الولايات المتحدة الأمريكية ونظام الاحتلال الإسرائيلي دخلا في حرب مع إيران بالاستناد إلى تقييم أن الشعب سيتعرض لانهيار نفسي واجتماعي حال بدء الهجوم العسكري على الجمهورية الإسلامية الإيرانية. كانوا يعتقدون أن الضغط العسكري بإمْكَانه تحفيز الرأي العام ضد النظام، مما يؤدي إلى موجة من الاحتجاجات، ويدعم الشعب الإيراني الهجمات التي يشنها النظام الصهيوني. لكن هذا الحساب لم يتفق فقط مع الحقائق الموضوعية، بل فشل تمامًا.
ردود فعل إيران المحسوبة، والحازمة، والقاطعة، أفسدت جميع السيناريوهات العسكرية للعدو وأوجدت معادلة جديدة في المنطقة. على عكس نوايا التحالف المهاجم، وقفت الأُمَّــة الإيرانية أمام التهديدات والتجاوزات الخارجية، متخذة موقفًا وطنيًّا موحدًا، ودعمت حكومتها، وزادت من تماسكها الداخلي أمام الاعتداءات.
كان نظام 'إسرائيل' يعتقد أنه بإمْكَانه تدمير القدرة الدفاعية لإيران من خلال شن هجمات ثقيلة في الساعات الأولى من الهجوم، إلا أن الأحداث جرت بطريقة جعلت هذا النظام في وضع الدفاع. إيران، من خلال استهداف دقيق للمراكز الحيوية في الأراضي المحتلّة، غيرت لأول مرة التوازن الأمني لصالحها، ودمّـرت هيبة 'إسرائيل' الأمنية المزعومة. كما أن الادِّعاءات السابقة بتدمير القدرة الصاروخية والبنية التحتية الاستراتيجية الإيرانية بدت غير ذات مصداقية أمام رد الفعل السريع والواسع لطهران.
علاوة على ذلك، فـإنَّ الهجوم الذكي للجمهورية الإسلامية الإيرانية على قاعدة عسكرية في قطر، أرسل رسالة واضحة إلى الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين بأن إيران لن تلعب دورًا في السيناريوهات التي صممها الآخرون. هذه الخطوة، بالإضافة إلى تعزيز الردع، كانت تحمل رسائل واضحة وحاسمة للَّاعبين الإقليميين تفيد بأن الجمهورية الإسلامية الإيرانية ستدافع عن مصالحها المشروعة بقوة.
في سياق الرأي العام، أَدَّت التطورات الأخيرة إلى تعزيز المكانة الإقليمية والدولية لإيران. الدعم الواسع، ونشوء موجة من الاحتجاجات العالمية ضد النظام الصهيوني، وتضامن غير مسبوق بين الشعوب مع الشعب الفلسطيني المظلوم وإيران، أثر بشكل كبير على الأجواء الدولية.
وعُمُـومًا، أَدَّت هذه العملية إلى جعل نظام 'إسرائيل' في عزلة أكبر من أي وقت مضى، وأصبح اعتداله المزعوم للأعمال العسكرية موضع شك كبير. من جهة أُخرى، لم تقم الجمهورية الإسلامية الإيرانية فقط بتثبيت مكانتها كقوة مؤثرة إقليميًّا، بل أظهرت دورها الرئيسي كأحد الأركان الأَسَاسية لمحور المقاومة بشكل أكثر وضوحًا من أي وقت مضى.
هذه التحول الاستراتيجي، بلا شك، يمثل هزيمة كبيرة لحسابات الأمن والسياسة الأمريكية والإسرائيلية.
من ناحية أُخرى، في الظروف الراهنة، لا يمكن توقع أن تتراجع الجمهورية الإسلامية الإيرانية تحت الضغوط السياسية والدبلوماسية عن برامجها الاستراتيجية، لا سِـيَّـما في مجال التكنولوجيا النووية. ما يبرز من مجريات الأحداث هو أن طهران ستكون عازمة على متابعة مسار تقدمها وتثبيت إنجازاتها بقوة، معتمدةً على سيادتها الوطنية وليس على المصلحة.
إيران الآن في موقع المبادرة، بينما الأطراف المتخاصمة مضطرة لإعادة تقييم حساباتها الخاطئة. مستقبل المنطقة، في ضوء هذه التحولات الاستراتيجية، يتجه نحو تشكيل توازن جديد وتعزيز مكانة محور المقاومة.
وفي هذا السياق، يستحق دعم الشعوب والدول الإسلامية، لا سِـيَّـما حكومة اليمن الشرعية (أنصار الله)، وجمهورية باكستان الإسلامية، وسلطنة عمان، والعراق، وحزب الله اللبناني، وحماس، والجهاد الإسلامي الفلسطيني، التقدير.