سلسلة المحاضرات الرمضانية (لعلكم تتقون)

ألقاها السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي "يحفظه الله"

المحاضرة الرمضانية الثامنة: الأربعاء 12 رمضان 1438هـ 7 يونيو 2017م

خطورة الشيطان الرجيم (5)

أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ.

أَيُّهَــــا الإِخْــــوَةُ وَالأَخَــــوَات:               السَّــلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُه؛؛؛

وَتَقَبَّل اللَّهُ مِنَّا وَمِنْكُمُ الصِّيَام، وَالقِيَام، وَصَالِحَ الأَعْمَال، في هذا الشهر الكريم.

قبل أن نبدأ بالحديث في سياق مواضيعنا التي نتحدث عنها في المحاضرات الماضية، نعلن بعضَ المواقف من بعض المستجدات التي طرأت:

أولاً: نستنكرُ ونشجُبُ القرارَ العدائي للكونغرس الأمريكي بنقل سفارة أمريكا في فلسطين المحتلة إلى القدس، ونعتبره موقفاً معادياً للإسْلَام والمسلمين، ويأتي في سياق الدعم والتبنّي الأمريكي للكيان الإسرائيلي الصهيوني (العدو الغاصب).

ثانياً: نستنكر ونشجب الاعتداءات الإجرامية التي استهدفت مرقد الإمام الخميني "رحمه الله" والبرلمان في إيران، ونتقدم بالعزاء والمواساة إلى أسر الشهداء، وإلى الشعب الإيراني المسلم، وقيادته الرشيدة.

ثالثاً: نستنكر ونشجب الاعتداءات اليومية بالقتل والتخريب والتدمير والتهجير، التي يمارسها النظامُ السعودي بحق الأهالي المظلومين في العوامية، ونؤكد تضامُنَنا الإنْسَاني والأَخْلَاقي معهم، ومع كُلّ المظلومين في المملكة، وفي المنطقة، وفي العالم.

من يموّل الأنشطة الشيطانية؟

ونأتي الآن للحديث في سياق الموضوع الرئيسي للمحاضرات الماضية، وهو: عن خطرِ الشَّيْطَان ومن معه من شياطين الجن والإنس، هذا الخطر الذي يصلُ إلى الدرجة التي تحدث عنها القرآن الكريم في قول الله "سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى": {وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ} الإسراء الآية: 64، النشاطُ الشَّيْطَاني في امتداداته وتأثيراته يصل إلى هذه الدرجة: إلى المشاركة في الأموال وفي الأولاد، المشاركة في الثروة البشرية، سواءً في الناس من الرجال والنساء، أَوْ حتى على مستوى المال.

المشاركة في المال: مشاركة واسعة جدًّا، وكثير من الأموال، ومبالغ هائلة جدًّا من الأموال، في كل مراحل التاريخ، وفي هذا الزمن أيضاً بشكل كبير، هي تصب في الاتجاه الذي يريده الشَّيْطَان: يعني كثير من الأعمال الإجرامية تُمول، تصب فيها الكثير من المبالغ والإمْكَانات المادية، والمال يشمَلُ كُلّ الإمْكَانات المادية، فتُموَّلُ كثير من الجرائم، تُمول كثير من الممارسات السيئة والانحرافات، والمفاسد الأَخْلَاقية، أشياء كثيرة جدًّا، أنشطة كثيرة جدًّا، هي (أنشطة إجرامية، أَوْ أنشطة مُفْسِدة، أَوْ مُضِلَّة) تمول، أَكْثَـر الأشياء هي تحتاج إلى تمويل، وأَكْثَـر الأشياء، أَكْثَـر الأنشطة، ولربما كُلّ الأنشطة في حياة البشر، تحتاج إلى إمْكَانات، الإمْكَانات هذه تحتاج إلى المال، وتعتمدُ بشكل رئيسي على المال، فالشَّيْطَان يصبح شريكاً في كثير من الأموال من خلال تمويل كثير من الأنشطة والجرائم والمفاسد بها؛ فلذلك يمكن اليوم أن نقولَ أنه يصبح شريكاً أساسياً في ميزانيات ضخمة لكثير من الدول، ولدى الكثير من المُؤَسّسات والمنظمات وكل التشكيلات التي لها أنشطة إجرامية، أَوْ إفسادية، أَوْ تضليلية تمول وتعتمد على التمويل المالي: شريك لدول، شريك لمُؤَسّسات، شريك لشخصيات... في مالها، حيث تسخّر الكثير من الأموال في الوجهة التي يريدها الشَّيْطَان؛ فالشَّيْطَان لا يحتاج إلى أنشطة استثمارية مباشرة، إبليس لا يحتاج إلى أن ينشئ له أنشطة استثمارية ليمول أنشطته. لا، هو يستفيد من الأموال الموجودة لدى البشر، ما يحتاج يعمل له شركة (شركة إبليس الكذا وكذا) التي لها أنشطة اقتصادية حتى يستطيعَ أن يقومَ بعمليات التمويل. |لا|، كُلّ أنشطته تمول من دون تعب، ولا وجع رأس: يعني ما يحتاج إلى نشاط خاص به حتى يحصل على إمْكَانات اقتصادية يمول من خلالها مشاريعه ؛ لأن نشاطه في حياة الناس نشاط واسع: أنشطةٌ واسعةٌ ومتنوعةٌ ومتعددة.

فإبليس لم يحتجْ لتمويل أنشطته في كُلّ المجالات: (المجال الثقافي والفكري، التضليل فيه، المفاسد الأَخْلَاقية، الجرائم، والبغي، والظلم، والاعتداءات...) في كُلّ هذه لم يحتج إلى نشاط اقتصادي لتمويل أعماله، ولم يحتج يسرح ليبيع ويشتريَ ويعملَ له أنشطةً مباشرةً في هذا المجال، ويكون معه في كُلّ سوق، ودكان أَوْ بقالة هنا أَوْ هناك تابعة لإبليس لتمويل أنشطته. |لا|، يعتمد في هذه المسألة على الشراكة في أموال كُلّ الذين يستجيبون له؛ فيدفعهم هم إلى الإنفاق، ينفقون أموالاً كثيرة ولا يقصرون في ذلك وباندفاع كبير: يعني عندما تلحظ كم قدّم النظام السعودي لترامب عندما أتى في زيارته الأخيرة إلى المملكة، كم دفع؟ مئات المليارات، مئات المليارات التي ستدفع إلى أمريكا، هل هي في فعل خير، ومصلحة عامة، حقيقية للأمة، وللإسْلَام والمسلمين، وللشعب في المملكة؟ لا، ليست لفعل خير، ولا لطرفٍ خيِّر، إذا دُعم بهذه الأموال، وامتلك هذه الأموال كان ذلك في محله وفي مكانه المناسب. |لا|، ليس الأمر كذلك.

