موقع أنصار الله . تقرير
لم يعد البحر الأحمر كما كان، ولا سماء الجزيرة العربية كما اعتادها المعتدون. فاليمن، البلد الجريح الذي أنهكته سنوات الحرب والحصار، تحوّل اليوم إلى مقاتل صلب يوجّه ضرباته الموجعة للكيان الإسرائيلي في البحر والبر، ويقف في وجه أمريكا بصلابة أدهشت العالم وأرعبت خصومه.
ففي الوقت الذي يحاول فيه الكيان الصهيوني عبر غارات جبانة استهداف البنية التحتية في صنعاء، كانت العمليات العسكرية اليمنية أكثر وضوحًا وصلابة: لن نركع، ولن نتراجع حتى وقف العدوان على غزة.
ليلة الأحد، شنّ العدو الإسرائيلي عدوانا على محطة كهرباء حزيز بالعاصمة صنعاء، محاولة إطفاء نور المدينة المتشح باللون الأخضر احتفاء بنبي الرحمة. غير أن النور متجذر في القلوب، والإرادة اليمنية بقيت عصية على الكسر، لتعلن صنعاء من جديد أنها باقية في المعركة حتى النهاية.
حتى الإعلام العبري اعترف بالفشل. فالقناة الـ14 الإسرائيلية قالتها صراحة: "الشعب اليمني لا يتأثر بالغارات الإسرائيلية، فهو يعتبر العدوان الإسرائيلي ثمن محتمل في سبيل الحرب ضد إسرائيل". وأضافت: "ما يحدث هو كرّ وفرّ؛ اليمنيون يطلقون النار، وإسرائيل تهاجم البنى التحتية، واليمنيون يصلحونها، ثم يعود المشهد من جديد". مشيرة إلى أن خلفيات الموقف اليمني نابع من وجهة نظر اليمنيين القائمة على وجوب استمرار الحرب ضد "إسرائيل" حتى إبادتها.
إنها شهادة غير مسبوقة بأن إرادة اليمن أقوى من قنابلهم، وأن العزم في صنعاء لا ينكسر حتى تحت وابل الصواريخ.
أما صحيفة "جلوبس" العبرية فقد ذهبت أبعد من ذلك، فكشفت بالأرقام عجز الكيان أمام ضربات اليمن:
ففي حين نفذ العدو الإسرائيل 14 عدوانا على اليمن خلال 680 يومًا (بمعدل غارة واحدة كل 48 يوماً)، شنت القوات المسلحة اليمنية 70 صاروخًا باليستيًا خلال 152 يومًا، أي بمعدل صاروخ واحد كل يومين. الأرقام هنا تتحدث ببلاغة أوضح من أي خطاب: اليمن يتفوق، والكيان يتراجع.
بل إن الصحيفة نفسها أقرت بأن ما تسميه "الفائدة المركبة" للعدوان تحول إلى "وعود جوفاء"، وأن اليمنيين نجحوا في فرض حصار بحري فعّال أربك الاقتصاد الإسرائيلي وأفقده توازنه، بينما ظلّت تهديدات "تل أبيب" تدور في الفراغ.
لطالما اعتمد العدو الإسرائيلي على عقيدته العسكرية القائمة على التفوق الجوي وسرعة الحسم. لكن النموذج اليمني كشف محدودية هذه الاستراتيجية، وأظهر أن استهداف البنى التحتية لا يحقق ردعًا فعليًا أمام خصم يمتلك إرادة صلبة واستعدادًا لتحمل التضحيات. وبات العدو الإسرائيلي أمام معضلة حقيقية: خصم قليل الإمكانات، لكنه قادر على الاستنزاف والتأثير.
بعد عدة ساعات من العدوان الإسرائيلي على محطة كهرباء حزيز، دوت صفارات الإنذار في أكثر من 200 موقعا في الكيان الإسرائيلي منها مناطق من نتانيا شمالا حتى أسدود جنوبا مرورا بـ"تل أبيب" وفي منطقة القدس عقب إطلاق صاروخ من اليمن. فيما تساقطت الشظايا الصاروخية في مستوطنة "موديعين عيليت". مواقع ملاحة جوية أكدت تعليق الرحلات الجوية في مطار اللد وانتشرت مشاهد توثق هروب المغتصبين في المطار إثر إطلاق صاروخ من اليمن.
