سلسلة المحاضرات الرمضانية (لعلكم تتقون)
ألقاها السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي "يحفظه الله"
المحاضرة الرمضانية الأولى: الأحد 2 رمضان 1438هـ 28 مايو 2017م
محاضرة معنى التقوى (1)
أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ.
أَيُّهَــــا الإِخْــــوَةُ وَالأَخَــــوَات: السَّــلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُه؛؛؛
مبارك لكم حلول هذا الشهر الكريم، شهر رمضان شهر العفو، والرحمة، والمغفرة، والخير، والبركات.
نسأل الله "سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى" أن يغفر فيه لنا ولكم، وأن يرحمنا ويرحمكم، وأن يوفقنا ويوفقكم، وأن يكتب لنا ولكم ولكل أمتنا كل الخير والبركة والرحمة والمغفرة.
يقول الله "سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى" في كتابه الكريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} .
مما لا شك فيه ومما هو معروف بشكل عام لدى المسلمين جميعًا أن صيام شهر رمضان المبارك هو فرض من أهم فروض الله "سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى" وهو ركن من أركان الإسلام له كل هذه الأهمية في الشرع الإسلامي وفي الدين الإسلامي، ولذلك حينما يأتي هذا الشهر المبارك يستعد المسلمون لصيامه في كل أنحاء المعمورة ويحرص كل إنسان مسلم متزن على أن يؤدي هذه الفريضة بكل اهتمام وبكل جد.
وأيضاً مما لا شك فيه لدى المسلمين جميعاً هو فضل هذه الفريضة وأهميتها وإيجابيتها الكبيرة على نفسية الإنسان المسلم وفي حياته وفي القربة من الله "سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى" وفيما يُرجى من فضل الله ومن رحمته ومن بركاته بمناسبة هذه الفريضة.
تقييم النظرة لشهر الصيام
وتختلف النظرة إلى هذه الفريضة وإلى هذا الركن المهم من أركان الإسلام وفي طبيعتها وفي مستوى الاستفادة منها، فالكثير مثلاً يتجه في نظرته وفيما يراه بخصوص هذا الفرض العظيم أنه مصدر أجر ومصدر فضل ومصدر قربة إلى الله "سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى" يجزي الله عليه الجزاء الحسن، خير الجزاء من الثواب العظيم في الدنيا والآخرة وبالذات في الآخرة، ثم مع الاستمرار والاعتياد في واقع المسلمين أصبحت النظرة إلى هذه الفريضة لدى البعض نظرة روتينية واعتيادية وممارسة اعتيادية.
يأتي شهر رمضان يتعود الإنسان المسلم ومنذ نشأته منذ طفولته، على صيام هذا الشهر فتصبح حالة روتينيةً اعتيادية ثم تدخل فيها الكثير من العادات والتقاليد التي تتفاوت أحيانا من بلد إلى بلد ومن قُطر إلى قُطر ومن منطقة إلى منطقة، البعض مثلاً مع هذه الحالة الروتينية والاعتيادية لديهم قد يكون اهتمامهم بشكلٍ أكبر وعلى نحوٍ أهم لديهم هو التركيز- فيما يتعلق بهذا الشهر الكريم- على طبيعة السهرات والحفلات والأكلات وغير ذلك، البعض مثلاً قد يصب اهتمامه نحو الوجبات التي يتجه التركيز عليها بعد يوم طويل من الصيام وبعد الجوع والظمأ، البعض قد يتجه تركيزهم على الكيفية التي يمضون بها ليالي هذا الشهر وهكذا، البعض قد يكون لديهم التركيز على اغتنام فرصة هذا الشهر في تلاوته القرآن في الإكثار من ذكر الله "سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى" بغية الحصول على الأجر الكثير والاكتساب للحسنات التي هي مضاعفة في هذا الشهر الكريم أضعافاً كثيرة.