فإذاً، إبليس لا يحتاجُ إلى أي نشاط ذاتي- على المستوى الاقتصادي- لتمويل أعماله، وتصرفاته، وسياساته، وأنشطته... |لا|، هو يدفع بهؤلاء البشر إلى أن يمولوا هم وأن ينفقوا هم على تلك الأعمال الإجرامية، ولاحظوا هذا مؤسف جدًّا بالنسبة للإنْسَان؛ لِأَن الإنْسَان هو يدفع الثمن أيضاً: الشَّيْطَان يغويه، والإنْسَان بنفسه يدفع أيضاً ثمن هذه الغواية، ويدفع ثمناً، ويدفع أموالاً كثيرة في مقابل ما يتحمل به الوزر، وما يكسب به العذاب؛ ولهذا يأتي التعبير القرآني عن هذه الحالة لدى الإنْسَان وهو يشتري لنفسه العذاب.

كُلّ من يدفع من البشر مالاً في غواية، أَوْ في مجال باطل، أَوْ في ارتكاب إثم، هو يشتري بها عذاباً لنفسه، أليست هذه خسارة؟، أنت تشتري من جهنم، تدفع لأن تحصل من عذاب الله في ناره، في جهنم، أنت تدفع- أحياناً- لأن تنال عذاباً إلهياً عاجلاً في الدنيا؛ لأن عذابَ الله: جزء منه في الدنيا، والجزء الأَكْبَـر منه والعذاب الأَكْبَـر والأبدي في الآخرة؛ فالإنْسَان هو، هو بنفسه يأتي ليدفع، قد يدفع على المستوى الشخصي، قد يدفع على المستوى الجماعي (من ميزانية دولة، من ميزانية مُؤَسّسة، من ميزانية منظمة، تاجر كبير، مجموعة دول- أحيانا- تمول هي، تمول عدواناً، أَوْ إثماً، أَوْ بغياً، أَوْ إجراماً، أَوْ إفساداً في الأرض...)، مشروع عملي واسع يدخل ضمنه الكثير والكثير من الجرائم، والمظالم، والمفاسد؛ فيترتب على ذلك إثم كبير، وعقوبات كبيرة.

{وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ} فتكون أنت متدخلاً في هذه الأموال، في ماذا تصرف، حتى في الأولويات، والاهتمامات... وتدفع هذه الأموال في هذا السياق.

مشاركة الشيطان في القوى البشرية

{وَالأَوْلادِ} الكثير يعني من الناس سيوجهون ويحركون الطاقة البشرية الكبيرة، العديد البشري (الناس)، بشكل جيوش، بشكل قوى عاملة في أي مجال (في المجال الإعلامي)؛ فالشَّيْطَان أَصْبَح مستفيداً من ذلك كله، من الثروة البشرية في شقها البشري ، وفي شقها المادي ، إمْكَانات عسكرية، إمْكَانات اقتصادية، إمْكَانات إعلامية، إمْكَانات متنوعة... {وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ} الإسراء الآية: 64، فأَصْبَح شريكاً في القوى العاملة: في الجيوش ، وفي القوى الإعلامية: معه حصته من الإعلاميين والإعلاميات والقوى الإعلامية، من يتحدثون ويشتغلون ليلا ونهاراً في نفس الاتجاه الذي يريده: إما التضليل، وإما الإغواء، {وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ} يعني لا يحتاج إلى أن يصنع له صناعة خَاصَّـة، وأن ينتج له كائنات جديدة. لا، بل يشتغل بالحاصل، بالبشر أنفسهم، وبأموالهم ذاتها.

يمتد أَيْضاً هذا النشاط- كما قلنا- في كُلّ الاتجاهات، ومن أبرزها، ومن أهمها (النشاط العسكري): له اهتمامات عسكرية واسعة، وكثير من المفاسد في هذه الحياة، والانحرافات في هذه الحياة تُدعم وتكون مدعومة عسكرياً، وتستند إلى قوة جبروت، وهيمنة، وتسلط؛ وهذا يثبتها ويفرضها كمسارات مهابة في هذه الحياة، له شغله في هذا الاتجاه، ويحرص على أن ينشط في التعبئة العسكرية لقوى الشر التي تعمل لصالحه، وحكى الله لنا جزءاً من هذه الأنشطة، قال "جَلَّ شَأنُهُ": {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ} الأنفال الآية: 48، هذه عملية تحريض للمقاتلين: الذين سيقاتلون من أجله، في خدمته، فيما يفيده فيزين لهم ذلك، ويشجعهم على ذلك، ويسعى إلى رفع معنوياتهم، وتحريضهم، وتعبئتهم، والتخويف أيضاً، يسعى على اللعب مثل ما يعمل عمله في الإغراء والإغواء، أَيْضاً يلعب لعبته في التخويف، {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ} آل عمران الآية: 175، يقول لنا الله "سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى": {وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}، لا تسمحوا ولا تفتحوا مجالاً لأن تكونوا محط تأثير الشَّيْطَان في إثارة المخاوف.

شكلان لأنشطة الشيطان

وهكذا له نشاطه الواسع الذي يمكن أن نوجزه بأنه دائماً يتجه في اتجاهين، النشاط الشَّيْطَاني له شكلان:

الشكل الأول: الدفع بنا كبشر، والدفع أَيْضاً بالجن أَيْضاً في عالم الجن، الدفع لنا والسعي معنا لدفعنا للتعدي لحدود الله ومخالفة الله فيما نهانا عنه (النواهي): مثلما نهى الله أبانا آدم "عَلَيْهِ السَّلَامُ" عن أكل الشجرة، فأتى لدفعه إلى أكلها، وزين له ذلك، وقدم له صورة مغلوطة عن الموضوع؛ لتحفيزه لذلك، وترغيبه فيه، فهذا نشاط واسع يشمل جوانب كثيرة، كُلّ المفاسد، وكل المظالم، وكل المنكرات هي في هذا الاتجاه، التي نهانا الله عنها، فيأتي هو ويدفعنا إلى فعلها والتورط فيها.

