موقع أنصار الله . تقرير || يحيى الشامي
يتجاوز التحدي اليمني جداول الرحلات الملغاة والشركات المعلّقة، والميناء المقفل، والملاحة المعطلة إلى حقيقة وجود جبهة تُعجزُ الصهيونية، وتُبطل كلّ أدواتها العسكرية والسياسية والأمنية .. قبل 18شهراً دخلَ اليمن إسناداً، وهو اليوم مسماراً في نعش الزوال المحمول على أكتاف المطبعين.
كشفت مصادر إعلامية عبرية عن أزمة متفاقمة في قطاع الطيران المدني في كيان العدو الإسرائيلي، حيث أدت الهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة القادمة من اليمن إلى فرض ما يشبه "الحصار الجوي الفعلي" على كيان العدو الإسرائيلي.
لقناة 12 العبرية أفادت بتعقيد الأوضاع في مطارات كيان العدو مع استمرار تعليق شركات الطيران الأجنبية لرحلاتها، مما أدى إلى ارتفاع حاد في تكاليف السفر وانهيار القطاع السياحي. وأشارت القناة إلى أن الهجوم الأخير على مطار اللد "بن غوريون" يضع إدارة الملاحة الجوية أمام تحديات كبيرة ويشكك في قدرة شركات الطيران العالمية على مواصلة العمل في ظل هذه الظروف الأمنية المتردية. ووصفت القناة الوضع بأنه "حدث سياسي-اقتصادي من الطراز الأول" يهدد الاقتصاد الوطني بخسائر تقدر بملايين الدولارات يوميًا وفقدان موسم السفر الصيفي الحيوي.
"تايمز أوف إسرائيل" أكدت في تقرير لها أن غالبية شركات الطيران الأجنبية مددت قرار إلغاء رحلاتها إلى مطارات الكيان المحتل، مع توقعات ضعيفة بعودة هذه الخدمات خلال الصيف الحالي بسبب تكرار الاستهدافات الصاروخية. وأشار خبراء في مجال الطيران إلى حذر متزايد لدى الشركات الدولية، مع إعطاء الأولوية لسلامة الركاب، واحتمال عدم عودة بعض الشركات دون ضمانات أمنية مستدامة.
"غلوبس" العبرية أوضحت أن المطارات الإسرائيلية شهدت انخفاضًا حادًا في الحركة الجوية، مع إلغاء ما بين 600 إلى 700 رحلة وهبوط متوسط عدد المسافرين اليومي إلى 50 ألفًا مقارنة بـ 60 ألفًا قبل الهجمات الأخيرة. وأكدت الصحيفة أن معظم النشاط الجوي بات تحت سيطرة ثلاث شركات محلية في ظل غياب شبه تام لشركات الطيران الأجنبية التي مددت تعليق رحلاتها حتى يونيو في بعض الحالات. واعتبرت الصحيفة أن الضربة الأخيرة كانت "ضربة استراتيجية" تؤكد أن سماء "إسرائيل" لم تعد آمنة، مما دفع شركات الطيران العالمية للانسحاب تدريجيًا.
على الصعيد الداخلي في الكيان الإسرائيلي، ارتفعت أسعار تذاكر الطيران بشكل كبير، واضطر العديد من المغتصبين إلى البحث عن خطوط بديلة مع توقفات وسيطة، مما زاد من تكاليف السفر وتعقيداته، ووصف مراقبون الوضع الاقتصادي بأنه ينذر بـ "مرحلة جديدة من الإحباط" مع تزايد الانتقادات لـ"الحكومة" لعجزها عن توفير الاستقرار الأمني والاقتصادي.
سياسيًا، يمثل هذا "الحصار الجوي" تحولًا استراتيجيًا في طبيعة المواجهة، حيث تستخدم اليمن الرسائل الصاروخية للضغط على الاقتصاد الإسرائيلي وعزله خارجيًا. وقد رسخت هذه الهجمات فكرة أن كيان العدو الإسرائيلي لم يعد بيئة آمنة للملاحة الجوية، ما يؤثر على علاقاتها المستقبلية مع العديد من الدول، و فرض عزلة جوية و تجارية.
جاءت الضربة الصاروخية اليمنية على مطار اللد في سياق استراتيجية يمنية متكاملة تهدف إلى تضييق الخناق على العدو الصهيوني من كل جانب، نصرةً للشعب الفلسطيني المظلوم في غزة. كان الاستثمار الأذكى للعملية في إعلان القوات المسلّحة اليمنية بعد ساعات قليلة من العملية، عن بدء اليمن في "فرض حصار جوي شامل على كيان العدو الإسرائيلي"، وأكدت القوات المسلحة في الوقت ذاته التهديد الصريح بـ تكرار استهداف مطارات العدو الإسرائيلي في فلسطين المحتلة، إذا لم يتوقف العدوان على غزة. توّجَ هذا الإعلان خطوات الإسناد اليمنية الاستراتيجية وأضافت الحظر الجوي الى الحصار البحري الذي فرضه اليمنيون على ميناء أم الرشراش (إيلات)، والذي كبد العدو خسائر اقتصادية فادحة وحرّمه كلياً من الاستفادة من الميناء الذي يُمثل إطلالته البحرية الوحيدة على آسيا.