الهدف الأسمى من فريضة الصيام
نحن نقول أنه وللأسف يغيب إلى حد كبير وفي أوساط الساحة الإسلامية، وفي واقع المسلمين الوعي اللازم تجاه هذا الفرض العظيم وهذا الركن المهم من أركان الإسلام ومستوى الاستفادة من صيام شهر رمضان على المستوى التربوي على المستوى العملي، وبالتالي فيما لذلك من تأثير في واقع الحياة هو مستوى ضعيف إلى حد ما لدى الكثير من الناس، حينما نعود إلى الآية المباركة التي ابتدأنا بها كلامنا وهي قول الله "سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى" مخاطباً لنا كمنتسبين إلى هذا الدين الإسلامي: {يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} نجد أن الله "سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى" أولاً وهو يخاطبنا بحكم انتمائنا الإيماني معتبرًا أن هذا الانتماء الإيماني هو التزام للاستجابة، التزام بالطاعة التزام عملي ثم الله "سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى" يقدم هذه الفريضة كفريضة مشروعة ولازمة فرضها الله فرضاً وليست طوعية أو مستحبة، |لا|، {كُتِبَ} إلزامية، تعتبر فريضةً إلزامية إلا حسب الاستثناءات التي وردت في الآيات القرآنية فيما يتعلق بالمريض فيما يتعلق بمن لا يستطيع الصيام لعذر شرعي فهناك أحكام ذكرت في الآيات القرآنية، ولكن هو هنا يؤكد أنها فريضة إلزامية، {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} وفريضة مهمة شرعها الله "سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى" في شرائعه السابقة مع أنبيائه السابقين، فلذلك قال: {كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُم}، ولها هدف مهم من أهم الأهداف، وله تأثيره الكبير في حياة الإنسان: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، وللأسف فهذا هو ما يغيب إلى حد كبير في أوساط المسلمين، {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} بالإمكان أن يكون لصيام شهر رمضان أثرٌ كبيرٌ في حل كثير من مشكلات المسلمين وفي إصلاح كثير من واقعهم وأن يكون لهذه الفريضة المهمة عائد تربوي وأخلاقي وبالتالي تأثير في استقرار حياة المسلمين وحل الكثير من مشاكلهم لو استفاد منها المسلمون كما ينبغي، لو نتجه في تعاملنا مع هذه الفريضة من نفس الهدف الرئيسي منها، والأولي منها هو: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، ودخل الإنسان في شهر رمضان بهذا الاهتمام بهذا التوجه بهذا الوعي، لكان لهذا أثر كبير جدًّا في نفسه ووعيه وتصرفاته وبالتالي في واقع حياته، على المستوى الفردي ثم في واقعنا بشكل عام على المستوى الجماعي كمجتمعات إسلامية.
التقوى ونتائجها المهمة في الدنيا والآخرة
هنا نتحدث عن التقوى باعتبارها غاية أساسية لشهر رمضان ومن جوانب متعددة بدءاً بأهمية التقوى حينما يقول الله "سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى": {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، هذا الظمأ وهذا الجوع وهذه المتاعب التي تكون عادة أثناء الصيام وتتفاوت من بلد إلى بلد وحتى على المستوى الفردي تتفاوت لها ثمرة مهمة إذا كانت عن وعي، هي التقوى وما أحوجنا إلى التقوى وما أعظم التقوى وأهمها في واقع الإنسان في حاضره وفي مستقبله في الدنيا والآخرة، حديث القرآن الكريم عن التقوى حديثٌ واسع، وحديثٌ عظيم وحديثٌ مهم، ونحتاج إلى أن نتفهم هذا الحديث في مجالاته المتنوعة وفي فوائده المتنوعة.
حينما نأتي إلى تقوى الله "سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى" فإننا نجد أهميتها على كل مجالٍ من مجالات حياة الإنسان في الدنيا والآخرة، ولذلك نحن نرغب أن نتحدث حتى عن أهميتها قبل الحديث حتى عن تعريفها حتى حينما نصل إلى الحديث عن تعريف التقوى وامتداداتها في مجالات الحياة وفي نطاق المسؤولية ندخل إلى ذلك من واقع الوعي بأهميتها فنركز ونتفاعل.
الله "سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى" في كتابه الكريم ذكر النتائج العظيمة في التقوى والمتنوعة، وعلى المستوى الفردي وكذلك على المستوى الجماعي، قال الله "جلَّ شأنه" في كتابه الكريم: {وَمَن يَـتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} ، تقوى الله هي وسيلة خير وسبب رعايةٍ ورحمةٍ من الله "سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى" أنت أيها المسلم حينما تتقي الله فإن الله يوليك من رعايته ويشملك من ألطافه ورحمته ما يجعلك محط لطفه الكبير إلى هذه الدرجة {وَمَن يَـتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا}.