الشكل الآخر: المعصية لأوامر الله:- نحن في ميدان هذه الحياة وفي مقام المسؤولية فيها مخاطبون من الله "سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى" بأمر ونهي: هناك ما أمرنا به، وهناك ما نهانا عنه، ما أمرنا أن نعمله من التزامات عملية، من مسؤوليات، من أعمال مهمة في هذه الحياة، ذات قيمة، ذات أهميّة، ذات صلة بصلاح حياتنا واستقرار حياتنا، ذات صلة باستجابتنا لله وتعبيد أنفسنا لله "سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى" وهناك ما نهانا الله "سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى" عنه من المعاصي، من المفاسد، من المظالم، من المنكرات...

فالشَّيْطَان يعمل إما أن يورطك في المنكرات والمعاصي والمفاسد، في أي نوع منها، أي نوع يمكن أن تستجيب له، قد تكون مثلاً إنْسَاناً متنزهاً ومترفعاً عن الدنس وعن السقوط في الرذائل والمفاسد الأَخْلَاقية، ولكن لديك طمع مادي مثلاً، الشيطان ما عنده مشكلة، إذا ما عندك قابلية أن تتورط في الزنا، في الفساد الأَخْلَاقي، في تلك الرذائل، خلاص تركك من هذا الجانب، ودفع بك إلى حيث أنت تميل، مثلاً في المطامع المادية، عندك طمع مادي (طماع)، تريد الثروة بأي حال من الأحوال، بأي أسلوب، بأي طريقة، دفعك من هذا الاتجاه، أَوْ أنت مترفع في هذا الجانب، لكن أنت إنْسَان كبير النفس ولديك أَيْضاً الطموح ونزعة الاستعلاء وتريد أن يكون لك اعتبارك المعنوي وصاحب قرار وأمر ونهي وسلطة...الخ. دخل إليك من هذا المدخل؛ فيدفعك إلى أن تعتمد على وسائل: هي وسائل عصيان لله "سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى" وسائل هي غير نظيفة، غير سليمة...الخ.

ما عندك تقبل في هذا، ولا عندك استجابة في هذا الجانب؛ إذاً سيمشى معك في أن تكون ملتزماً بترك المفاسد، بترك المعاصي، بترك المظالم هذه، وأن تكون مثلاً إنْسَاناً ملتزماً في العبادات الروحية، عندك التزام بالصلاة والصيام والزكاة والحج إن استطعت إليه سبيلاً، ولكن سيأتي لك من نافذة أخرى ويُطِلُّ عليك منها ويحاول أن يؤثر عليك: هي أن تقعدَ عن أوامر هي من أوامر الله "سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى" أنت لم تقبل بأن تزني، أَوْ تسرق، أَوْ تشرب الخمر، أَوْ تمارس أياً من تلك المفاسد والرذائل، وعندك عزم والتزام في صلاتك وصيامك وزكاتك وحجك إن استطعت...الخ. لا بأس، يمشي معك في هذه الأمور، ويأتي لك من اتجاه آخر: كيف تتنصل عن مسؤوليات أخرى في الحياة، عن واجبات أخرى في الحياة، فلا أنت تريد أن تجاهد في سبيل الله، ولا أنت تريد أن تنفق في سبيل الله، لا أنت تريد أن يكون لك موقف ضد المنكر، ضد الباطل، تنهى عن المنكر وتأمر بالمعروف، تنطلق في شق المسؤولية في هذه الحياة، أمامك شق المسؤولية، جانب كامل من الدين، في هذه الحياة مظالم، في هذه الحياة مفاسد، في هذه الحياة قوى شر تمارس الجبروت ضد عباد الله، كم يحصل في كُلّ يوم على يدها من جرائم متنوعة وأشكال متنوعة من البغي والعدوان، عليك أوامر، عليك مسؤولية، وهناك أوامر من الله "سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى" تأمرك أن يكون لك موقف منها، فتأتي المسؤولية علينا في الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والجهاد في سبيل الله، وأن نحمل الهم تجاه عباد الله: أن لا يظلموا، أن لا يقهروا، أن نقف موقفاً من المتسلطين عليهم... فيأتي ليقعدك عن هذه المسؤوليات، إذا أقعدك عن هذه المسؤوليات أنت هنا تعصي الله؛ لأن أمامك أوامر ملزمة من الله، مئات الآيات، مئات الأوامر والتوجيهات من الله "سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى" التي تأمرك بأن يكون لك موقف في هذه الحياة من الظالمين، من المفسدين، من المستكبرين، الطغاة...

لا حياد بين الخير والشر

ليس هناك في دين الله ولا هناك مجال أن تكون حيادياً بين الخير والشر، تقول: ، أن تكون حيادياً بين الحق والباطل، تقول: ، أن تكون حيادياً بين الظلم والعدل، تقول: يعني كن جماداً إذًا، كن صخرة أَوْ شَيئًا آخر... لا يمكن، أنت إنْسَان، أنت متحمل للمسئولية، عليك مسئولية كبيرة في هذه الحياة: إما أن تكون في جانب الخير، وإلا فأنت تلقائيا في جانب الشر قعودك، صمتك، استسلامك، تنصلك عن المسئولية، لصالح من؟ لصالح المفسدين، الظالمين، المجرمين، الذين يفيدهم هذا، يفيدهم أن يكون الآخرون متنصلين عن المسئولية، ثم ماذا ستعمل مع الآيات القرآنية التي أمرك الله فيها بالجهاد، والجهاد ضد من؟ ضد المستكبرين، الظالمين، المعتدين، المجرمين... الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مسئولية تعنينا تجاههم بالتأكيد؛ فإقعادك عن جانب المسئولية نجاح للشيطان عليك، نجاح كبير، ونافذة خطيرة ينجح فيها مع الكثير من الناس الذين عليهم أن يتأملوا كتاب الله جيداً.

نجح الشَّيْطَان مع الكثير من الناس في إغوائهم والإضلال لهم، ويوم القيامة تتجلى الخسارة الكبرى لكثيرٍ من البشر، يوم القيامة نحشر جَميعاً في ساحة المحشر أمام الله "سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى" وتقف البشرية بكلها منذ آدم إلى آخر إنْسَان خلقه الله "سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى" في مقام الحساب والجزاء، يتجلى كم هناك من أعداد هائلة جدًّا تمكن الشَّيْطَان من إضلالها وإغوائها، يتوجه الله يوم القيامة بندائه وخطابه لبني آدم {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ * وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلّاً كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ} يس الآية: 60-62، يتحسر الكثير من البشر، ويندم كُلّ الذين تمكن من إغوائهم وتضليلهم، حينما يرون أنفسهم في مقام الخسران الكبير والهلاك الكبير، حيث الموعد: موعد كُلّ الذين تمكن الشَّيْطَان من غوايتهم وإضلالهم، ولم يتوبوا إلى الله، ولم ينيبوا إلى الله، ولم يصلحوا في هذه الدنيا، ماتوا على غوايتهم، وهلكوا على ضلالهم؛ كلهم موعدهم النار، العذاب الأبدي، إلى جهنم والعياذ بالله.

