في لحظة تاريخية فارقة، أعلنت القوات المسلحة اليمنية عن مرحلة جديدة من عملياتها ضد الكيان الصهيوني، تتمثل في فرض حظر بحري شامل على ميناء حيفا في الأراضي الفلسطينية المحتلة. هذا الإعلان، الذي جاء ليُضاف إلى سجل اليمن المشرف في دعم القضية الفلسطينية، هذا البيان هو إيذان ببدء مرحلة جديدة من المواجهة، يضع فيها اليمن ثقله العسكري والسياسي لإسناد غزة المكلومة، ويُجبر العدو على دفع ثمن باهظ لجرائمه.
في مشهدٍ يجسد العزم اليمني الصادق، أعلنت القوات المسلحة اليمنية، أمس الاثنين، أن ميناء حيفا بات منذ لحظة الإعلان، ضمن بنك أهدافها. هذا القرار الاستراتيجي لم يأتِ من فراغ، بل هو تتويج لسلسلة من الإجراءات التصعيدية المدروسة التي اتخذها اليمن رداً على العدوان الإسرائيلي الوحشي على أهالي غزة، وارتكابه المجازر بشكل يومي، وسقوط المئات من الضحايا في جريمة إبادة جماعية لم يشهد لها العالم مثيلاً، واستمرار الحصار والتجويع، ورفض العدو إيقاف عدوانه ورفع حصاره عن القطاع.
القوات المسلحة اليمنية أكدت أن هذا الإجراء يأتي بعد نجاحها في فرض الحصار على ميناء أم الرشراش "إيلات" وتوقفه عن العمل، وكذلك حظر الأجواء على مطار "بن غوريون". واليوم، يرفع اليمن سقف عملياته باستهداف العصب الثالث للاقتصاد الصهيوني، ميناء حيفا، الذي يعتمد عليه الكيان في تزويده بالأسلحة العسكرية التي يستهدف بها غزة. هذه الخطوة تعكس تطوراً نوعياً في القدرات العسكرية والتقنية اليمنية، التي وصلت إلى مستوى يمكنها من فرض الحظر البحري بفعالية، سواء باستهداف الميناء مباشرة أو باستهداف السفن والشركات التي ستصل إليه.
لم يكد بيان القوات المسلحة اليمنية يُعلن حتى ارتجفت أروقة الكيان الصهيوني رعباً، وتجلت حالة من القلق البالغ في تغطية وسائل الإعلام العبرية. فقد أورد موقع "جي دي إن" العبري أخباراً تعبر عن هذه الحالة، مؤكداً أن "اليمنيين يشكلون تهديداً جديداً، ويعلنون فرض حصار بحري على ميناء حيفا". هذا الاعتراف الصهيوني بالتهديد اليمني يعكس حجم الضربة التي تلقاها الكيان، ويدحض كل محاولات التقليل من شأن العمليات اليمنية.
صحيفة "Israel Hayom" أكدت جدوى التهديد اليمني، حيث جاء في أحد عناوينها "الحوثيون يهددون حيفا: 'فرضنا حصاراً على إيلات، والآن دورك'". هذا الربط المباشر بين نجاح اليمنيين في تعطيل ميناء أم الرشراش وقدرتهم المحتملة على تكرار الأمر في حيفا، يعكس إدراكاً عميقاً لخطورة الموقف. كما أكدت الصحيفة أن البيان اليمني وجه تحذيراً صريحاً لجميع شركات الشحن التي تتعامل مع ميناء حيفا.
من جانبه، أبرز موقع "والا نيوز" (Walla News) التوسع في بنك أهداف اليمنيين، بنشر عناوين مثل "الحوثيون يحددون مدينة إسرائيلية كبرى أخرى: 'لدينا بنك أهداف هناك'" و"الحوثيون أبلغوا الشركات في ميناء حيفا: 'جميع السفن في بنك أهدافنا'". هذه العناوين تؤكد أن التهديد لم يعد مقتصراً على البحر الأحمر، بل امتد ليشمل عمق الكيان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة على البحر المتوسط، ما يثير مخاوف جدية بشأن الأمن البحري والاقتصادي للكيان. كما أشارت التقارير إلى أن اليمنيين سبق أن هددوا مطارات الكيان الإسرائيلي الرئيسية، بما في ذلك "بن غوريون" و"حيفا" و"رامون".