ما أكثر ما يواجه الإنسان في هذه الحياة من صعوبات ومشاق وتحديات وأخطار وما أكثر ما يعاني وما أكثر ما يشعر بحاجته إلى رعاية الله وإلى لطف الله أمام كل ضيق وأمام كل صعوبة وأمام كل معاناة، الله "سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى" ومن خلال التقوى يوليك هذه الرعاية {وَمَن يَـتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا} مخرجاً من كل ضيق مخرجاً من كل كرب، مخرجاً من كل هم ومن كل غم ومن كل بلاء ومن كل محنة، من كل ما ترى نفسك فيه في أمس الحاجة إلى الله ليخرجك مما أنت فيه من ضيق حال ومن كربٍ ومن هم، {وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} والإنسان يشعر على الدوام بحاجته إلى الله في أن يرزقه يحتاج إلى هذا، كم الحالة التي يعاني فيها الكثير الكثير من مضائق الحياة وصعوباتها فيما يتعلق بالرزق والمعاناة الكبيرة في هذا الجانب {وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} من حيث لا تتوقع من حيث لم يكن ضمن حساباتك وتقديراتك أنه سيأتيك الرزق فيرزقك الله "سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى" .
فإذاً التقوى لها علاقة بجانبين مهمين لكل إنسان:
تجاه أسرته -مثلاً- فيسعى ويكد ويتعب ويعمل على أن يوفر لهم احتياجاتهم في هذه الحياة، والهم في مسألة الرزق هو هم واسع بل يكاد أن يكون في مقدمة الهموم لدى أغلب البشر لدى أغلب الناس، تجد الكثير من الناس يحملون هذا الهم؛ كيف يوفر الاحتياجات والمتطلبات الضرورية لنفسه ولأسرته ولمن عليه حمل مسؤوليتهم أو تحمل مسؤوليتهم في هذه الحياة، فالتقوى وسيلة للرزق وليُسْر الرزق.
وأيضاً في مواجهة الصعوبات والكُرَب والمشاق والمضائق في هذه الحياة، لكم يدخل الإنسان في واقع حياته وفي مسيرة حياته في مضائق كثيرة ومخاطر كثيرة، البعض منها قد تشكل خطورة على حياته، البعض منها قد تشكل خطورة على أمنه واستقراره على استقراره النفسي أو على استقراره الحياتي البعض منها قد يكون لها أخطارها على مستوى واقعه الشخصي أو الأسري أو ما هو أشمل من ذلك، أمام كل المضائق أمام كل التحديات أمام كل الأخطار؛ تقوى الله هي سبب خيرٍ لأن يتولى الله "سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى" –وهو القدير وهو الرحيم وهو الكريم وهو الخبير وهو العظيم– رعايتَك فيستنقذك ويخرجك، قد لا يتمكن الآخرون أن يفعلوا لك شيئًا في كثير من الأمور وقد تجد الكثير لا يبالون بك، ولكن هذا سبب خيرٍ ورحمة.
التقوى وتيسير الأمور
يقول الله "سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى" في كتابه الكريم: {وَمَن يَـتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} ، كذلك الإنسان في واقع هذه الحياة في رحلة هذه الحياة يواجه الكثير من الصعوبات التي يمكن أن نطلق عليها العسر، تتعسر عليه الكثير من الأمور، أمور المعيشة، تتعسر عليه أمور المسؤولية، تتعسر عليه مشاكل كثيرة تجدها مشاكل متعثرة، فيواجه الصعوبة في معالجتها وفي تفكيكها وفي تجاوزها، ويحمل لذلك الكثير من الهم النفسي والمعنوي وأحياناً حتى الجسدي إلى غير ذلك، الله "سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى" حينما يُيسر لك أمرك، أي أمر في أي شأن من شؤون حياتك المتعلقة بواقع الحياة في أي مجال من مجالاتها في المسؤولية أو غيرها حينما يُيسر الأمور تتيسر وتخرج من حالة التعقيدات والصعوبات والعسر، والإنسان يكون دائماً توّاقاً كيف تتيسر أموره، وحينما تتعسر يضيق به الحال وتضيق نفسه بذلك، فيبتغى اليسر ويتمنى كيف لو يتيسر لي هذا المسعى أو هذا العمل أو هذا الأمر، أيّ أمر، مسألة أمر مسألة شاملة لكل نطاق حياة الإنسان ومجالات حياة الإنسان، {وَمَن يَـتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا}، يشملك الله "سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى" برعايته وألطافه فَيَفُك عنك التعقيدات الكثيرة ويُيسر لك أمورك، يعطيك الطاقة المعنوية والنفسية ثم في الواقع نفسه يُهيئ لك الكثير من الأسباب التي تفك التعقيدات التي كانت تُصعِّب عليك الأمور.
