نشرت صحيفة Business Insider الأمريكية تقريرًا تحليليًا موسعًا للكاتب المتخصص في الشؤون الدفاعية مايكل بيك، بعنوان " عهد الطائرات بدون طيار ريبر على وشك الانتهاء"، تناول فيه التحولات الدراماتيكية التي تطرأ على تكنولوجيا الطائرات بدون طيار، وبالأخص تلك من طراز MQ-9 Reaper الأمريكية، التي كانت ذات يوم رمزًا للقوة الأمريكية في ساحات القتال. واعتبر التقرير أن ما يحدث حاليًا في اليمن وأوكرانيا ولبنان من إسقاطات متكررة لهذه الطائرات يمثل بداية النهاية لهذا النوع من المسيرات الثقيلة مرتفعة التكلفة، مؤكدًا أن هذه التحولات تنذر بفتح فصل جديد من فصول الحرب الجوية الحديثة".
وأشار التقرير إلى أن الطائرة MQ-9 Reaper، التي يبلغ طول جناحيها 66 قدمًا وتبلغ تكلفتها نحو 30 مليون دولار، لم تعد تُحلق بأمان كما كانت في السابق، حيث سقط العديد منها في معارك مختلفة، من بينها اليمن ولبنان وأوكرانيا، بفعل تهديدات متزايدة من أنظمة الدفاع الجوي حتى تلك التي تُعد من الجيل القديم. وقد وثّق التقرير أن "الحوثيين" في اليمن وحدهم أسقطوا ما لا يقل عن 15 طائرة ريبر منذ أكتوبر 2023، منها سبع طائرات في مارس وأبريل 2025 فقط، في خسائر تُقدَّر بنحو نصف مليار دولار".
وزعم الكاتب إلى أن الدفاعات الجوية التي تتسبب بإسقاط هذه الطائرة تشمل صواريخ سوفييتية قديمة من طراز SA-2 وSA-6، ما يسلّط الضوء على هشاشة هذه الطائرات الكبيرة أمام بيئات قتالية غير متكافئة. وعلى غرار ذلك، استعرض التقرير تجارب أخرى مثل طائرات "بيرقدار" التركية التي أدت دورًا بارزًا في بدايات الحرب الأوكرانية، لكنها ما لبثت أن اختفت من السماء بعد انتشار منظومات الدفاع الجوي الروسية، وكذلك الحال مع طائرات "هيرمس" الإسرائيلية التي سقطت ضحية لصواريخ حزب الله في لبنان".
وعرض التقرير مقارنة بين الطائرات الرخيصة والقابلة للاستبدال من نوع FPV التي تُستخدم بكثافة في أوكرانيا، وبين الطائرات المتطورة مثل Reaper أو Global Hawk الأمريكية التي تبلغ قيمتها 200 مليون دولار. وعلى الرغم من قوة الطائرات الأخيرة، إلا أنها باتت عرضة للإسقاط، كما حدث لطائرة Global Hawk التي دمرتها إيران في عام 2019، مما يدل على أن قيمة الطائرة لم تعد تضمن نجاتها.
ومن جهة أخرى، أوضح الكاتب أن المشكلة ليست فقط في الدفاعات الجوية، بل في المفارقة الجوهرية بين القدرة والجدوى. فالطائرات الكبيرة مثل MQ-9، رغم قدرتها على حمل حمولات ثقيلة من الصواريخ والمجسات والتحليق لمسافات تصل إلى 1200 ميل وارتفاع 50 ألف قدم، إلا أنها أصبحت أهدافًا سهلة لمن يمتلك أي قدرة دفاعية جوية، بما في ذلك الجماعات غير الدولتية. وذكر التقرير أن سرعة الطائرة بيرقدار لا تتجاوز 80 ميلًا في الساعة، فيما تصل سرعة ريبر إلى 200 ميل، وهي لا تزال ضمن مدى الصواريخ الأرض–جو التي بحوزة الحوثيين أو غيرهم".
وفي تقييم استراتيجي أوسع، أشار التقرير إلى أن البدائل المحتملة لطائرات MALE تشمل الأقمار الصناعية منخفضة المدار، والبالونات والمناطيد الثابتة، لكنها بدورها تعاني من محدوديات تشغيلية. الأقمار لا تكون دائمًا في المكان المناسب، والبالونات لا يمكن تحريكها بسرعة إلى المناطق النائية. وبالتالي، فإن عجز الطائرات الثقيلة عن العمل يهدد قدرة الجيوش الغربية على استشعار ساحة المعركة في الوقت الحقيقي.
وفي ظل تراجع فعالية الطائرات مثل MQ-9، هناك دعوات لتطوير طائرات مسيرة أكثر تقدمًا وتخفيًا، إلا أن هذه الحلول باهظة التكلفة وغير قابلة للإنتاج الكثيف، خاصة في بلدان مثل بريطانيا ذات الميزانية الدفاعية الأصغر نسبيًا. لذلك يرى التقرير أن الجيوش تقف أمام مفترق طرق، إما أن تستثمر في جحافل طائرات رخيصة وقابلة للاستهلاك، أو تعتمد على عدد قليل من الطائرات باهظة الثمن ذات قدرات خارقة يصعب تعويضها حال إسقاطها.
ويخلص الكاتب إلى أن ما يجري ليس مجرد تغيير في نوع الطائرات، بل تحوّل في العقيدة العسكرية ذاتها، من الحرب الجوية المبنية على الهيمنة التكنولوجية، إلى حرب تعتمد على الكثرة، السرعة، والمرونة، وهو ما قد يعيد رسم شكل المعارك القادمة لعقود.