موقع أنصار الله | من هدي القرآن الكريم | 

 

{شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (آل عمران:18). لاحظ كم تتكرر عبارة: ليتقرر في نفوسنا في أعماق قلوبنا ألوهيته، تتقرر ألوهيته في أعماق قلوبنا، في نفوسنا، وتترسخ بشكل صحيح أنه وحده إلهنا، فنرفض ما سواه، نرفض كل من يقدم نفسه كإله لنا، نرفضه.. الله هو وحده إلهنا، فهو الشاهد على وحدانيته, والملائكة تشهد, وأولوا العلم بأنه القائم بالقسط في عباده, في خلقه، والقسط: هو العدل.

{لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} هو العزيز الذي لا يمكن لأحد أن يغالبه فيرد ما شاء نفاذه من أموره، وهو حكيم في أفعاله, في تدبيره، في تشريعه.
{إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}(آل عمران:62) ألم تتكرر هذه المفردات التي تدل على كمال الله سبحانه وتعالى؟ من مثل قوله: {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ}(البقرة: من الآية255). {لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} {وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}فأنت عندما تتولاه هو العزيز، أنت توليت من لا يقهر، وهو الحكيم أنت توليت من يكون تدبيره فيك، من يكون عملك له كله قائماً على الحكمة، كله لا حماقة فيه, لا عبث فيه، لا جهالة فيه، لا خطأ فيه, فهو حكيم، فإذا ما دبرك إنما يدبرك إلى ما هو حكمة، إذا ما أرشدك إنما يرشدك إلى ما هو حكمة، فهو عزيز حكيم.

وعادة ما يحصل بالنسبة للإنسان عندما يلمس لنفسه في هذه الدنيا عزة وهيمنة أن تنطلق منه الأعمال العشوائية, والتوجيهات العشوائية التي تعكس جبروته، أما الله سبحانه وتعالى فهو حكيم ليس هناك حماقة، ليس هناك توجيهات هكذا، أوامر بحماقة وعبث لا يهمه إلا أن تنفذها قُبَلْ، نَفِذْ! هو حكيم, كلما دبرك إليه، كلما وجهك إليه كلما أمرك به هي أوامر حكمة، توجيهات حكمة، إرشادات حكمة.. أي لنثق به.

لاحظ.. نحن تقريباً لا نثق عندما قال الله للمسلمين وهو يتحدث معهم عن الجهاد, ويرشدهم إلى الجهاد, وأنه تجارة تنجيهم من عذاب أليم, وأنه كذا وكذا، عندما قال: {ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}(التوبة: من الآية41) ما هو هذا الخير الذي تذهب ليرموك بالرصاص!! كيف عبارات الناس هنا يقولوا كيف ان هذه حكمة!!؟ لا, هذه حكمة، حكمة, أوامر حكيمة, فيها رحمة لك، وفيها خير لك، وفيها شرف لك.

حتى وإن كانت الجنة بيده، هو لم يأت ليرسم توجيهات معينة يقول: امشوا عليها, من مشى عليها... مثل المسابقات التي يعملونها في التلفزيون، أو المسابقات في المدارس.. من يمشي على هذه نحن سنعطيه الجنة، والذي لا يمشي عليها سندخله النار.. هكذا أوامر معينة, وتوجيهات معينة وبس.. بدها سبرت والا ما سبرت, يعني فيها خطأ والا ما فيها خطأ.. لا. الله هو الحكيم, هو الحكيم في كل شيء، فكل توجيه من توجيهاته، كل إرشاد من إرشاداته، كل أمر من أوامره، كل نهي من نواهيه هو ينطلق بحكمة، ينطلق من الحكيم سبحانه وتعالى. والحكمة ما هي؟ وضع الشيء في موضعه، أن هذا هو وحده الذي فيه الصلاح لك، لا غيره, هو وحده الذي فيه الفلاح لك، لا غيره، هو وحده الذي فيه نجاح وفوز لك لا غيره.. وضع الشيء في موضعه, لا يصلح إلا هو.

لم نثق بكثير من أوامره لأنها تبدو وكأنها شاقة، فنقول: ما لها يبدو وكأنها ما بلى أمرنا كذا قُبَلْ؟! لكن حتى عندما يأمرنا لاحظوا؛ لأنه يأمرنا وهو في نفس الوقت الحكيم الرحيم أيضاً، متى ما أمر بشيء وبدا لنا شاقاً فهو يضع في تشريعاته, وفي المنهج التربوي لكتابه الكريم يضع الأشياء الكثيرة التي هي سهلة في متناولنا فتجعلنا بالشكل الذي يمكن أن نصل إلى هذا الشيء الذي يعتبر مستبعداً أمامنا، يجعل تشريعه بالشكل الذي يهيئ بعضه لبعض ويخدم بعضه بعضاً، ويسهل بعضه تطبيق بعض.

ومع أن تشريعه حتى لو لم يكن وراءه جنة، كل ما هدانا إليه في كتابه الكريم حتى لو لم يكن وراءه جنة لكان هو وحده المنهج الصحيح الذي لا تستقيم حياة البشر إلا به، ولا تستقيم الدنيا إلا بالسير عليه، حتى ولو فرضنا بأنه ليس هناك جنة. أما عندما تكون المسألة بأن ما هدانا إليه هو وحده الذي لا منهج أقوم منه, ولا شيء أفضل للحياة، وفي الحياة منه ثم يثيبنا عليه، ثم يعطينا الجزاء العظيم عليه، هذا هو من أبلغ مظاهر رحمته، من أبلغ دلائل سعة رحمته لعباده.. أنك لا تكاد تجد شيئاً مما أرشد إليه في كتابه الكريم إلا وهو يؤكد أن فيه صلاح الحياة، هنا في الدنيا؛ لأنه هو الذي خلق الدنيا, وخلق الإنسان, وهو الذي يعلم السر في السموات والأرض.. إذاً فلماذا - أيضاً - يضيف إلى هذا أجراً كبيراً وفوزاً كبيراً، ويمنحك الجنة في الآخرة، النعيم الأبدي، النعيم العظيم، والدرجات العالية في الجنة.. أليس هذا من سعة رحمته؟. 

ولهذا قال الله: {وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (آل عمران:107)، أنهم في مواقفهم هذه في الدنيا التي تبيض وجوههم هي مواقف لا بد منها في أن لا يظلموا, ولا يقهروا، ولا يذلوا، وأن يعيشوا أحراراً في الدنيا، وأن يعيشوا كرماء وأعزاء وأقوياء، وتسعد حياتهم, فتصبح الجنة زيادة خير بالنسبة لهم، فسماها رحمة {فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}.


دروس من هدي القرآن الكريم
معرفة الله الثقة بالله ( معنى لا إله إلا الله )
ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي
بتاريخ: 18/1/2002م
اليمن - صعدة