التقوى وتكفير السيئات
يقول الله "سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى" في كتابه الكريم: {وَمَن يَـتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا} ، وهذا جانب مهم لدى كل إنسان مؤمن، أخطر شيء على الإنسان هي السيئات في أثرها على المستوى النفسي وفي أثرها على مستوى الحياة كل شؤون الحياة وفي خطورتها على علاقتك بالله "سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى" وفي خطورتها عليك في مستقبل الآخرة، هذه السيئات في كل ما تتركه من أثرٍ سيئ على النفسية وعلى الواقع واقع الحياة وعلى المستقبل وعلى أثرها السيئ في العلاقة ما بينك وبين الله "سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى" ؛ تقوى الله سببٌ لتكفيرها وإذهاب تأثيراتها لأن من التكفير الإذهاب بتأثيراتها؛ لأن كل عملٍ سيئ، كل سيئة لها أثر سيئ ولها نتيجة سيئة، أثر سيئ على المستوى النفسي والمعنوي حتى على الشعور والوجدان، ثم أثر سيئ في واقع الحياة وفي الواقع العملي أيضاً، فالتكفير فيه إذهاب لآثارها السيئة وتغطية لآثارها السيئة على الإنسان وعلى نفسيته وعلى واقعه، {ويُعظم له أجراً}، يكتب الله لك على التقوى بما فيها من التزام وبما فيها من استقامة وبما فيها من أعمال وبما فيها من انضباط عملي الأجر العظيم والمردود الكبير وبالتالي في الدنيا فيما يتحقق لك من الله "سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى" وفي الآخرة أيضاً.
التقوى ودورها في استقامة الأمة
يقول الله "سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى": {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}، مضى الخطاب على المستوى الفردي، وهنا يتجه الخطاب للمؤمنين على المستوى الجماعي فيما يفيدك ويفيد الآخرين بشكلٍ عام، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَـتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} ، إن تتقوا الله كمؤمنين وعلى نحو جماعي وعام وينالك كفرد ولكن أيضاً ضمن الواقع العام لأهمية هذا على المستوى العام {إِن تَـتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا} تكونون أمةً مستنيرةً واعيةً فاهمةً أمةً متنورةً بنور الله تُفرق ما بين الأمور تُفرق ما بين الحق والباطل ما بين الخطأ والصواب لا تلتبس عليها الأمور لا تكون أمة عمياء تلتبس عليها الأمور وتختلط عليها الأمور وقابلةً للانخداع وقابلةً للتضليل وقابلةً للانحراف بكل بساطة، |لا| أمة مستنيرة واعية فاهمة متزنة حكيمة ليست أمة تعيش حالة الالتباس والاختلاط في كل أمورها والغباء والضلال والضياع، |لا|، أمة تملك النور و تملك الوعي و تملك البصيرة وتملك الفهم الصحيح تجاه مختلف القضايا، وبالتالي تتجه في مسار حياتها الاتجاه الصحيح السليم من كل حالات الالتباس والخطأ وهذا من أهم ما تحتاج إليه الأمة لكي تستقيم لكي تتجه الاتجاه الصحيح في قراراتها وفي مواقفها وفي تصرفاتها وفي أعمالها وفي تحملها للمسؤولية، أيضاً يقول الله "سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى" في كتابه الكريم: {وَاتَّـقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} ، وهذا من أهم المكاسب العظيمة للتقوى: {أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ}، وما أحوجنا إلى أن نكون من المتقين ليكون الله معنا ليكون معنا، معنا بلطفه، معنا بتوفيقه، معنا برحمته، معنا بعونه، معنا بنصره، معنا بهدايته، وهكذا في كل ما نحتاج فيه إلى الله، وهو كل شيءٍ، نحتاج إلى الله في كل خير نبتغيه ونرجوه، نحتاج إلى الله في دفع كل شر وسوء ومحذور، نحتاج إلى الله في كل ذلك، فحتى لا نكون في هذه الحياة بعيدين عن الله وحتى لا نكون في هذه الحياة مخذولين ومتروكين من لطف الله ومن رعايته، متروكين لما في هذه الحياة من شرور وما في هذه الحياة من أخطار وما في هذه الحياة من تحديات وما في هذه الحياة من مصائب إلى آخره، حتى يكون الله معنا وحين يكون معنا ففي هذا الخير كله كل الخير كل الظفر كل السعادة كل الفوز كل الفلاح كل السلام كل الأمن، فالله معنا بقدر ما نكون متقين، حينما تتحقق التقوى في أنفسنا وفي واقعنا وفي أعمالنا وفي تصرفاتنا وفي مسار حياتنا، يكون الله معنا إلى جانبنا على الدوام، يرعانا ويلطف بنا ويتولى هو دائما رعايتنا وإعانتنا والرحمة بنا {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} ، يقول الله "سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى" في كتابه الكريم أيضاً: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا} معهم.