وأخيرًا الشيطان يعلن البراءة من أوليائه!

القرآنُ الكريم يحكي لنا مشهداً من أهم المشاهد يوم القيامة: هذا المشهد سيكون بعد انقضاء الحساب، بعد انقضاء الحساب تبدأ عملية الحساب على المستوى الفردي، على المستوى الجماعي، على المستوى العام للبشرية، بعد انجاز عملية الحساب يتحدد من هم إلى النار، ومن مصيرهم إلى جهنم- والعياذ بالله- ويميزون عمن مصيرهم إلى الجنة، فالأنبياء ومن في خط الأنبياء من الصالحين، من المؤمنين، من الناجين، من الفائزين يميزون لحالهم، ويمتاز المجرمون، والهالكون، والضالون، والغاوون، والمنحرفون مع الشياطين، مع الشَّيْطَان كبيرهم (إبليس) لحالهم في جانبٍ من المحشر، من ساحة الحساب.

قبل الذهاب إلى جهنم، ولكن بعد إنجاز عملية الحساب وتميز كُلّ اتجاه وكل طرف إلى أين سيتجه، يلقي إبليس كلمته مع كُلّ أولئك الذين قد تمكن من إغوائهم، حيث سيجتمعون أمامه، أمام ذلك الذي أغواهم، الذي أوصلهم إلى ذلك المصير السيء، إلى جهنم- والعياذ بالله- فما هي تلك الخطبة؟

القرآن الكريم حكى لنا عنها، يقول الله "سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى": {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ} إبراهيم الآية: 22، لما قضي الأمر: الحساب اكتمل، تحدد مصير كُلّ إنْسَان إلى أين، وحسم هذا المصير، ما عاد في المسألة لا مراجعة ولا أخذ ولا رد... {إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ} وعدكم الله وعد الحق: وعدكم على أعمالكم الصالحة بالجنة، وتلك هي الجنة، وبات مصير الذين استجابوا لله وأطاعوه إليها، ووعد بالنار وتوعد بها من عصاه وتعنت عليه وأطاع إبليس... وبات الأمر واضحاً، وبات المصير محسوماً ومحدداً ولا إشكال فيه، {وَوَعَدتُّـكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ}الأماني، الغرور، الخداع، وعوده في الدنيا، ووعوده حتى في الآخرة، يمني البعض بأن ، {وَوَعَدتُّـكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ} كُلّ الوعود الشَّيْطَانية تلاشت {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَـيْكُم مِّن سُلْطَانٍ} أنا لم أجبركم، لم أقسركم في طريق جهنم، في طريق الخطأ، في طريق المعصية، وفعلاً الشَّيْطَان ما أجبر أحداً ولا قسره قسراً على العصيان، {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي} أليس يقول: وهذا الذي يعمله الشَّيْطَان: يدعو، يوسوس، يكذب عليك، يزين لك... لكنه لا يملك القدرة على أن يجبرك، {إِلاَّ أَن دَعَوْتُـكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي} المشكلة عندكم {فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم} في ذلك اليوم يقول هكذا: {مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ} لا أعمل لكم أي شيء، ولا أنقذكم، ولا أغيثكم، أنتم متجهون إلى العذاب الدائم والرهيب {وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ} أنتم أَيْضاً لن تفعلوا لي شَيئاً، ولن تغيثوني، ولن تدفعوا عني شَيئاً، {إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ}، وهكذا يتنكر لهم جَميعاً، ويقول لهم: فيتنكر لهم، هذا بالتأكيد سيكون بالنسبة لهم حسرات، وأسفاً، وآلاماً، وغيضاً شديداً وهو يتنكر لهم، بعد أن وصولوا إلى ما وصلوا إليه.

الكلام حول الشَّيْطَان، وأساليبه، وما يتصل بذلك هو واسع جدًّا، وحديثنا في هذه المحاضرة والمحاضرات السابقة لن يستقصي ذلك، إنما هو إن شاء الله ذكرى، وإلا الحديث في القرآن الكريم واسع، الحديث عن النبي "صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه" واسع، الحديث في هذا الأمر واسع، ويمكن للإنْسَان أن يستفيد الكثير الكثير من خلال القرآن الكريم، من خلال محاضرات ودروس...الخ.

سبل الوقاية من تأثيرات الشيطان

بعد كُلّ ما قد تحدثنا في المحاضرات الماضية، وفي هذه المحاضرة، يهمنا الآن أن نتحدث عن سبل الوقاية من تأثير الشيطان؛ لأن هذه هي النتيجة التي نريد الوصول إليها: كيف نحافظ على أنفسنا، ونحمي أنفسنا من تأثيرات الشَّيْطَان، من تأثيرات إبليس وكل أعوانه من الجن والإنس، (هذا موضوع مهم جدًّا)، نأتي إلى نقاط وباختصار:

  • أولاً: الإيْمَان بالله واليوم الآخر:

الإيْمَان بالله "سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى" كلما ازداد إيْمَانك بالله؛ كلما ازداد خوفك من الله، ومحبتك لله "سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى" واستشعارك لعظمة الله، وحياؤك من الله... هذه النتائج الإيْمَانية، وهذه الثمرة الإيْمَانية في كلها عوامل تساعدك على الطاعة لله، والاستقامة على منهج الله، والحذر من معصية الله، (هذه مسألة مهمة جدًّا).

الإيْمَان باليوم الآخر (مسألة في غاية الأهميّة): إيْمَانك بالجنة والنار، والحساب والجزاء، وإيْمَانك بالجزاء بشكل عام: أن كُلّ معصية عليها جزاء، وستدفع ثمنها في الدنيا والآخرة، أبونا آدم دفع فوراً ثمن عصيانه ومخالفته في أكل تلك الشجرة، وبسرعة شقي وأُخرج من الجنة وعانى... إيْمَانك ويقينك بالجزاء على المعصية هذا يساعدك على الانتباه، ما دمت ستدفع الثمن وثمناً خطيراً وكبيراً، هذا يساعدك على الالتزام.

