاصر، لا نستنكر. نحن نؤمن أن الساكت عن المجازر قاتلٌ مشارك."
صنعاء المحافظة.. 27 ساحة تنطق بالإيمان
في الحيمة ومناخة وصعفان، وفي السهول والقرى، خرج أبناء محافظة صنعاء في 27 ساحة يقولون:
"غزة جرحنا المفتوح، ونصرتنا لها دين لا يُؤجل"
حشود ترفع العلمين اليمني والفلسطيني، تبايع السيد القائد، وتؤكد أن الردع خيار مقدس، وأن العمليات اليمنية هي صلوات مدوية تُؤدى على هيئة نار.
عمران.. 77 ساحة تُجدد العهد: دمنا طريق القدس
من العاصمة إلى عمران، حيث تتحوّل التلال والوديان إلى أمواج بشرية وكأنها تمشي بثقة نحو القدس. في 77 مسيرة جماهيرية، خرج أبناء عمران ليعبروا عن موقفهم، فأشعلوا الأرض هتافاً وغضبًا، معلنين أن كل مديرية هنا هي كتيبة دعم لغزة.
تقدّمت المسيرات قيادات رسمية وشخصيات مجتمعية، لكن من تقدّم الصفوف فعلًا هو الوجدان الجمعي لشعب قرر أن يكون مؤمنًا بالفعل لا بالقول، ومقاتلًا ولو بكلمة الحق.
ارتفعت الهتافات تُدين العدوان، وتهدر ضد المجازر الصهيونية، وتلعن صمت المطبعين، وترفع السلاح بوجه قوى الطغيان.
وأكثر من ذلك، جدّد أبناء عمران استعدادهم للمشاركة بالمال والرجال في المعركة الكبرى "الفتح الموعود والجهاد المقدس".
قالها أبناء عمران بصوت واحد:
"صرخاتنا ليست شعارات.. بل صواريخ ومسيرات تقضّ مضاجع الصهاينة".
وأكد البيان الصادر عن المسيرات:
"لن نقبل بأن نكون جزءًا من عار التخاذل.. بل سنواصل بثبات ويقين حتى يكتب الله النصر لغزة".
ذمار.. من 45 مسيرة، ارتفعت أصوات الأحرار: "دماؤنا سياجٌ لغزة"
في ذمار، لا شيء يعلو على صوت الكرامة. خرجت 45 مسيرة جماهيرية من شرايين الأرض، من الحارات والمزارع، من أطراف المديريات إلى الميادين والساحات المعدة لتؤكد أن غزة ليست وحدها، وأن الإيمان الحق لا يكتمل دون الجهاد في سبيل المستضعفين.
هنا في ذمار، كانت الهتافات أكثر من كلمات، كانت قسمًا جماعيًا يتلى على الهواء:
"لن نخذل أطفال غزة، لن نصمت على تجويعهم، لن نقبل أن نكون شهود زور على أبشع جريمة إبادة في العصر الحديث".
المشاركون، وهم يسيرون صفوفاً كتلك التي تمضي إلى الجبهات، أعلنوا بملء إرادتهم تفويضهم الكامل لقيادة الثورة، وتأييدهم المطلق للعمليات اليمنية التي تمزق جدار الغطرسة الصهيونية، وتُربك موانئه ومطاراته.
ومن قلب الميدان، جاءت الرسالة أوضح من أي بيان:
"يا أمراء النفط، يا راقصي البلاط.. هنا شعبٌ لا يبيع القدس، بل يقاتل من أجلها ولو كان على خبزٍ يابس وماءٍ مقطوع".
وفي البيان الرسمي الصادر عن المسيرات، كلمات بحجم اللهب:
"نُبارك كل ضربة توجهها قواتنا المسلحة على كيان العدو، وندعو إلى المزيد، والأشد، والأقسى... حتى يُكسَر غروره، ويتراجع عن دماء غزة".
وهكذا، سجّلت ذمار حضورها في ساحة الشرف، لا كمؤيدة من بعيد، بل كمحرّضة للميدان، ومشعلٍ لنار لا تخبو حتى يتحقق وعد الله.
حجة.. 230 ساحة ترتفع بها حناجر الأحرار باسم غزة
230 مسيرة خرجت من محافظة واحدة، لتمثل وحدها قارةً من الوعي، وصرخةً بمستوى الحريق.
لم تترك حجة مديرية ولا وادياً إلا وملأته حشودها، تحمل رايات فلسطين، وتلعن الصمت والخزي، وتُعلن أن هذا الشعب الذي قصف لسنوات، وجاع سنوات، لن يقبل أن يشاهد غزة تموت ويظلّ في صمته.
في مركز المحافظة والمديريات، تكررت العبارة على ألسنة الجميع:
"نحن قوم لا ننتصر بالأمم المتحدة.. بل بالله وبدمنا وبصواريخنا".
جدد أبناء حجة تفويضهم للسيد القائد، وباركوا بملء الصوت والوجدان كل ضربة يُنفذها سلاح الجو اليمني، وكل صاروخ يطرق أبواب موانئ الاحتلال.
لقد قالت حجة كلمتها، ووقّعتها بالدم:
"لسنا مع فلسطين بالكلام.. نحن جنودها في البحر والبر والساحات".
ريمة.. 65 ساحة وصوت واحد: لبيك يا غزة
في ريمة، خرج رجالها كجبالها الشامخة في65 ساحة صارت كأنها سور واحد عالٍ يحمي فلسطين.