أما صحيفة "معاريف" (Maariv) العبرية فقد وصفت الخطوة اليمنية بأنها "عقوبة جديدة" ضد الكيان الإسرائيلي بعد ميناء "إيلات" والبحر الأحمر، مشددة على أن أي سفينة متواجدة في ميناء حيفا المحتلة أو متجهة إليه قد تتعرض للاستهداف.
في ذات السياق يؤكد موقع "تريد ويندز" المتخصص بشؤون الملاحة البحرية أن التهديد الصاروخي الذي يشكّله "الحوثيون" على عمق "الأراضي الإسرائيلية" هو تهديد حقيقي، فقد نجحت صواريخ "حوثية" في اختراق الدفاعات الجوية الإسرائيلية مرات عدة وانفجرت في "تل أبيب" أو بالقرب من مطار "بن غوريون"، وأضاف الموقع : "لقد شهد ميناء "إيلات" تراجعا حادا في نشاطه التجاري نتيجة الحملة التي يقودها "الحوثيون".
أما موقع "ذي ماريتايم إكزكيوتيف" المتخصص بشؤون الملاحة البحرية فاكد أن من أسماهم بالـ"الحوثيين" يستطيعون استهداف السفن التابعة لمن يتعاملون مع ميناء حيفا بالرغم من أن الحملة الجوية الأمريكية المكثفة ضد "الحوثيين" في شهري مارس وأبريل، ومع ذلك فهم لا يزالون يحتفظون بقدرة هجومية فعالة في البحر الأحمر.
كما ذكرت مجلة "ذا ماري تايم إكسكيوتف" البحرية أن إعلان اليمن الحصار عن بُعد لميناء حيفا، أشعل مجددًا أزمة البحر الأحمر فقرار حظر "الحوثيين" على ميناء حيفا يرفع مستوى المخاطر أمام مختلف الشحنات البحرية الدولية، مؤكدة أن "الحوثيين" لهم القدرة على استهداف أساطيل مالكي السفن الذين يتعاملون مع ميناء حيفا.
أما موقع "جي دي إن" العبري فذكر أن "الحوثيين" يشكلون تهديدًا جديدًا، ويعلنون فرض حصارًا بحريًا على ميناء حيفا، مؤكدا أن الإعلان عن بدء حصار ميناء حيفا يأتي بعد يوم من توجيه "الحوثيين" تهديدات بتصعيد الهجمات على مطار "بن غوريون".
تكشف أصداء الإعلام العبري الأخيرة عن حالة من القلق العميق والاستنفار، بعد قرار الحظر البحري الذي استهدف ميناء حيفا. حيث ترى الصحف ووسائل الإعلام أن هذا التوجه يمثل تصعيداً خطيراً يهدد "أمن إسرائيل القومي" المزعزم، بشكل مباشر، خاصة أن حيفا تُعد أحد أهم شرايين الكيان الاقتصادية والاستراتيجية.
يوسع اليمنيون بنك أهدافهم، من البحر الأحمر إلى البحر الأبيض المتوسط، ما يضع منظومة الدفاع الإسرائيلي أمام تحديات غير مسبوقة.
وتزداد التوجسات عندما تتجه الأضواء نحو تحذيرات شديدة للشركات الدولية العاملة في الموانئ، حيث تتخوف وسائل الاعلام العبري من أن هذه التهديدات قد تؤدي إلى اضطرابات في حركة التجارة البحرية الإسرائيلية، وتكبدها تكاليف تأمين مرتفعة أو حتى وقف العمليات. وعلاوة على ذلك، لا يمكن فصل هذه التطورات عن سياق العدوان الوحشي الصهيوني على أبناء غزة، إذ تُعتبر خطوة اليمن رداً مباشراً على التوسع الصهيوني في ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية، والتجويع والتهجير القسري لأبناء القطاع، وهو ما يربط بين التصعيد البري والبحري في دوامة واحدة.