  • ثانياً: الاستعاذة بالله تعالى من الشَّيْطَان الرجيم، ومن كُلّ الشياطين، وهمزاتهم، ووساوسهم، وتأثيراتهم:

(وهذه مسألة مهمة) الله علمنا إياها في القرآن الكريم، وأكد عليها كثيرًا في القرآن الكريم، وسواءً في الحالات والظروف التي يحس الإنْسَان فيها أنه عرضة للتأثير، وأنه هناك شغل عليه للتأثير عليه، مثل: حالات إغراء، أَوْ حالات غضب، أَوْ الحالات والمقامات التي تستغل في التأثير على الإنْسَان، مقامات الإغراء: الإغراء النفسي (إغراء الشهوة)، مقامات يمكن أن يكون هناك شغل من شياطين الجن أَوْ شياطين الإنْـس لإغوائك، تُبَادِر إلى الاستعاذة، الله "سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى" قال في كتابه الكريم، في آية مهمة جدًّا، ينبهنا على ذلك: {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} الأعراف الآية: 200، {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ} سواءٌ أكان هذا في مقام الغضب؛ فسيحاول أن يرفع من وتيرة غضبك ويدفعك للتجاوز في حالة الغضب تلك، أَوْ في حالة الشهوة، والرغبة النفسية، والهوى النفسي، والميول النفسية، يحاول أن يسعر فيك هذه الرغبات ويزيد من وطأتها عليك لتتجاوز إلى الحرام، أَوْ في حالات أخرى: فاستعذ بالله {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} الأعراف الآية: 200، أَيْضاً في آية أخرى، يقول الله "سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى" فيها: {وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ} المؤمنون الآية: 97-98.

معنى الاستعاذة وأثرها

ويهمنا هنا أن نوضح معنى الاستعاذة: ما معنى أعوذُ (أعوذُ بالله من الشَّيْطَان الرجيم)، ما معنى: {أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ}، أعوذ: يعني ألتجئ إليك معتصماً ومحتمياً بحمايتك وممتنعاً بك يا ربِ، الاستعاذة: هي التجاء للاحتماء (التجاء للاحتماء)، أنت تلتجئ إلى الله ليحميك بحمايته، ليدفع عنك، التجاء المعتصم، اللائذ، المستجير، الذي يفر إلى الله ليدفع عنه هذا الخطر، ليدفع عنه هذا السوء، ليدفع عنه هذا الشر... فلذلك كن واعيا بما تعنيه الاستعاذة، ما يعنيه هذا التعبير؛ لتعبر من أعماق نفسك، من أعماق قلبك (أعوذ بالله من الشَّيْطَان الرجيم)، يعني: ألتجئ إلى الله، فاراً إليه، ومحتمياً به، ومحتمياً بحمايته، ممتنعاً به، مستجيراً به؛ ليحميني، ليدفع عني الشَّيْطَان، وتأثير الشَّيْطَان، ووساوس الشَّيْطَان، ووساوس الشياطين من الجن ومن الإنس... فهذا معنى الاستعاذة، (وهذه مسألة مهمة جدًّا).

الله "سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى" أَيْضاً في سورة من أهم السور في القرآن: وهي من هدايا الله لنا في كتابه الكريم، ومن نعمه علينا، (سورة الناس) بِسْم اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَٰهِ النَّاسِ * مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَـنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ}، هذه السورة فيها التجاء قوي إلى الله، التجاء كبير، التجاء بتضرع، {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَٰهِ النَّاسِ} هذا التجاء بتضرع إلى الله "سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى" من موقع ربوبيته، وألوهيته، وملكه (أنت يا رب، وأنت الرب، وأنت الإله، وأنت الملك؛ ألتجئ إليك، أفر إليك، أحتمي بك من شر الوسواس الخناس) هذا الوسواس: الذي يزرع في صدري حالة الانحراف والميول إلى ما هو عصيان لك... ولاحظوا هذه السورة: من أهم السور التي تصنع عندنا وعياً؛ لأنها تعلمنا مسألتين مهمتين جدًّا:

المسألة الأولى: هي الالتجاء إلى الله، والاعتصام به؛ ليحمينا من شر هذا الغزو الذي يغزوا صدورنا، هذه التأثير الذي يصل إلى أنفسنا فينحرف بنا نحو المعصية أَوْ الضلال أَوْ الإغواء، وهذه مسألة مهم (الالتجاء إلى الله في ذلك).

المسألة الثانية: لنأخذ حذرنا أَيْضاً، لأنه يعلمنا أن هناك مصدران لهذا الوسواس؛ لأنه علمنا أن نقول: {مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِ سُ فِي صُدُورِ النَّاسِ} أين هو هذا الوسواس الخناس الذي يوسوسُ في صدور الناس؟ يغزوهم إلى قلوبهم، يغزوا مشاعرهم، يصنع في قلوبهم: التوجهات، والميول، والدوافع الشَّيْطَانية... الله يقول: {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} لاحظوا يا إخوة {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} هناك موسوسون من الناس، وليس فقط من الجنة {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} هناك مصادر خطيرة للوسوسة من الناس أنفسهم، هناك موسوسون كثر، ولاسيما في زمننا هذا، اليوم امتلك الموسوسون في صدور الناس من الإمكانات ما لم يكن موجوداً لدى شياطين الإنْـس والجن في كُلّ ما مضى من التأريخ ربما.

اليوم البشرية أَكْثَـر حاجة وأمس حاجة إلى الوعي بخطورة هذه المسألة (خطورة الموسوسين)، والمعرفة بالموسوسين، والاجتناب لهم، والحذر منهم، ليس أن تقول: {أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ * مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ} ثم أنت الذي دائماً يبقى متطلعاً إليهم، مصغياً لهم، مستمعاً لهم في ليلك ونهارك.