قالوها بصوت نقيّ كما هواء جبالهم:
"غزة ليست نشرة أخبار.. غزة في أعماق عقيدتنا، في سويداء إيماننا".
المتحدثون أكدوا أن ريمة تبايع خط الجبهة، وتفخر بالضربات اليمنية، وتمنح القائد تفويضًا أوسع من حدود المحافظة:
"افعل ما تشاء، فنحن درعك وذخيرتك وحصنك".
ريمة لم تكن محافظة نائية هذا اليوم، بل كانت في قلب فلسطين.
إب.. 177 ساحة تتنفس من رئة غزة
في إب، خرجت 177 مسيرة كأنها براكين من لهب، تفيض غضبًا في مختلف المدن والمديريات والقرى، وفي المقدمة عاصمة المحافظة التي احتشد فيها أبناء إب في ساحة الرسول الأعظم، حيث انطلقت صرخة الجماهير تندد بمجازر المغتصبين الصهاينة، وتبارك وتفوض وتستعد.
ومن عزل القرى ومديريات العدين ومذيخرة وحبيش والسياني وبعدان والرضمة وغيرها، تدفقت الجماهير بهتاف واحد:
"نحن مشروع شهادة.. ولسنا أوراق استنكار".
وأكد أبناء إب: الاستعداد لمواجهة أي تصعيد إسرائيلي ضد اليمن، ومواصلة دعم غزة بكل السبل والإمكانيات المتاحة.
وأكد المشاركون في المسيرات، تأييدهم المطلق للخيارات التي يتخذها قائد الثورة السيد عبدالملك بن بدر الدين الحوثي نصرة لغزة ودفاعًا عن حرية وسيادة اليمن.
الحديدة.. 213 ساحة وموعد مع البحر
الحديدة، محافظة البحر والصبر والثورة، خرجت في 213 ساحة.
التهاميون كانوا اليوم عاصفة من العزة.
من المدن إلى الأرياف، من السواحل إلى الشعاب، كانت الأصوات تؤكد على أنهم سيظلون في مقدمة الصفوف لإسناد الجبهات، ومواصلة الحشد والتعبئة، والمشاركة الفاعلة في كل الفعاليات المساندة للقضية الفلسطينية.
وعبّر المشاركون عن الاعتزاز بمعادلات الردع التي فرضتها القوات المسلحة اليمنية، وأربكت حسابات العدو، وأعادت رسم المعادلة الإقليمية، من خلال الحظر البحري والجوي على العدو، والتهديد المباشر لمواقعه الحيوية.
كما أكدوا استمرار عمليات التحشيد الشعبي، والدفع بمزيد من الطاقات إلى جبهات المواجهة، مع رفع مستوى التأهيل والتدريب، بما يعزز من قدرة اليمن على مواصلة معركة الدفاع عن السيادة، ونصرة قضايا الأمة. رفعوا الأعلام، وهتفوا لفلسطين، وجددوا التفويض للقائد.
صعدة.. 36 ساحة وحكاية البدء
في صعدة، خرج الناس من التاريخ، خرجوا من الجراح، من الحصار، من ألف غارة، ليقولوا:
"نحن أصل الثورة وسند فلسطين".
36 ساحة نطقت من مركز المحافظة إلى أقصى الحدود، والكل ردّد الهتاف ذاته:
"غزة بوصلتنا، والقدس دربنا، والعدو وجهتنا".
صعدة التي خاضت معاركها وحيدة منذ سنين، خرجت اليوم لتقول:
"لن نترك غزة.. نحن معكم حتى النصر".
لحج.. القبيطة الصغيرة بصوتٍ كبير
رغم أنها مسيرتان فقط خرجتا في مديرية القبيطة بمحافظة لحج، إلا أن صوتهما ارتفع كأنه قادم من عشرة ملايين.
في هتافهم طعنات للصمت العربي، وفي خطبهم شرارات تكفي لإشعال كل الساحات.
قالوا:
"لا يهم كم نحن.. المهم كيف نقف ومع من نقف".
البيضاء والضالع.. حيث تتكلم الأرض
رغم غياب أرقام دقيقة، فإن المشهد في البيضاء والضالع لا يقل عن باقي المحافظات.
في البيضاء، حملوا الرايات وامتلأت الساحات، مرددين:
"لن نتراجع، لن نساوم، حتى لو اجتمع علينا العالَمُ كله"
أما في دمت وقعطبة والحشاء وجبن، فرفرف علم فلسطين في سماء الضالع، يعلن أن المقاومة لا تعرف الجغرافيا، بل تعرف الشرف والدم.
ما يقارب ألف ساحة، هكذا سطر اليمنيون أعظم موقف شعبي عابر للحدود، يجمع بين الدافع الديني والإنساني والسياسي.
هنا، لم تكن المسيرات مهرجانات خطابية، بل منصات تفويض للقتال، وميادين حشد للمعركة، ومعسكرات صبرٍ وكرامةٍ وأمل.
هنا، كتب اليمن بيانه للعالم:
"نحن من يهاجم لا يندب، من يقاتل لا يتفرج، من يصنع النصر لا ينتظره"
وفي ختام هذه الملحمة، نقول للعالم:
إذا أردتم أن تروا شكل الوفاء.. فاذهبوا إلى اليمن.
وإذا أردتم أن تسمعوا صوت الله في زمن الخذلان.. فاستمعوا إلى اليمنيين وهم يهتفون:
"غزة.. لستِ وحدك"