القوات المسلحة اليمنية ، أعلنت إثرها استهداف مطار اللُّد في منطقةِ يافا المحتلة بصاروخٍ باليستيٍّ فرط صوتي نوع "فلسطين٢"، مؤكدة استمرارها في تأدية الواجب الدينيِّ والأخلاقيِّ والإنسانيِّ تجاهَ الشعبِ الفلسطينيِّ المظلومِ حتّى وقف العُدوان على غزَّةَ ورَفع الحصارِ عنها.
إنها مواجهة غير متكافئة في الإمكانات، لكنها عادلة في الإرادة: شعب محاصر ومجروح، يقف على خط النار ليقول للعالم إن الدم لا يُهزم بالصواريخ، وإن الغارات لا تطفئ شعلة المقاومة.
اليمن اليوم ليس مجرد جغرافيا محاصرة، بل روح مقاتلة تحولت إلى كابوس يرعب الصهاينة، ويعيد رسم معادلات الردع في المنطقة.
يجد الكيان الإسرائيلي نفسه أمام خصم غير تقليدي، لا يخضع لمعادلات الضغط التقليدية، ولا تنجح معه سياسة "كسر الإرادة" عبر استهداف المنشآت المدنية. فكل غارة جديدة تتحول إلى مادة لإثبات الصمود اليمني، وتأكيد أن ما يحركه ليس حسابات سياسية ضيقة، بل قناعة راسخة بأن المعركة مع العدو الإسرائيلي معركة مصير.
وزير الخارجية والمغتربين جمال عامر اعتبر العدوان الإسرائيلي على محطة كهرباء حزيز، تصعيدًا خطيرًا يهدّد السلم والأمن في المنطقة، وانتهاكًا صارخًا وجسيمًا لمبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.
وأكد وزير الخارجية جمال عامر في رسالة عاجلة وجهها إلى أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، ورئيس مجلس الأمن إيلوي ألفارو دي ألبا، والمفوض السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك، ورئيس مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان يروغ لاوبر، أن هذا العدوان يرقى إلى مرتبة جريمة حرب مكتملة الأركان بموجب القانون الدولي الإنساني.
وأشارت الرسالة إلى أن العدوان الإسرائيلي الإرهابي يأتي في سياق محاولات كيان العدو الفاشلة للضغط على صنعاء لتغيير موقفها ووقف عمليات الإسناد العسكري للشعب الفلسطيني المظلوم في قطاع غزة. مؤكدة في ذات الوقت أن موقف الجمهورية اليمنية، الرسمي والشعبي، الذي يمثله قائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي، هو موقف ثابت ومبدئي نابع من القيم الدينية والأخلاقية والإنسانية، ولن يتغير حتى إيقاف العدوان ورفع الحصار عن قطاع غزة.
الاستهداف المتكرر للبنية التحتية لم يؤدِّ إلى تراجع معنويات اليمنيين، بل عزز قناعتهم بأنهم يخوضون معركة وجودية. فكل غارة تتحول إلى شاهد إضافي على ثباتهم، وكل إعادة إعمار سريعة للبنى المتضررة تحمل رسالة مفادها: الإرادة أقوى من القنابل. هذه الروح الشعبية جعلت من اليمن حالة خاصة في الصراع، إذ لم يعد مجرد ساحة حرب، بل رمزًا لصمود تتجاوز أصداؤه حدوده الجغرافية.
إن ما يجري اليوم لم يعد مجرد تبادل للضربات، بل هو جزء من إعادة رسم لمعادلات الردع في المنطقة. فاليمن، بإمكاناته المحدودة، يفرض حضوره على طاولة الصراع، ويعيد تعريف مفهوم القوة في مواجهة الاحتلال، لتبقى الرسالة واضحة: الغارات قد تدمر حجارة، لكنها لا تنال من إرادة الشعوب.
اليوم، يقف اليمن ليؤكد أن الحروب لا تُحسم فقط بالصواريخ المتطورة والطائرات الحديثة، بل أيضًا بقدرة الشعوب على الصمود والإصرار. وإذا استمر العدوان على غزة، فإن التصعيد في البحر والبر قد يتوسع، لتتعمق الأزمة الاقتصادية والأمنية في "تل أبيب" أكثر فأكثر.