الوسواس وتقنيته الحديثة

اليوم يا أيها الإخوة، ويا أيتها الأخوات- والله- ينطبق على كثير من وسائل الإعلام، ينطبق عليها هذا التوصيف القرآني (وسائل إعلام موسوسة في صدور الناس) هذه من الناس، اليوم بالتأكيد ما هناك قنوات إعلامية من الجن. |لا|، لكن من الناس، هو هنا حذرنا {مِنَ الْجِنَّةِ والنَّاسِ} اسمعوا، اسمعوا وعوا {مِنَ الْجِنَّةِ والنَّاسِ} اليوم الموسوسون في صدور الناس يمتلكون قنوات إعلامية: ما كان منها مخصصاً للتضليل السياسي والإعلامي والفكري والثقافي... ما كان منها مخصصاً للإغواء ونشر المفاسد الأَخْلَاقية... اليوم لربما لم تعانِ البشرية في كُلّ ما قد مضى من تأريخها مثلما تعاني اليوم من النشاط الهائل لنشر المفاسد الأَخْلَاقية، قنوات: تنشر هذه القنوات مشاهد خليعة لنشر المفاسد الأَخْلَاقية، وتدمير القيم الأَخْلَاقية تُنشر اليوم في قنوات كثيرة جدًّا، يجب الحذر من مشاهدة هكذا قنوات، أَوْ أي وسائل أخرى، في الإنترنت، الإنترنت اليوم فيه الكثير والكثير من الوسائل، من المواقع، من الصفحات المخصصة أَوْ التي لها هذا النشاط (تنشر مفاسد أَخْلَاقية) وتغوي في الجانب الأَخْلَاقي؛ فتدنس النفوس، وتنتشر مفاسد الزنا والجرائم الأَخْلَاقية إلى مناطق كثيرة من العالم، إلى أشخاص كثيرين كانوا قبل أن يتورطوا وأن يصغوا وأن يرتبطوا بوسائل إعلامية من هذا النوع كانوا نزيهين، كانوا شريفين، كانوا طاهرين، كانوا محافظين على أنفسهم من الدنس وعلى أعراضهم وشرفهم من الدنس، ولكن كان الذي جرهم إلى الفساد الأَخْلَاقي: هو متابعة قناة فضائية نشرت مشاهد مغرية، فاسدة مفسدة، أَوْ في الإنترنت (مواقع على الإنترنت).

الحذر.. الحذر

الشباب اليوم والشابات يجب أن يكونوا حذرين جدًّا منها، أن يحموا أنفسهم منها من البداية من البداية، لا تذهب لتدخل إلى موقع في الانترنت تبقى متطلعاً إليه فيوسوس في صدرك فيغويك؛ فيضرب فيك القيمة المعنوية الأَخْلَاقية فيغويك، ومع هذا نشاط كبير للتواصل والتعارف وبشكل أعمى وبشكل غير منضبط، ينشط مثلاً في مواقع التواصل الاجتماعي ينشط الكثير من الشياطين، الذين لهم هذا العمل وهذا الشغل يعمل على الإيقاع بالآخرين: إما شيطان يحاول أن يوقع بالكثير من الفتيات يوقعهن في الفساد الأَخْلَاقي، أَوْ شيطانة تسعى إلى أن توقع بالبعض من الشباب في الفساد الأَخْلَاقي؛ فتبدأ بالمراسلة التي فيها: المراودة، والوسوسة، والتزيين للمعصية، والإغراء بالمعصية، حتى الإيقاع في المعصية، هذه اليوم واحدة من أفظع الآفات المنتشرة، الخطيرة جدًّا على الشباب والشابات وعلى الرجال والنساء جميعاً، ويجب الحذر منها بشكل كبير والاحتماء منها والحذر منذ البداية منها؛ فـ {الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ} اليوم يمتلك الوسائل التي تساعده على ذَلك بأَكْثَـر من كل ما قد مضى في تأريخ البشرية.

أَيْضاً الاستقطاب: اليوم هناك نشاط مثلاً للجانب التكفيري، للاستقطاب والإغواء من خلال وسائل الإعلام والوسوسة في صدور الناس، الوسوسة تحت عناوين دينية، بالتأكيد أهم شيء عند الشَّيْطَان أن يغويك تحت عنوان ديني أَوْ عنوان غير ديني، حتى لدرجة أن تذهب لتنفجر بنفسك في مسجد أَوْ في سوق أَوْ في مدرسة أَوْ في مستشفى أَوْ بين أي تجمع بشري، وأنت تعتبر نفسك تتقرب إلى الله بذلك وتظن أن الحور العين بانتظارك في أقرب لحظة، فور أن تنفجر هن في حالة استقبال، الشَّيْطَان يهمه أن يغويك، والذي يوسوس في صدور الناس اليوم يمتلك وسائل إعلام متنوعة: .

فإذاً الله "سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى" في سورة الناس: وهي من أهم السور التي يجب أن نستفيد منها وأن نعيها وأن ننتفع بها؛ لأنها يا إخوتي- كما قلت وكررت- علمتنا مسألتين مهمتين: أولاهما: الالتجاء إلى الله، والتجاء بتضرع، ووعي، وإدراك لخطورة هذه المسالة، {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ} التجئ إليك وأنت ربي ورب كل الناس، وأنت إلهي وإله كُلّ الناس، وأنت ملك الناس جَميعاً، التجئ إليك بربوبيتك، بملكك، بألوهيتك أن تحميني، أن تحمي صدري، أن تحمي قلبي، أن تحمي نفسي من كُلّ التأثيرات الشَّيْطَانية، سواءً كانت من خلال جنٍ أَوْ إنس، وبكل وسائلهم وأساليبهم وعناوينهم.

ثم عملياً، عملياً لا تجلس تتتطلع في قناة فضائية فيها مضل أَوْ مغوي، من يضلك ثقافياً، أَوْ سياسيّاً، أَوْ كذلك أَخْلَاقياً تبقى تتطلع إليه، تعطيه سمعك وبصرك وتفتح له قلبك، ثم أنت تعتبر نفسك أنك لن تتأثر، ما يدريك أنك لن تتأثر، قد تتأثر، شُبَهٌ على المستوى السياسي قد تؤثر عليك، وخصوصاً أن الكثير ينقصهم الوعي إلى حد كبير جدًّا، أَوْ شُبَهٌ على المستوى الديني وتحت العناوين الدينية قد تؤثر عليك؛ فتتحول إلى داعشي، تكفيري، متزمت، متعنت، متحجر، غبي ، تصبح آله شيطانية بطريقة أخرى، أَوْ قد تخسر زكاء نفسك، طهارة نفسك، وتفسد، وتخسر شرفك، عرضك، حصانتك، منعتك الأَخْلَاقية، فتتحول إلى إنْسَان مائع، تافه، حقير، متدنس، تدنس شرفك وأَخْلَاقك، تتورط في الرذائل والمفاسد الأَخْلَاقية، أَوْ قد تنمو عندك حالة الطمع المادي، والإفساد المادي: هو اليوم من أخطر وسائل الإفساد (الإفساد المادي)، الكثير اليوم رخيصون: يبيعون ذممهم، يبيع ولاءه، يشترى بالمال ليتولى طرفاً شيطانياً، أَوْ ليقف موقفاً باطلاً، أَوْ لينحاز في صف الباطل؛ فيقاتل في صف الباطل.