إن استهداف مطار اللد، الذي وصفه المحلل الفلسطيني حلمي موسى بأنه "قدس أقداس الأمن الإسرائيلي" والمنفذ الجوي شبه الوحيد للكيان بعد تراجع حركة الطيران في مطار حيفا، يمثل ضربة قاصمة للاقتصاد الصهيوني المترنح أصلاً. فبالإضافة إلى الشلل الفوري الذي أصاب المطار وتعليق الرحلات من قبل كبرى الشركات العالمية، فإن التداعيات الاقتصادية لهذا الحصار الجوي ستكون وخيمة على المدى المتوسط والطويل.
من المتوقع أن ترتفع أقساط التأمين على شركات الطيران التي قد تفكر في استئناف رحلاتها إلى الكيان بشكل جنوني، مما سيرفع أسعار التذاكر ويجعل السفر من وإلى فلسطين المحتلة ترفاً باهظاً، كما أن هذه الضربة ستوجه رصاصة الرحمة لقطاع السياحة الصهيوني الذي يعاني من انهيار شبه تام منذ بدء العدوان على غزة، حيث سيصبح من الصعب إقناع أي سائح بالمجيء إلى كيان باتت مطاراته الرئيسية تحت مرمى الصواريخ اليمنية الدقيقة.
جانب آخر يتعلق بارتفاع تكاليف السفر، مع تقلص عدد شركات الطيران العاملة، وخاصة على الخطوط الدولية الرئيسية مثل الولايات المتحدة، ارتفعت أسعار تذاكر الطيران بشكل كبير. هذا يفرض أعباء مالية إضافية على الإسرائيليين الراغبين في السفر من وإلى البلاد، سواء للعمل أو للسياحة أو لأسباب شخصية.
تأثير على الأعمال والتجارة: يعيق تعليق الرحلات سفر رجال الأعمال، مما يؤثر سلبًا على العلاقات التجارية والقدرة على عقد الاجتماعات والصفقات الهامة. هذا يؤثر بشكل خاص على قطاع الخدمات.
يرى خبراء أن استمرار هذا الوضع يضر بصورة "إسرائيل" كوجهة آمنة ومستقرة، مما قد يؤدي إلى عزوف المستثمرين والسياح على المدى الطويل.
اعتماد أكبر على شركات الطيران المحلية: في ظل غياب معظم شركات الطيران الأجنبية، تزداد الاعتماد على شركات الطيران الإسرائيلية مثل "العال"، والتي شهدت ارتفاعًا في أسهمها نتيجة لذلك. ومع ذلك، فإن قدرة هذه الشركات على تعويض النقص الهائل في المقاعد محدود، وقد يؤدي إلى استغلال محتمل للوضع برفع الأسعار.
خسائر لشركات الطيران: حتى شركات الطيران الأجنبية المتوقفة تتكبد خسائر كبيرة نتيجة لتعليق العمليات وإعادة جدولة الرحلات وتعويض الركاب.
الأخطر من ذلك هو التأثير الأمني والنفسي لهذا الحصار لقد نجح اليمنيون في زعزعة الشعور بالأمن لدى المغتصبين الصهاينة بشكل غير مسبوق فبعد أن كانوا يعتقدون أن عمق الكيان، وخاصة منطقة يافا المحتلة، محصنة ومنيعة بفضل طبقات الدفاع الجوي المتعددة والحماية الأمريكية، جاء الصاروخ اليمني ليثبت لهم العكس، وليؤكد أن يد الإسناد اليمني قادرة على الوصول إليه، كما أن الشعور بانعدام الأمن سيؤدي حتماً إلى تفاقم أزمة الثقة بين المغتصبين وقيادتهم السياسية والعسكرية، وقد يدفع الكثيرين منهم إلى التفكير جدياً في الهجرة العكسية، وهو ما يمثل تهديداً وجودياً للمشروع الصهيوني برمته.
فرض الحصار الجوي، بعد الحصار البحري، يؤكد حقيقة امتلاك اليمن مفاتيح مهمة في الصراع، يمكنه استخدامها بذكاء وحكمة لخدمة القضية الفلسطينية بل والأمن القومي العربي بما يضع العدو الإسرائيلي في موقف ضعيف ويسلبه أهم عوامل وجوده.
نختتم بما افتتح به الباحث البارز في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي غوزانسكي سيترينوفيتش حديثه في التعليق على العملية اليمنية موجزاً وصف التحدي اليمني بالقول: "هذا عدو لم تواجهه إسرائيل من قبل... بعيد عن إسرائيل وذو دوافع قوية... صراعه ضد إسرائيل قائم على الأيديولوجية... لا يوجد حل نموذجي لهذا التحدي".