زيارة المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف إلى قطاع غزة لم تكن ضرورية أبدًا حتى يدرك دونالد ترامب أن ما يحدث هناك أمرٌ مروّع ومقلق.

فالحقيقة التي يعرفها الجميع هي أن ترامب والإدارة الأمريكية هم قادة هذه المأساة بدعمهم الكامل للأيدي الصهيونية.

والسؤال الأهم الذي يجب أن يُطرح هو: ماذا سيفعل ترامب لوقف هذه المجاعة المتعمدة، التي تحولت إلى حرب إبادة جماعية، يُغطيها سياسيًّا بدفاعه المُستمرّ عن (إسرائيل) في المحافل الدولية، ويُغذيها دبلوماسيًّا بعلاقاته المشبوهة معها، ويدعمها عسكريًّا بالسلاح، ويموِّلُها اقتصاديًّا بمساعداته المليارية؟

ما قيمة زيارة ويتكوف لقطاع غزة والتجول بين أنقاض منازلها كما لو أنه يستكشف أمرًا جديدًا؟!

ألم تكن الصور التي تصلهم من غزة كافية لترى الإدارة الأمريكية جثث الأطفال تحت الركام؟!

ألم تسمع صرخات الأُمهات الثكالى؟!

إن زيارة ويتكوف لقطاع غزة مُجَـرّد ديكور لإخفاء التواطؤ الأمريكي الصارخ. فلو أراد ترامب حقًا إنقاذ غزة، لأمر بفتح المعابر، وأوقف تمويل المجزرة، لكنه يختار أن يكون شريكًا في الدم، وشريكًا في التجويع الممنهج لأكثر من مليونَي إنسان في قطاع غزة، وشريكًا في تدمير المستشفيات وكل مقومات الحياة فيها.

وهذه هي الحقيقة التي يعيشها أهل غزة كُـلّ يوم على مرأى ومسمع العالم. فكيف يجرؤ ترامب على التحدث عن "قلقه" إزاء ما يجري هناك، وبنفس الوقت يوقّع على صفقات السلاح الجديدة مع الكيان؟!

مجاعة غزة ليست حادثًا، بل سلاحٌ استراتيجيٌّ في ترسانة الاحتلال، صنعته أيادٍ صهيونية بدعم أمريكي مطلق.

إن مهزلة "الجهود الدبلوماسية" لا تخدع أحدًا من أهل غزة، الذين باتوا يعرفون جيِّدًا أن واشنطن هي رأس الأفعى، وأن المساعدات الهزيلة التي تصل بالقطّارة إلى غزة ليست حلًّا، بل إهانة جديدة. ولسان حالهم يقول: ما قيمة شاحنتين أَو ثلاث تدخل بينما آلاف الشاحنات محتجزة بموافقة أمريكية؟! وما فائدة أكياس الأرز التي تُلقى من الجو على الجوعى كالقنابل؟! فهل سيشبع كيس أرز واحد أسرة جائعة أيامًا؟!

إن المساعدات المزعومة ليست سوى ذرٍّ للرماد في العيون، ومحاولة يائسة لغسل الدم الأمريكي الملطّخ بجرائم غزة. والحصار المفروض لعامين على الغزيين هو حصار أمريكي–صهيوني مشترك.

النتائج المرعبة التي نراها اليوم في قطاع غزة من موت وجوع وأمراض، هي بالضبط ما خُطط له من قِبل الأمريكي، ومعه الصهيوني. إنها حرب إبادة مكتملة الأركان، حرب تستهدف وجود الشعب الفلسطيني، حرب تذكّرنا بكل مجازر التاريخ بشاعة، ولكن بآلات قتل أكثر تطورًا، وبدعم دولي صارخ.

إن المجتمع الدولي الصامت شريك في الجريمة، وصمته صفقة مع أمريكا والكيان الصهيوني. فلو أرادوا وقف المجزرة لفعلوا، لكنهم يختارون الرهان على موت الضحايا، ويختارون مراقبة الكارثة الإنسانية وكأنها تجربة معملية. فأين الضمير الإنساني؟!

أين المواثيق الدولية؟ أين حقوق الإنسان التي يتغنى بها الغرب؟! كلها ذابت أمام المصالح السياسية والمالية.

فشركات السلاح الأمريكية تربح المليارات، واللوبي الصهيوني يتحكم في القرارات، وترامب يضمن أصوات الناخبين، وكل هذا على حساب دماء أطفال غزة، وأنقاض بيوت دمّـرت بقنابل أمريكية.

فكيف لنا أن نصدق بعد هذا كله أن زيارة ويتكوف ستغير شيئًا من مأساة غزة؟!

التاريخ لن ينسى أن أمريكا هي من أعطت الضوء الأخضر للمجرم الصهيوني في عدوانه على غزة، ولن ينسى أنها من زودت طائراته بالقنابل، وعطلت قرارات الأمم المتحدة، ومولت المجزرة، ووفرت الحماية للمجرمين الصهاينة من المحاسبة.

لا جديد على أرض الواقع سوى المزيد من الجثث، والمزيد من الجوع، والمزيد من الدمار، والمزيد من الدموع.

وزيارة المبعوث الأمريكي لم توقف طائرة واحدة عن القصف، ولم تفتح معبرًا واحدًا، ولم تنقذ طفلًا واحدًا من الموت.

وكل ما فعلته تلك الزيارة هو تقديم عرض مسرحي بائس لتبرئة ساحة الإدارة الأمريكية مما يحصل في غزة.

ما يحدث في غزة ليس صراعًا سياسيًّا، بل جريمة إبادة جماعية بقيادة أمريكية وتنفيذ صهيوني. والضحايا فيها ليسوا أرقامًا، بل أطفال ونساء وشيوخ ورجال، تحوّلوا إلى جثث تُدفن في مقابر جماعية بلا أسماء.

هذه هي الحقيقة التي لا تحتاج إلى مبعوثين لمعاينتها، الحقيقة التي يعيشها الغزيون كُـلّ يوم، وكل ساعة، وكل ثانية.

التاريخ سيسجل أن القرن الحادي والعشرين شهد أكبر جريمة إنسانية تحت قيادة أمريكية، وسيبقى اسم ترامب ملطخًا بلعنة غزة.

فالأرض التي تشرب من دماء شهدائها لا تنسى، والشعب الذي يواجه الموت بصلابة لا يموت.

وستظل غزة شاهدًا أبديًّا على وحشية أمريكا والصهاينة، وستبقى وصمة عار في جبين الإنسانية ما دام فيها طفل يصرخ: أنا جائع!