نفى كبيرُ مجرمي الإدارة الأمريكية ترامب، يومَ أمس، حدوثَ جريمة إبادة جماعية في قطاع غزة، ونفى كذلك تعمُّدَ التجويع، وأن ما هو حاصلٌ في قطاع غزة مُجَـرَّدُ سُوء تغذية، فهل يعني نفيُ ترامب لجريمة الإبادة الجماعية مُجَـرّدَ الدفاعِ عن الكيان الصهيوني؟ وماذا يعني نفي هذا المجرم لتعمد حالة التجويع بحق سكان القطاع؟ وما الذي يجب أن يحدث لكي يُقِرَّ المجرمُ ترامب وإدارتُه بحدوثِ جريمة الإبادة الجماعية بأفعالها وصورها المتعددة وأساليبها المستحدثة؟
ولا يقتصر نفيُ حدوث جريمة الإبادة الجماعية على المجرم ترامب، بل إن جميعَ مجرمي الإدارة الأمريكية نفوا ولا يزالون ينفون حدوث الإبادة الجماعية، وهذا النفي لجريمة الإبادة الجماعية مُستمرّ ومتتابع وليس مقتصرًا على الإدارة الحالية ورئيسها المجرم ترامب، بل لقد سبق لسلفه المجرم بايدن النفي لحدوث الجريمة، فبمُجَـرّد أن تحَرّكت جمهورية جنوب إفريقيا لإثارة مسؤولية الكيان الصهيوني عن اقتراف جريمة الإبادة الجماعية بحق أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة أمام محكمة العدل الدولية نفى رئيس الإدارة الأمريكية في حينه المجرم بايدن صحة تحَرّك جنوب إفريقيا مؤكّـدًا أن ما جرى في قطاع غزة لا يرقى إلى وصفه بالإبادة جماعية!
وكرّر ذاتَ النفي وزيرُ خارجية الإدارة الأمريكية في حينه المجرم بلينكن واصفًا تصرُّفَ جنوب إفريقيا بالمبالغة وعدمِ الموضوعية؛ فهل كُـلّ هذا التكلف من جانب الإدارة الأمريكية السابقة والحالية يندرج فقط في إطار الدفاع عن الكيان الصهيوني أم يتجاوز ذلك؟ خُصُوصًا أن عددًا من مجرمي هذا الكيان أعلنوا بشكل صريح نيةَ اقتراف الجريمة؛ فمنهم من طالب بإلقاء قنبلة ذرية على القطاع! ومنهم من طالب بقذفهم إلى البحر، وغير ذلك من التصريحات التي تؤكّـدُ نيةَ الكيان الصهيوني المجرم لاقتراف إبادة جماعية بحق سكان قطاع غزة.
ولا يزال مجرمو الكيان حتى اليوم يؤكّـدون بإصرارٍ النيةَ لإبادة سكان القطاع؛ فالوزيران سموتريتش وبن غفير يرفضان بشكل قاطع السماح بإدخَال مواد الإغاثة الإنسانية إلى قطاع غزة، ويهدّدان المجرم نتن ياهو بالانسحاب من الحكومة وإسقاطها؛ فإذا لم يكن هذا الموقف مؤكّـدًا اتّجاه نية قادة الكيان الصهيوني اقتراف إبادة جماعية بحق سكان القطاع فماذا يعني ذلك؟ خُصُوصًا أن الموقف الرافض لإدخَال المساعدات الإنسانية ليس إلا أُسلُـوبا واحدًا من أساليب الإبادة الجماعية إلى جانب أُخرى اتبعها الكيان الصهيوني؛ فالإبادة الجماعية بالقتل المباشر باستخدام أشد القنابل والصواريخ فتكًا وغيرها من قذائف المدفعية والأسلحة الرشاشة والطيران المسيّر التي تحصد مئات الأبرياء من أبناء الشعب الفلسطيني يوميًّا.