فلذلك في واقع المسؤولية فيما قد يلزم من واقع التقوى أن نتحمله من مسؤوليات قد يتردد البعض في تحملها أو يرى فيها أنها تشكل خطورة مثل مسؤولية الجهاد في سبيل الله والتصدي لقُوى الطاغوت والقُوى الظلامية والمتجبرة، قد يرى البعض في مسؤولية كهذه أنها تشكل خطورة، كلا، بل على العكس من ذلك، فالقيام بها، والتحمل لها، استجابة لله "سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى"، سبب خير، وسبب لأن يكون الله معنا، {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ} .
التقوى وتأمين المصير
أيضاً الأهمية القصوى للتقوى في الفوز بمرضاة الله "سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى" والنجاة من عذاب الله في الآخرة، لأن للتقوى مكاسبها العاجلة في عالم الدنيا في الحياة هذه، ومكاسبها الكبرى والمهمة لمستقبل الآخرة يقول الله "سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى": {وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتّـقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} ، متى هذا أيضًا؟ يوم القيامة، يعني في الدنيا رعاية شاملة رعاية مستمرة ومنجاة أمام المخاطر أمام التحديات، وفي الآخرة أيضاً، في الآخرة ما ينبغي أن نحسب له حساباً وأهميةً فوق كل الاعتبارات والحسابات وفوق كل أهمية، مستقبلنا في الآخرة؛ النجاة من عذاب الله، النجاة من الفزع الأكبر، النجاة من النار من جهنم، والعياذ بالله من الحساب العسير، {وَيُنـَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا}، حصريًا هذا، الذين اتقوا هم الناجون يوم يهلك أغلب البشر وهلاكًا خطيرًا، هلاكًا في جهنم بالعذاب أعوذ بالله، {بِمَفَازَتِهِمْ}، فازوا فوزًا عظيمًا، {لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}، ما يمسهم أي سوء ولا أي عذاب ولا هم يحزنون فهم آنذاك بمفازتهم بالتقوى مرتاحون على المستوى النفسي، لا حزن ولا ألم ولا غم ولا هم ولا كرب، فيما الآخرون غارقون في أحزانهم الكبيرة وقد رأوا أنفسهم في اتجاه الهلاك الفظيع والكبير والخطير في أشد عذاب وللأبد والعياذ بالله، أما الذين اتقوا فقد تحقق لهم الفوز فكانوا هم السعداء، المرتاحين نفسيًا، السالمين آنذاك من كل حزن ومن كل هم ومن كل غم ومن كل كرب، والسالمون من كل عذاب.
