في الوقت الذي تتعرض فيه فلسطين، أرض الإسراء والمعراج، لأبشع أنواع العدوان والاحتلال، يغيب عنها أُولئك الذين اعتادوا رفع رايات "الغيرة على الدين" عندما تكون المعركة داخل جسد الأُمَّــة. يغيب دعاة الفتنة الذين يتسابقون على إشعال الصراعات المذهبية والعرقية والطائفية داخل البلدان الإسلامية، بينما يقفون صامتين — أَو متواطئين — عندما تكون المعركة مع عدو الأُمَّــة الحقيقي: الكيان الصهيوني.

الشعب الفلسطيني مسلم، عربي، سُني في غالبيته، ومظلوميته ليست محل جدال، بل يعترف بها العالم أجمع. قضيته واضحة كالشمس: احتلال صهيوني، وعدوان مُستمرّ، وتشريد وقصف وتجويع. لا غموض ولا التباس في المشهد. ومع ذلك، لا نرى أُولئك "الغيارى" على الإسلام يتحَرّكون لأجلها كما تحَرّكوا؛ مِن أجلِ صراعات مدمّـرة بين أبناء الدين الواحد. فلماذا؟

هل تنتصرون فقط إذَا كان القاتل من جلدتنا والمقتول من أبناء طائفتكم؟

هل أصبحت فلسطين عبئًا على مشروعكم الطائفي؟

هل القدس ليست من أولويات من يرون في الأُمَّــة "غنيمة مذهبية"؟

العدوّ الصهيوني لا يفرّق بين سني وشيعي، بين عربي وأعجمي، بين مذهب وآخر؛ بل يقتل الفلسطيني؛ لأَنَّه مسلم؛ لأَنَّه رافض للظلم؛ لأَنَّه متمسك بأرضه ومقدساته. فلماذا يختبئ من يزعمون نصرة الإسلام في هذا المشهد؟ أين خطباؤكم؟ أين فتاواكم؟ وأين أموالكم التي أنفقت في الفتن ولم تُنفق في دعم فلسطين؟

القضية الفلسطينية لا ينقصها الوضوح، ولا الحق، ولا الشرعية، وإنما ينقصها الإنصاف من أبناء جلدتنا.

ينقصها أن ترتقي فوق المشاريع الضيقة والأجندات المشبوهة.

ينقصها أن تصدح المنابر بوجع القدس لا بوقود الفتنة.

فلسطين كانت وستظل مِحكًا للصدق، ومِعيارًا للوفاء، وميزانًا لتمييز من يقاتل لأجل الأُمَّــة ممن يتاجر بها.

وإلى أُولئك الذين يصمتون اليوم:

صمتكم خيانة، وتجاهلكم وصمة، ولن تمحى.