فالاستعاذة بوعي بالله "سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى" من الشَّيْطَان الرجيم، من همزات الشياطين.. كُلّ شغلهم الذي يعمد إلى التأثير على نفسيتك وتوجهاتك بالإغراء، أَوْ حين الغضب، أَوْ حين المخاوف، أَوْ في لحظة من اللحظات، حتى المخاوف هي واحدة من الوسائل التي يحركها: يرجف عليك، يخيفك؛ فيجعلك تتنصل عن مسؤولية، أَوْ لا تثبت في موقف حق، أَوْ تخنع لباطل، وتخضع لطاغية ومجرم؛ فالاستعاذة هي مسألة مهمة علمناها الله "سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى" ويجب أن نستفيد منها وبوعيٍ أيضاً.

  • ثالثاً: الوعي بخطورة الشَّيْطَان، والاستحضار لذلك في الذهن في كُلّ الأحوال المهمة:

يعني تنبه على أن هناك عدواً يعمل على إغوائك، ولديه أنصار شياطين من الجن والإنْـس، لا تغفل عن هذه المسألة، وفي كُلّ الحالات التي تستدعي ذلك: إذا أنت في حالة غضب فتذكر أن هناك الشَّيْطَان، وسيحاول أن يستغل هذه الحالة؛ فكن متنبها لا يستغويك أثناء غضبك، إذا أنت استثارت في نفسك وتحركت في نفسك الرغبات، سواءً رغبات الطعام... أي شهوة ورغبة تحركت فيك (الشهوة الجنسية... إلى غير ذلك) تذكر أن هناك عدواً سيسعى إلى إغوائك فتنبه وخذ احتياطك وانتباهك...وهكذا، أي لحظة من اللحظات التي قد يدخل فيها الشَّيْطَان على الخط تنبه واحذر.

ولهذا يقول الله "سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى": {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ} الأعراف الآية: 201، الذين اتقوا قد يستهدفهم الشَّيْطَان في مثل هذه الحالات: عند حالة غضب، عند الحالة التي تتحرك فيها الغريزة النفسية (غريزة النفس): رغبة جنسية، رغبة طعام، رغبة شراب، رغبة راحة، أي رغبة من الرغبات. فيأتي الشَّيْطَان- كما قلنا- ويدخل على الخط، ويبدأ يوسوس، ويحاول أن يستميلك. الميزة الإيجابية عند الذين اتقوا: هي التذكر، لا يعيشون حالة الغفلة الدائمة، حتى يتورط في المعصية، ثم يتبرأ الشَّيْطَان منه، ثم ينتبه، على حسب تعبيرنا المحلي (يصكع برأسه). |لا|، يتنبه قبل، ما قبل السقوط (ما قبل الوقوع)، أول ما يدخل الشَّيْطَان على الخط (يوسوس، يزين)، تخرج المسألة عن سياقها الطبيعي، هذا يتضح لك، قد تتحرك فيك رغبة من الرغبات، مثلاً الرغبة الجنسية: أول ما يخرج تفكيرك عن الوضع الطبيعي، عن التفكير في زوجتك مثلاً، أَوْ التفكير إذا لم تكن قد تزوجت في أن تتزوج، واتجهت خواطرك نحو الحرام؛ خلاص الوضع لم يعد طبيعياً، اعرف هنا بدأ يدخل الشيطان، أحذر من البداية؛ فإذاً تذكر، انتبه، انتبه، لا تتجه فتغرق في التفكير نحو الخطأ، نحو المعصية، نحو الانحراف. |لا|، انتبه، وتذكر، واضبط وضعك، ولا تدخل حتى فيما قبل ذلك، مثل: البعض الذي قد يبدأ ليلبي هذه الرغبة من خلال الدخول في وسائل إعلام سيئة، ومشاهدة مشاهد خليعة، أَوْ مغازلات، أَوْ رسائل سلبية، أَوْ غير ذلك. |لا|، اقطع طريق الشَّيْطَان منذ بدايته، وسنأتي إلى نقطة مهمة أَيْضاً في هذا الجانب.

{إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ} بدأ الشَّيْطَان يتدخل، أَوْ يدخل على الخط في أي لحظة من لحظاته التي يركز عليها: لحظة غضب، لحظة شهوة، لحظة رغبة، لحظة... أي لحظة من اللحظات {تَذَكَّرُوا} عرف أن الوضع لم يعد طبيعيا، عرف أن الشَّيْطَان بدأ يدخل على الخط {فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ} انتبه، وأخذ حذره، واستعاذ بالله من الشَّيْطَان الرجيم، وصرف نفسه وذهنيته عن ذلك الاتجاه الخاطئ.

{وَإِخْوَانُهُمْ}، إخوان الشياطين (جماعتهم) قد تأثر بهم، {وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ} الأعراف الآية: 202، يعني: يدفعون بهم أَكْثَـر، ويجرونهم أَكْثَـر، ويغرقونهم أَكْثَـر بدون أي تقصير، لا يألون جهداً في ذلك حتى حتى يوقعوهم في العصيان والعياذ بالله؛ فالشَّيْطَان يدخل على الخط، لكن ويوصلهم إلى الأمور السيئة والعياذ بالله؛ فلا بد من الانتباه، الوعي بالخطورة، الاستحضار في الذهن، التذكر عند اللحظات الحساسة.

  • رابعاً: الحذر من الانجرار وراء خطوات الشَّيْطَان:

الشَّيْطَان عنده استراتيجية مع ابن آدم: هي أسلوب الخطوات، يعني الشَّيْطَان مثلاً: لو يطرح لك بعض المواضيع منذ اللحظة الأولى، هو يعرف أنك لن تقبل بذلك نهائياً، ولكن يجرك شَيئاً فشَيئاً (خطوة خطوة) هذا أسلوب من أهم الأساليب الشَّيْطَانية، استراتيجية الشَّيْطَان مع الإنْسَان هي هذه: الخطوات (أسلوب الخطوات) خطوةً فخطوة، فقد يأتي إلى كيفية إيصالك، مثلاً: إلى جريمة الفساد الأَخْلَاقي، ربما لو طرح عليك المسألة، وسوس لك بها من اللحظة الأولى، قد تنفر نفسك؛ لا يزال فيك الإيْمَان، لا يزال فيك الحياء، لا تزال عندك العفة، لا يزال عندك الشرف، عندك عوامل تتحصن بها، عندك حواجز تحتمي بها، ولكن سيبدأ بتدنيس نفسيتك شَيئاً فشيئا: ، أشياء لها مردودها السلبي في تدنيس نفسك، في ضرب زكاء نفسك، في تحطيم هذه الحواجز: كيف يحطم عندك حاجز الحياء شَيئاً فشَيئاً ويروّضك قليلاً قليلاً، كيف يضرب فيك شَيئاً فشئيا، خطوة فخطوة، وهكذا حتى يوصلك إلى المفاسد الأَخْلَاقية، أَوْ الانجرار مع أهل الباطل حتى تصل إلى الانضمام إلى صفهم، عوامل كثيرة: الإصغاء إلى ضلالهم، إلى منابرهم الإعلامية والثقافية شَيئاً فشَيئاً، أشياء معينة هي عبارة عن خطوات، الله يقول: {وَلاَ تَـتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} البقرة الآية: 168، {لَا تَـتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَـتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ} النور الآية: 21، يتكرر هذا في القرآن الكريم؛ {إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} البقرة الآية: 169.

