قالت شركة "Azure Strategy" البريطانية للاستشارات الإستراتيجية في تقرير لها على موقع الشركة إن الهجمات الأخيرة التي نفذتها القوات المسلحة اليمنية على سفن الشحن في البحر الأحمر أثبتت بما لا يدع مجالًا للشك أن اليمن اليوم بات يمتلك يدًا طولى في معادلات الأمن الإقليمي والدولي، وأن جماعة أنصار الله لم تعد مجرد قوة محلية، بل باتت رقماً إقليميًا مؤثرًا يصعب على العالم تجاهله أو تجاوزه.

 واعتبر التقرير أن هذه الهجمات لا تُظهر فقط الصلابة العسكرية والسياسية للجماعة، بل تكشف عن تطور لافت في أدوات الردع والمناورة التي باتت تمتلكها، في ظل تحولات دولية عميقة وتراجع تدريجي للهيمنة الغربية.

وفي تفاصيل التقرير ، أشارت "Azure Strategy" إلى أن "حركة أنصار الله مستمرة في تنفيذ ضربات نوعية على سفن تجارية في البحر الأحمر، بينها سفينة "ماجيك سيز" التي أُغرقت بعد هجوم متكامل جوي–بحري، وسفينة "إترنيتي سي" التي تعرّضت لهجوم صاروخي أثناء عبورها نحو قناة السويس. هذه العمليات – كما أوضح التقرير – أتت في ظل غارات  عدوانية. إسرائيلية استهدفت موانئ ومواقع اقتصادية في الحديدة والصليف ورأس عيسى، إضافة إلى محطة كهرباء رأس كثيب، وهو ما اعتبرته الشركة البريطانية تصعيدًا مزدوجًا من طرف العدوين الصهيوني والأمريكي، في وقت تسعى فيه أطراف إقليمية ودولية لفرض تهدئة شكلية في غزة لا تضمن كرامة الفلسطينيين ولا توقف العدوان".

وأضافت الشركة أن هذه الضربات اليمنية جاءت رغم تلك الغارات الأمريكية على صنعاء وصعدة والحديدة، والتي زعمت واشنطن أنها تستهدف قدرات أنصار الله الدفاعية، لكنها لم تنجح في كسر إرادتهم ولا في الحد من قدراتهم المتطورة. مضيفة فبعد هجمات أمريكية متواصلة بين مارس ومايو، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وقفًا مفاجئًا للعمليات في اليمن، إثر فشل الإدارة الأمريكية في تحقيق أهدافها، وعلى رأسها إضعاف أنصار الله

وأشار التقرير إلى أن أنصار الله لا تنفذ هذه العمليات من منطلق تكتيكي فقط، بل ضمن إستراتيجية مزدوجة؛ الأولى تهدف لتذكير العالم بأن البحر الأحمر لم يعد ممرًا آمنًا للاحتلال الإسرائيلي وحلفائه طالما استمر العدوان والحصار على غزة .

 التقرير يعترف بأن طهران نفسها لم  تتحكم بمفاتيح القرار في صنعاء، حيث أن أنصار الله  تتصرف بمنطق الدولة المستقلة، وتمتلك من النفوذ والقدرة ما يجعلها متجاوزة حتى لحلفائها، في ظل اعتمادها على بنية عسكرية واقتصادية ذاتية.

وفي هذا السياق، كشف التقرير أن أنصار الله تمكّنت من توسيع تحالفاتها لتشمل قوى كبرى مثل روسيا والصين، وهو ما عزّز قدراتها على المستويين العسكري والسياسي.  وأشار التقرير إلى أن تقديرات واشنطن لا تزال عاجزة عن تحديد الحجم الحقيقي لترسانة اليمن، رغم أن الاعتراف الأميركي تزايد بخصوص براعة اليمنيين في الابتكار والتطوير الذاتي.

وأكدت "Azure Strategy" أن عمليات اليمن في البحر الأحمر أدت إلى تأثيرات اقتصادية عالمية مباشرة، عبر تعطيل خطوط الإمداد ورفع تكلفة الشحن، فضلًا عن تزايد المخاطر الجيوسياسية. وقد انعكس هذا على الأداء الاقتصادي العالمي، حيث ارتفعت أسعار التأمين البحري وزادت أوقات عبور السفن بنسبة كبيرة، ما أدى إلى انزعاج غربي واضح لم تفلح كل محاولات الردع في الحدّ منه. وبينما يحاول الإعلام الغربي التقليل من شأن اليمن، إلا أن حقيقة نشاطها البحري منذ نوفمبر 2023 وحتى ديسمبر 2024 تؤكد تنفيذها لأكثر من 100 عملية ناجحة ضد سفن تجارية وعسكرية.

واعتبر التقرير أن الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة، فشل في كبح جماح القوات اليمنية رغم تنفيذ عمليات عسكرية كبرى مثل "حارس الرخاء" و"بوسيدون آرتشر"، وكذلك بعد إعادة تصنيف أنصار الله كـ"منظمة إرهابية أجنبية". وقد أثبتت هذه المقاربات فشلها في خلق ردع حقيقي، لأن اليمن لا تعتمد على البنية التقليدية ولا على مقاربات الجيوش النظامية، بل على مرونة عالية وهندسة قتالية تستفيد من الجغرافيا والدعم الشعبي. واعتبر التقرير أن "الحوثيين تحولوا إلى ثقب أسود في الحسابات الغربية، فهم عصيون على الاختراق، والمعلومات الاستخباراتية عنهم نادرة، وقدرتهم على الصمود أمام الضربات المتتالية تدل على عمق تموضعهم في الواقع اليمني".

وأضاف أن أنصار الله تحتفظ بسلاحين حاسمين: الأول هو تصعيد هجماتهم على السفن، بما يؤدي إلى مضاعفة الأثر الاقتصادي على الأسواق العالمية، والثاني هو القدرة على توجيه ضربات مباشرة لحقول الطاقة والبنية التحتية في الخليج، بما يهدد استقرار أسعار النفط ويُربك حسابات ترامب الداخلية قبيل الانتخابات. وقد سبق لليمن أن ضربت أهدافًا استراتيجية في السعودية والإمارات، مما يؤكد أن هذا الخيار ليس جديدًا بل جزء من بنك أهدافهم.

 

وفي الختام، خلص التقرير إلى أن أنصار الله ليسوا مجرّد تنظيم مسلح بل أصبحوا قوة سياسية–عسكرية ذات امتداد جيوسياسي فاعل، يستند إلى بنية محلية قوية، وتحالفات دولية جديدة، وقدرة تعبوية–إعلامية لافتة، في ظل غياب أي معارضة حقيقية في الداخل.