في تقرير تحليلي نشره موقع "ميدل إيست مونيتور" البريطاني اعتبر الكاتب "بيتر رودجرز" أن الحرب الأمريكية الأخيرة ضد اليمن في البحر الأحمر، التي حملت اسم "عملية الراكب الخشن", تحولت من استعراض قوة إلى مثال صارخ على الفشل العسكري والاستراتيجي للولايات المتحدة. فبعد شهرين فقط من الحملة الجوية الواسعة التي كلفت أكثر من مليار دولار، أعلنت واشنطن وقفًا مفاجئًا لإطلاق النار مع الحوثيين، في اتفاق توسطت فيه سلطنة عمان، وتم التوصل إليه دون إشراك "إسرائيل".
التقرير وصف الحملة بأنها "الأضخم منذ عقود، إذ شاركت فيها حاملات طائرات وقاذفات استراتيجية وصواريخ دقيقة التوجيه، واستهدفت أكثر من 800 موقع داخل اليمن. ومع ذلك، لم تُحقق أهدافها المعلنة، حيث واصل الحوثيون استهداف السفن التجارية والعسكرية، بل ونفّذوا هجمات مباشرة على مدمرات أمريكية، في تحدٍّ غير مسبوق منذ الحرب العالمية الثانية".
وبحسب التقرير، فإن "فشل العملية الأمريكية في البحر الأحمر يعود إلى الرؤية الضيقة للسياسة الأمريكية، التي اعتمدت كليًا على الحل العسكري، وأهملت جذور الأزمة السياسية والاقتصادية في اليمن والمنطقة. كما أن غياب التنسيق مع شركاء إقليميين مثل السعودية والإمارات، والتجاهل الواضح لإسرائيل – التي فوجئت بالاتفاق – شكّل صدمة دبلوماسية وأمنية لحلفاء واشنطن".
وركّز التقرير على أن "تجاوز واشنطن لـ"تل أبيب" في الاتفاق أثار خلافات حادة، خاصة بعد أن شن الجيش اليمني هجومًا صاروخيًا متزامنًا على مطار "بن غوريون"، ما دفع "إسرائيل" إلى الرد بغارات جوية على ميناء الحديدة ومطار صنعاء دون تنسيق مع الولايات المتحدة وأن هذا الانفصال في القرار بين الحليفين التاريخيين كشف هشاشة التحالف الإقليمي في مواجهة محور المقاومة". بحسب الكاتب.
ووصف رودجرز "الاتفاق مع الحوثيين بأنه "هزيمة استراتيجية"، نقلت زمام المبادرة من يد الولايات المتحدة إلى يد الحوثيين، الذين خرجوا من الحرب أكثر صلابة، وقدّموا الاتفاق كـ"انتصار تاريخي" على أكبر قوة عسكرية في العالم. حتى مجلة الإيكونوميست وصفت الصفقة بـ"الحلف الفاوستي"، الذي عزّز سيطرة الحوثيين بدلًا من تقويضها".
أما على المستوى العسكري، فالحملة الجوية استنزفت الذخائر الدقيقة للجيش الأمريكي، ما أثار قلقًا لدى القيادة العسكرية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، في ظل التوتر مع الصين. كما أن التسريبات الأمنية، وسوء إدارة العمليات داخل إدارة ترامب، وخاصة بعد تعيين شخصيات متشددة في مناصب حساسة، أسهمت في تعقيد الموقف أكثر، بحسب التقرير.
وقال التقرير "بالنسبة للحوثيين، فقد رسخ وقف إطلاق النار مكانتهم كلاعب إقليمي رئيسي، قادر على التأثير في معادلات الأمن البحري والاقتصاد العالمي. وقد أظهروا أنهم ليسوا ميليشيا محلية، بل حركة قادرة على خوض معارك متعددة المستويات، تجمع بين العمل العسكري، والسياسي، والدعائي في آنٍ واحد".
وخلص التقرير إلى أن الحرب في البحر الأحمر كشفت حدود القوة الأمريكية عندما تُستخدم دون فهم معمّق للواقع الجيوسياسي. وأن وقف إطلاق النار لم يكن نتيجة نصر عسكري، بل تعبيرًا عن عجز استراتيجي. أما الحوثيون، فقد أثبتوا أن لديهم القدرة على إعادة تشكيل المشهد الإقليمي، وأن تجاهلهم لم يعد ممكنًا.