يقول الله "سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى": {وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} مرضاة الله وجنته الوعد بها في الآخرة فقط، وبتأكيد في كثير من آيات الله في كتابه الكريم: {لِلْمُتَّقِينَ}، في هذه الآية يقول: {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}
الجنة بكل ما فيها من النعيم العظيم الذي تحدث عنه القرآن الكريم حديثاً واسعاً في كل ما يشكل رغبةً وحاجةً لهذا الإنسان من طعامها ومن شرابها ومن مساكنها ومن الحور العين فيها ومما فيها من سلام وأمن واطمئنان وسعادة واستقرار إلى آخر ما وصف الله به جنته وما فيها من النعيم الواسع العظيم الراقي هذا كله لصالح من؟ ووُعِد به من؟ المتقون، {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}، يقول في آية أخرى: {تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا} ، يوم القيامة الذي بإمكانه أن يكون من أهل الجنة أن يفوز بما وعد الله به بنعيم الجنة من النعيم العظيم؛ المتقون، لا نجاة لك إلا بالتقوى لا فوز لك إلا بالتقوى لا يمكنك أن تصل إلى ذلك النعيم الأبدي والعظيم والواسع إلا بالتقوى، فللتقوى كل هذه الأهمية، كل هذه الأهمية يترتب عليها الخير كله والسعادة كلها الفوز الحقيقي كله، النجاة من عذاب الله، النجاة من الخزي، النجاة من الهوان في الدنيا والآخرة، الرعاية الواسعة من الله "سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى" كل هذا مرتبط بالتقوى فلها كل هذه الأهمية وهل هناك أهمية أكثر من هذه الأهمية؟ |لا|.
شمولية الأمر بالتقوى
أيضاً حينما نأتي إلى التقوى في الأمر الإلهي بها نجد أن الله "سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى" توجه بالأمر بالتقوى إلى كل عباده، إلى الناس عموماً، البشرية بكلها، يخاطبها الله "سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى" فيقول: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ} ، فتوجه بالأمر إلى كل البشر إلى كل من هو في موقع المسؤولية من كل عباد الله، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ}، أيضاً في حركة الأنبياء "عليهم السلام" مع قومهم في كل مراحل التاريخ كانوا يدعونهم إلى التقوى ويأمرونهم بالتقوى ويحثونهم على التقوى، ولذلك تحدث الله "سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى" عن سلسلة من أنبيائه ورسله وهم يتخاطبون مع قومهم، يأتي النبي إلى قومه فيقول: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ} ، فاتقوا الله، فاتقوا الله، فاتقوا الله، بل يأتي الأمر في القرآن الكريم بالتقوى حتى إلى الأنبياء أنفسهم، الله يخاطب حتى نبيه محمداً "صلوات الله عليه وعلى آله": {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّـقِ اللَّهَ} ، يأتي أيضاً الخطاب للمؤمنين كمؤمنين بالتقوى يقول الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّـقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} يأتي الأمر بالتقوى مع كل توجيه إلهي مهم، كثير من التوجيهات المهمة في القرآن الكريم يترافق مع الأمر بها الأمر بالتقوى معها كما في قوله تعالى: {فَاتَّـقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} ، هنا أمر بالتقوى في أن نصلح ذات بيننا، ثم تجد هذا متكرراً كثيراً في القرآن الكريم، أيضاً في المناهي، فيما ينهانا الله عنه يترافق معه كذلك الأمر بالتقوى، فالتقوى في مستوى أهميتها والأمر بها والخطاب بها للبشرية في كل عصر في كل جيل في كل زمن في كل مراحل التاريخ، كل هذا يدل على أهميتها الكبيرة.
إذا جئنا إلى واقعنا كمسلمين مأمورين بالتقوى أن نتقي الله "سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى" وأن يعي كلٌ منا أنه مأمور بتقوى الله "سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى" وأن لا يأنف من ذلك والعياذ بالله أن لا يكون الإنسان كمثل من حكى الله عنهم: {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّـقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ} ، ينزعج من أن يؤمر بالتقوى، من أن يُنصَح بالتقوى، من أن يقال له اتق الله، أن يقال له اتق الله ينزعج يغضب، |لا|، الله يأمر حتى أنبياءه، ما هناك أحد فوق أن يُؤمر من الناس بتقوى الله "سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى" الجميع مأمور بتقوى الله ومنصوح بتقوى الله، نحن المسلمين في أمس الحاجة إلى التقوى.
التقوى: هي حالة من الحذر واليقظة والانضباط والالتزام العملي تجاه أوامر الله "سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى" ونواهيه، التقوى هي الوقاية، هي مشتقة من الوقاية تشكل حالة من الحذر واليقظة والانضباط، تشكل وقاية للإنسان من نتائج العصيان.