فإذًا ما دام وأنت عرفت استراتيجية الشَّيْطَان، فاعرف كيف تحاربه، كيف تواجهه، كيف تحتمي منه؟ احذر من خطواته، لا تتجه معه، ولا تتحرك معه، ولا تنجر معه في الخطوة الأولى؛ لأنك ستنجر بعدها للخطوة الثانية، بعد الخطوة الثانية للخطوة الثالثة، حتى يوصلك إلى حيث لم تكن أنت تتوقع أبداً أن تصل، احذر! الله ينبهنا بهذا، يعلمنا بهذا، هو الرحيم بنا، {لَا تَـتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ}، وأنت إذا حذرت منه، وانتبهت منه من الخطوات الأولى؛ ستحتمي فيما عداها من الخطوات، وسيبقى الفاصل والحواجز والسدود كبيرة ما بينك وبين الوقوع في المهالك والعياذ بالله.

  • خامسًا: الأخذ بأسباب الرعاية والتوفيق الإلهي وعوامل الصلاح والزكاء:

(هذه مسألة مهمة) هناك من الأعمال ما تزيدك صلاحاً، وتزيدك طهراً، وتزيدك هدايةً، وتزيدك توفيقاً وإقبالاً إلى الله، ونفوراً من المعصية، وكرهاً للفسوق، وكرهاً للعصيان، ومقتاً للرذائل والمفاسد، وهذا يعطيك حصانة كبيرة جدًّا.

  • الصلاة القيمة، وليس أي صلاة، الصلاة القيمة: الصلاة التي تشدك إلى الله، الصلاة التي تطهر نفسيتك، {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} العنكبوت الآية: 45.
  • الإكثار من ذكر "سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى" (هذا مهم جدًّا).
  • الجهاد في سبيل الله بإخلاص بإخلاص، إذا لم يكن بإخلاص لن يفيدَك ولن ينفعك لو وقفت أي مواقف وعملت أي عمل.
  • الإحسان، الإحسان وما أدراك ما الإحسان، الصدقات التي هي بإخلاص، وبدون رياء، ولا مقاصد أخرى، كثير من الأعمال أرشدنا الله إليها: هي سبب للمغفرة، سبب لزكاء النفس، سبب لطهارة النفس، سبب لأن يحيطك الله بالهداية، بالتوفيق، بالتسديد.
  • الاهتمام بالقرآن الكريم بتدبر بتأمل.
  • مجالس الذكر، مجالس الصلاح، المساجد التي هي مساجد فيها خير وليس فيها مضلون، أما مساجد الضلال والضرار فهي خطيرة جدًّا، وخطورتها رهيبة للغاية، يجب الحذر منها، وهكذا... الأخذ بأسباب الرعاية والتوفيق الإلهي وعوامل الصلاح والزكا: وهي مجال واسع، تشمل كُلّ الأعمال الصالحة وإن كانت تتفاوت في ذلك.
  • سادسًا: الوعي بأن الله أغنانا عن الحرام:

يعني لاحظوا قصةَ آدم "عَلَيْهِ السَّلَامُ": الله أعطاه جنة كاملة، فيها العيش الواسع والرغد الكافي، ما يلبي كُلّ احتياجاته، {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى * وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى} طه الآية: 118-119، يتوفر له كُلّ المطالب والاحتياجات: ، أحل الله لنا الطيبات وحرم علينا الخبائث، كُلّ الطيبات أحلها لنا، حرم علينا الخبائث، فيما أحلَ ما يغني ويكفي ويلبي حاجتك، أنت كإنْسَان- صحيح- عندك حاجة غريزية، حاجتك الجنسية: هي غريزة فيك، وتحتاج إلى أن تلبيها، لكن بالحلال، تزوج، إذا لم تكفك الأولى تزوج الثانية، أو حسِّن علاقتك مع زوجتك بما يلبي حاجتك منها، هي كذلك- تكتفي- الزوجة تكتفي بزوجها، وفي الحلال ما يغني عن الحرام ويصون من الحرام بشرف، كذلك في المأكولات، في المشروبات؛ في الحلال ما يغني عن الحرام، أضف إلى ذلك في كُلّ شئون الحياة.

لنع جيداً أن للحرام واللعصيان مغبة فظيعة، وثمن باهظ لا يستحقه، والله لا يستحقه، لو لم يكن إلا جهنم (جهنم)، يعني ما هناك من الحرام ما يستحق أن تضحي فيه ولأجله بعلاقتك بالله، وإيْمَانك، وشرفك، وطهارتك، وصلاحك، ونبلك، وعدلك، وقيمك، وإنْسَانيتك، وتضحي بالجنة، وتدخل جهنم من أجله، المعاصي لها ثمن: ثمن عاجل في الدنيا، وثمن آجل في الآخرة، ذكر نفسك بهذا حتى لا تخسر، الخسارة كبيرة جدًّا.

ومن آخر ما نذكّر به، قول الله "سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى": {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً} فاطر الآية: 6، كلما رسخت في نفسك العداء للشيطان، والشياطين كلهم (من الجنة والناس)، كلما احتميت من تأثيرهم في الإغواء والتضليل وفي سائر ذلك.

هذه النقاط والعناصر فيها إن شاء الله ما يفيدَنا جَميعاً.

نَسْأَلُ اللهَ "سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى" أن يحميَنا من تأثير كُلّ الشياطين من الجن والإنْـس، أن يوفِّقَنا لما يرضيه عنا إنَّهُ سَمِيْعُ الدُّعَاء، أن يتقبلَ منا ومنكم الصيامَ والقيامَ وصالحَ الأعمال، وأن يكتبَنا في شهره الكريم هذا من عُتقائه ونُقذائه وطلقائه من النار.

وَالسَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُه؛؛؛