تتجاوز ذكرى عاشوراء كونها مُجَـرّد حدث تاريخي جرى قبل قرون، لتصبح في عمق الوعي الإنساني، وفي وجدان الأُمَّــة، ملحمة خالدة تتجدد معانيها وتتوهج قيمها مع كُـلّ جيل.

إنها ليست قصة ألم وحسب، بل هي سِفر عظيم خطّه الإمام الحسين (عليه السلام) بدمه الطاهر؛ ليجسِّدَ أسمى معاني العزة والكرامة، ويشكّل منارةً لا تخبو في درب المستضعفين والباحثين عن الحق والعدل.

في ثنايا هذه الملحمة، تتجلى العزة كقيمة أَسَاسية، لا بمعناها المتعارف عليه كقوة مادية أَو تفوق دنيوي، بل كرفض للخضوع للظلم والهوان، كوقوف شامخ في وجه الطغيان، حتى لو كان الثمن هو التضحية بالنفس والنفيس. لقد كان خيار الإمام الحسين (عليه السلام) واضحًا: "هيهاتَ منا الذلة"، وهو شعارٌ يردّده اليومَ كُـلُّ مَن يرفُضُ الذلَّ والاستسلامَ أمام مشاريع الهيمنة والاستكبار. هذه العزة ليست تفاخرًا، بل هي قناعة راسخة بأن كرامة الإنسان تتوقف على حريته ورفضه لكل أشكال الاستعباد الفكري والسياسي والاقتصادي. إنها عزة تنبع من الإيمان العميق بأن الحق هو المنتصر وإن طال أمد الباطل، وأن الصمود هو سبيل النصر وإن بدت القوة في كفة الأعداء.

أما الكرامةُ، فهي الوجهُ الآخر لهذه الملحمة العظيمة. لقد تجلَّت في صبر الحسين وأهل بيته وأصحابه، في ثباتهم على المبدأ رغم جسامة التضحيات. الكرامة في عاشوراء هي رفض المساومة على المبادئ والقيم، هي إيثار الموت بعزة على الحياة بذل. إنها تلك الشجاعةُ التي تدفعُ الإنسان للتضحية بكل غالٍ ونفيس في سبيل الحفاظ على إنسانيته وكرامته وعقيدته. إنها صرخة مدوية في وجه كُـلّ من يحاول سلب الإنسان إرادته أَو مصادرة حقوقه.

الكرامة هنا هي أَسَاس الثورة، وهي الدافع للمقاومة، وهي الشرارة التي توقد في النفوس جذوة الإباء والصمود.

إن عاشوراء اليوم، كما في الأمس، هي مصدر إلهام لكل الأحرار. ودرس حي في الصمود والثبات، وتأكيد على أن دماء الشهداء لا تذهب هدرًا، بل تسقي شجرة الحق والعدل لتزهر ثمار النصر. إنها دعوة دائمة لإحياء قيم العزة والكرامة في نفوسنا، لمواجهة التحديات بروح الإباء الحسيني، ولنكون جزءًا من مسيرة التحرّر والانتصار التي بدأها سبط الرسول الأعظم في كربلاء، وتتواصل اليوم في كُـلّ ميادين الحق ضد الباطل.