|| صحافة ||

أجمعت العواصم العربية، في خضمّ العدوان الإسرائيلي - الأميركي على إيران، على إدانة ما سمَّته «التصعيد العسكري» ضدّ طهران، في ما قد يكون المرّة الأولى، منذ انتصار الثورة الإسلامية، التي تتّخذ فيها هذه الدول موقفاً موحّداً إزاء قضيّة بهذا الحجم. ففي كل بيانات الإدانة العربية، تكرّر التحذير من «تداعيات خطيرة» للصراع، وسط الإعراب عن «الخشية» من أن ينتج منه «تهديد لأمن المنطقة واستقرارها».

ومع مرور الوقت، تزايدت المخاوف في العواصم العربية من اتّساع رقعة النزاع، خصوصاً في ظل الحديث عن احتمال تعرُّض الممرّات البحرية الحيوية، كمضيق هرمز، للتهديد، ما من شأنه أن ينعكس سلباً على الأمن الاقتصادي، وسلاسل الإمداد العالمية. ومع هذا، تجنّبت الدول العربية الانحياز العلني إلى أيّ من طرفَي الصراع، وذلك في مسعى إلى الحفاظ على علاقاتها الثنائية المتشابكة، سواء مع إيران، أو مع القوى الغربية (الولايات المتحدة وإسرائيل).

في المقابل، بدت إيران حذرة إزاء مسألة التهديد بإغلاق مضيق هرمز، مع إدراكها أن هكذا إجراء قد يؤدي إلى خدش في علاقاتها بدول الخليج؛ علماً أن مستوى الصراع، على ضراوته، لم يصل إلى مرحلة الاضطرار إلى اتّخاذ قرار كبير، من مثل إغلاق الممرّ. ورغم التحسُّن في العلاقات الإيرانية - الخليجية، فإن القواعد الأميركية في الخليج لا تزال تشكّل عقدة تحول دون أيّ تقارب إستراتيجي بين الجانبَين؛ إذ ترى طهران أن هذه القواعد، التي تمتدّ من «العديد» في قطر إلى «الظفرة» في الإمارات، والأسطول الخامس في البحرين، وقاعدتَي «عريفجان» و«بورنغ» في الكويت، لا تشكّل مظلّة دفاعية خليجية، بل تمثل تهديداً لأمن المنطقة، في حين تعدّ دول الخليج، الوجود العسكري الأميركي ضمانةً لأمنها، في ظلّ تنامي نفوذ إيران الاقليمي. وهكذا، فإن الملفّ الأمني يظلّ على رأس الخلافات؛ حيث يرى كلّ طرف في تحالفات الطرف الآخر، تهديداً لبقائه، الأمر الذي يحدّ من فرص بناء شراكة إستراتيجية حقيقية.

مع ذلك، عكس أداء الدول الخليجية، وخصوصاً إعلامها، إدراكاً عميقاً لحجم التعقيد الجيوسياسي الذي تفرضه المصالح الإقليمية والدولية؛ فدول الخليج تدرك أن أيّ انزلاق في الخطاب قد يُقرأ على أنه اصطفاف كامل في صراع لا تمتلك مفاتيحه، وفي وقت تفضّل فيه غالبية الدول التركيز على أمنها الإقليمي. ورغم ما تقدّم، فقد انقسم الإعلام الخليجي بين مَن يرى - في موقفه المبطن - إيران تهديداً مباشراً لأمن الخليج واستقراره، ومَن يتعامل مع المسألة بميزان الحياد؛ فالإعلام الرسمي السعودي والإماراتي والبحريني، أظهر أداءً حذراً، محاولاً تغطية التطورات بشكل خبري من دون الانحياز الصريح إلى أيٍّ من الطرفين، غير أن المتابعة الدقيقة لخط التحرير أظهرت تلميحات واضحة إلى تحميل إيران المسؤولية، بوصفها داعماً رئيسياً لفصائل المقاومة في لبنان وفلسطين واليمن.

وعلى الضفة الأخرى، تبنّت قطر، عبر شبكة «الجزيرة»، مقاربةً أكثر توازناً، واستضافت محلّلين من كلا الطرفين، وأبرزت معاناة المدنيين والانعكاسات الإقليمية للنزاع، مبقيةً على تقليدها في تقديم الأخبار من زوايا متعدّدة، ومستمرّة في التركيز على أوّلية القضية الفلسطينية، ما جعل تعاطيها أكثر انسجاماً مع المزاج العربي العام. أما سلطنة عمان، فقد تماهى إعلامها مع ديبلوماسية السلطنة المعروفة بالحياد والوساطة، مركّزاً على الدعوات إلى وقف التصعيد، ومحجِماً عن الخوض في تفاصيل المواجهة، أو تبنّي روايات طرف على حساب آخر.

وبعد وقف إطلاق النار، أبرزت وسائل الإعلام (السعودية والإماراتية والبحرينية) خشيةً من خطاب النصر الإيراني، معتبرةً ذلك «استعداءً لدول الخليج»؛ إذ إن وقف الحرب سيُقرأ في طهران على أنه تسليم من واشنطن بدور الأولى في الإقليم. وأبرز الإعلام المذكور مشكلة صعود قوّة كإيران في وجه إسرائيل، وهو ما «لن يحقّق توازن الردع فعليّاً»، وسيحوّل المنطقة إلى «ملعب لاستعراض القوّة»، معتبراً أن «ما تفعله إسرائيل الآن، ستفعله إيران لاحقاً في جزء من الإقليم، وقد فعلته قبل ذلك في العراق وسوريا واليمن ولبنان

 

لقمان عبدالله: الاخبار اللبنانية