رافد التقوى تجاه المسؤولية الكبرى
الإنسان في هذه الحياة هو مسؤول ومرتهن بعمله على المستوى الشخصي ثم على المستوى الجماعي، والإنسان لتصرفاته في هذه الحياة نتائج؛ لأن تصرفات الإنسان إما أن تكون في دائرة الخير وفي دائرة العمل الصالح، وفي إطار العمل الحسن فلها نتائج جيدة، وإما أن تكون أعمالاً سيئةً، أعمالاً في إطار الشر وفي إطار العمل السيء فلها بالتأكيد نتائجها السيئة على المستوى الفردي على الإنسان كإنسان، في نفسيته، في شعوره في وجدانه في سلوكياته في محيطه القريب، وفي محيطه الواسع، الإنسان في هذه الحياة عليه مسؤولية كبيرة وله دور مهم ودور كبير هو العنصر الأبرز في ميدان المسؤولية وفي موقع المسؤولية في هذه الحياة، ولهذا جاء الحديث في القرآن الكريم عن مستوى أهمية هذه المسؤولية في واقع الإنسان باعتبار ما مكنه الله فيه وما سخره له وما منحه من قدرات ومدارك وطاقات وإمكانات يجعل مستوى المسؤولية بالنسبة له على حد كبير وعلى نحو متميز باعتباره العنصر الأبرز في هذا العالم في موقع المسؤولية، الله "سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى" قدم لنا صورة عن هذه المسؤولية وعن مستوى هذه المسؤولية بالنسبة لهذا الإنسان عندما قال "سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى" في كتابه الكريم: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} ، الإنسان بالاعتبارين، باعتبار ما منحه الله وهيأه له من دور، باعتبار الطاقات القدرات الإمكانات التي وهبها له في نفسه في وعيه في شعوره في إدراكه وباعتبار ما سخر له، {وَسـَخَّرَ لَكُم مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ} ، الإنسان صُمم في خلقه وهيئ في دوره في هذه الحياة لدور ارتبط فيه بما في هذا العالم، ما في السموات و ما في الأرض، عنصراً ومخلوقاً متميزاً في هذا الجانب.
بقية الكائنات والمخلوقات أدوارها محدودة وعلاقاتها في هذا العالم بما فيه وما أعده الله فيه وما هيأه فيه محدودة، وأدوارها محدودة ومستوى استفادتها محدودة لكن الإنسان في هذا العالم بين كل هذه المخلوقات علاقاته واسعة انتفاعه وارتباطه في حياته من موقع الحاجة وفي موقع المسؤولية وفي طبيعة الدور الذي يلعبه في هذه الحياة ويقوم به في هذه الحياة دور واسع وشامل وعلاقة واسعة، فلذلك كانت هذه المسؤولية بمثابة أمانة من موقع ما هيأه الله له، ما أعده له وما سخره له وما مكنه فيه، أمانة كبيرة وحمل كبير ومسؤولية عظيمة، لها كل هذه الأهمية: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا}، فهذه المسؤولية هي بهذا المستوى، أنها مسؤولية لو حُمِّلتها السموات والأرض والجبال لما أطاقتها، ليست مهيأة لها، هيأ هذا الإنسان لمسؤولية، ليست لا السموات ولا الأرض ولا الجبال مهيأة لحملها، ولا تملك لا السموات ولا الأرض ولا الجبال من مؤهلات لهذه المسؤولية بقدر ما أعد الله له الإنسان وهيأ له الإنسان للنهوض بهذه المسؤولية وهذا الدور، أنت أيها الإنسان خليفة الله في أرضه، خليفة الله في هذا العالم، لك مسؤولية كبيرة، تصرفاتك لها تأثيراتها الكبيرة في هذه الحياة على مستوى واقعك النفسي وعلى مستوى واقع الحياة من حولك، إن كانت أعمال خير وأعمالا صالحة وأعمالا مضبوطة بضابط التقوى لها نتائجها وأهميتها الكبيرة، ولها آثارها الإيجابية في واقع هذه الحياة.