ويعد من الأساليب التي اتبعها الكيانُ الصهيوني وتندرجُ ضمنَ أفعال جريمة الإبادة الجماعية تدميرُ كافةِ مقومات الحياة في قطاع غزة؛ فلا مساكن ولا مشافيَ استثناها الاستهدافُ الصهيوني، ولا مدارس ولا غيرها من الأعيان المدنية يمكن استخدامُها كمراكز إيواء بعد تدميرِ الأحياء السكنية، ولم يستثنِ الكيانُ الصهيوني المجرمُ حتى الخِيامَ القماشية المهترئة التي أصبحت بمن فيها أهدافا يومية للقنابل والصواريخ شديدة التدمير!
وللإجَابَة على التساؤلات السابقة المتعلقة بنفي مجرمي الإدارة الأمريكية الحالية والسابقة حدوث إبادة جماعية؛ فَــإنَّ ذلك النفي لا يعد دفاعًا عن الكيان الصهيوني فقط، بل يعد محاولةً لنفي مسؤولية الإدارة الأمريكية وتورطها في الجريمة باشتراكها بصور متعددة من الإمدَاد بوسائل اقتراف الجريمة وحماية المنفذ المباشر لها بتواجدها حولَ مسرح الجريمة، وتوفير مليارات الدولارات لرفد خزينة الكيان الصهيوني لمنع أية اضطرابات داخلية، والتغطية السياسية للجريمة في مختلف المحافل الدولية.
ولقد طالبت وناشدت في مقالاتٍ ومقابلاتٍ سابقة وأثناء إثارة مسؤولية الكيان الصهيوني أمام محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية بانضمام دولة الجزائر أَو أية دولة عربية لإثارة مسؤولية الإدارة الأمريكية وغيرها من القوى الاستعمارية الغربية الشريكة في الجريمة، ولو لم يكن لذلك من جدوى سوى تثبيت عَارِ الجريمة بالإدارة الأمريكية والقوى الاستعمارية الغربية الشريكة، لكن لم تجرؤ أيةُ دولة على فعل ذلك؛ خوفًا من السطوة الأمريكية وغيرها من الشركاء في الجريمة!
ورغم تخصيص الإدارة الأمريكية وغيرِها من الشركاء الغربيين في الجريمة لماكينة إعلامية ضخمة تولت مهمةَ التضليل للرأي العام والترويج لما جرى ويجري في قطاع غزة بأنه حالةُ (حرب)، وأن الكيانَ الصهيوني في حالة دفاع عن النفس، ومحاولة تخفِّي الإدارة الأمريكية خلال الفترة الماضية خلفَ صفة الوسيط، غير أن كُـلَّ ذلك تكشَّفَ للرأي العام حتى في الدول الغربية، الذي أصبح يدركُ أن ما جرى ويجري في قطاع غزة إبادة جماعية، وأن التجويعَ والتعطيشَ ومنعَ دخول المواد الإغاثية من أساليب اقتراف هذه الجريمة.
وليس شرطًا لتحقُّقِ وصف الإبادة الجماعية أن تشملَ جميعَ السكان، بل تتحقّق الإبادة وتنهض المسؤولية عنها في مواجهة المنفذ المباشر للجريمة وشركائه فيها، بمُجَـرّد تحقّق النية لاقترافها، وتتأكّـد المسؤولية عنها ولو بإبادة عدد محدود من السكان، وفقًا للمادة الثانية من اتّفاقية منع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها لسنة 1948م التي نصت على أن (في هذه المادة تعني الإبادة الجماعية أيًّا من الأفعال التالية المرتكبة على قصد التدمير الكلي أَو الجزئي لجماعة قومية أَو إثنية...).
ووفقًا للمادة الثالثة من الاتّفاقية الدولية تتحقّق شراكة الإدارة الأمريكية في الجريمة وتنهض المسؤولية عنها في مواجهتها وفقًا للفقرات (ج، ب، هـ) من هذه المادة، وكذلك الحال بالنسبة لمسؤولية غير الإدارة الأمريكية من القوى الاستعمارية الغربية الشريكة للكيان الصهيوني في الجريمة بصور وأفعال متعددة.