أثر الخروج عن ضوابط التقوى
وكذلك العكس إن كانت أعمالاً سيئة وتصرفات سيئة وخارجة عن ضابط التقوى وعن العمل الصالح لها تأثيراتها السيئة عليك على الواقع من حولك، امتداداتها السلبية في الحياة ثم إلى الآخرة، ولهذا يقول الله "سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى" في كتابه الكريم: {مَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} ، أعمال الإنسان لها نتائج، هذه سنة من سنن الله، هذا قانون إلهي، لا ينفك عن واقع الإنسان، التصرفات السيئة لها فورا ارتداد ونتائج سيئة ولها مصائب يجلبها الإنسان على نفسه وعلى الناس من حوله، على الواقع من حوله على البيئة من حوله، تصل آثارها حتى إلى الشجر حتى إلى كل ما في هذه الحياة في برها وفي بحرها، قال الله "سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى" في آية أخرى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} ، الفساد المقصود في هذه الآية هو ما نتحدث عنه بفساد البيئة، انعدام البركات، أو نقص البركات نقص الخيرات، الاختلال في الواقع البيئي، شحة الأمطار المشاكل التي يعاني منها البشر على مستوى المياه، على مستوى انتشار كثير من الأوبئة كثير من الأمراض، كثير من المشاكل في هذه الحياة، مشاكل معيشية في هذه الحياة، نقص كبير في هذه الحياة، تصرفات الإنسان لها انعكاس، اذا كانت سيئة انعكاس سلبي في الحياة بكلها، على مستوى البيئة اليوم ترتفع درجات الحرارة في الأرض في كل عام تزداد درجات الحرارة في هذه الحياة ويتوقع الكثير من الخبراء في العالم أنه إذا استمرت هذه المشكلة وتفاقمت سيكون لها في المستقبل آثار خطيرة على البشر لدرجة أن تكون هناك كثير من الأوبئة كثير من الوفيات، كثير من المشاكل التي تعاني منها البشرية في الحياة، على المستوى الجغرافي على مستوى البحار في بقية الأرض، أن تمتد في مناطق معينة، تمتد البحار فتأخذ مساحة أخرى من الجغرافيا، ولها آثارها السلبية حتى في القطب الجنوبي والقطب الشمالي المتجمد يذوب الجليد ويكون لذلك آثار وانعكاسات كبيرة في واقع الحياة؛ لأن الإنسان لا بد له في هذه الحياة أن يتقيد بالمسؤولية بالضوابط، حالة الانفلات وحالة الخروج من الضوابط وحالة التصرف غير المسؤول الذي لا تحكمه مبادئ ولا تحكمه قيم ولا تحكمه تعاليم إلهية له آثار سيئة وخطيرة على البشر، والذي تعاني منه البشرية اليوم هو هذا.
في الساحة العالمية اليوم عندما أتت قوى متمكنة وعلى رأسها أمريكا وإسرائيل، وقوى أخرى في الساحة العالمية في الأرض، قوى متمكنة تمتلك الكثير من الإمكانات والقدرات ولها النفوذ في الساحة العالمية، ممتد نفوذها ليشمل مختلف المناطق والبلدان ثم داخل البلدان عندما تُوجد الكثير من السياسات والتوجهات والتصرفات وتصبح الحالة العامة فيما فيها من مسؤوليات وأعمال ومواقف وتصرفات، تبتعد في كثير منها عن الانضباط للقيم للالتزام للمسؤولية، حينها نجد ما نجده اليوم من المشاكل المتفاقمة من الشرور من المساوئ من الأخطار من المعاناة، من انتشار للظلم إلى حد كبير، من تفاقم لمعاناة البشرية إلى حد كبير، الذي يصلح واقع البشرية هو هذا الانضباط وهذا الالتزام، ظهر الفساد في البر، البر في كثير مما نراه في البر، انتقاص كثير في الخيرات والبركات ومشاكل كثيرة ومعاناة كثيرة، والبحر أيضاً، كل هذا بما كسبت أيدي الناس، تصرفاتهم تأثيرات مباشرة عليهم في شؤون حياتهم.
إذاً نجد الأهمية الكبيرة للتقوى وأن لها صلة مؤكدة بحياة الناس في كل شؤون حياتهم حتى على المستوى النفسي، كيف يتحول شعورك إلى شعور إيجابي، تشعر بالاطمئنان تشعر بالسكينة، تعيش الشعور المطمئن، تحمل الاطمئنان في نفسك، تحتاج إلى التقوى، وللحديث صلة وبقية إن شاء الله نتحدث عنها في محاضرة قادمة.
نسأل الله "سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى" أن يوفِّقنا وإيَّاكم في هذا الشهر، الكريم لنكتسب فيه التقوى، تتعزز في أنفسنا التقوى التزاماً وشعوراً وعملاً، إنه سميع الدعاء.
وَالسَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُه،،،