وفي جوهر الأمور، شدد الإعلام العبري، في تحليلاته لتداعيات القرار، على أن التهديدات اليمنية تفرض تحدياً واضحاً للردع الأمريكي والإسرائيلي، حيث تُبرز التحليلات أن اليمنيين ليسوا "خطراً" مزعجاً فحسب، بل قوة قادرة على إحداث تأثيرات ملموسة على أمن المنطقة واقتصادها.
ولم يقتصر صدى القرار على الكيان الغاصب، بل امتد ليشمل داعميه. فقد عبّر العدو الأمريكي عن التزامه بـ"التنحي عن مسار الردع اليمني"، حيث اكتفى القائم بأعمال رئيس العمليات البحرية الأمريكية "جيمس كيلبي" بالتحذير من مخاطر الوقوع في فخ الحسابات الخاطئة أمام اليمن. وقال كيلبي: "فهم سلوك (اليمنيين) وعدم الاستخفاف بهم هو ما يجب أن يتم التركيز عليه"، مؤكداً أن اليمن "ورغم أنه ليس بقوة الصين، إلا أنه يشكل تهديداً". هذه التصريحات الأمريكية، التي جاءت بعد إعلان الحظر، تكشف عن إدراك واشنطن لخطورة الموقف، وتؤكد فشل سياسات الردع التي حاولت فرضها على اليمن.
لتعزيز فعالية قرار الحظر، أصدر مركز تنسيق العمليات الإنسانية (HOCC) قراراً شاملاً بفرض حظر على حركة الملاحة البحرية من وإلى ميناء حيفا، يبدأ سريانه في 20 مايو 2025م الساعة 00:01 صباحاً بتوقيت صنعاء. وأوضح المركز في بيان صادر عنه أنه قام بمخاطبة شركات الشحن العالمية بشأن المخاطر العالية التي ستتعرض لها السفن المتجهة من وإلى ميناء حيفا، محذراً من أن أي انتهاك لهذا القرار، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، سيؤدي إلى اعتبار الشركات المنتهكة، أنها داعمة للكيان الصهيوني الغاصب، وبالتالي فرض عقوبات صارمة عليها وفقاً للائحة عقوبات الداعمين للكيان الصهيوني الغاصب (SR-SUZE).
وتشمل الآثار المترتبة على هذه العقوبات حظر أساطيل الشركات المخالفة من عبور البحر الأحمر، وباب المندب، وخليج عدن، والبحر العربي، والمحيط الهندي، فضلاً عن استهدافها في أي مكان تطاله القوات المسلحة اليمنية. كما يُحظر على الدول والكيانات والأشخاص التعامل مع الشركات المدرجة في قوائم العقوبات بأي شكل من الأشكال، ويُحظر استخدام وكلاء أو شركات وسيطة أو وهمية لإتمام معاملات محظورة. وتتوسع العقوبات لتشمل الكيانات التي تسهم فيها الشركات المخالفة، وكبار المديرين والمالكين الفعليين، والأزواج والأقارب من الدرجة الأولى للأشخاص الطبيعية المدرجة، والكيانات التي يشغل فيها الأشخاص الطبيعيون المدرجون مناصب إدارية عليا، والكيانات التي يتحكم فيها هؤلاء الأشخاص.
يُعَدُّ ميناء حيفا أحد أقدم وأكبر الموانئ في فلسطين المحتلّة، وأحد أكبر موانئ الكيان الإسرائيلي الثلاثة الرئيسية: (أسدود، أم المرشراش، حيفا)، وأكثرها حيوية من الناحية الاقتصادية والجغرافية. ويقع الميناء في الجزء الشمالي من وسط مدينة حيفا المحتلة على البحر المتوسط، ويمتدّ إلى نحو 3 كيلومترات على طول الشاطئ وسط المدينة.
وباعتباره واحداً من أكبر الموانئ في شرق البحر المتوسط من حيث حجم الشحن، يعمل الميناء على مدار السنة، ويُوصف الميناء بأنّه "بوابة التجارة الإسرائيلية"، حيث يتمّ شحن أكثر من 30 مليون طن من البضائع عبره سنوياً، ما يعكس دوره الكبير في تعزيز الاقتصاد الإسرائيلي.
ويتعامل الميناء مع أكثر من 35% من حجم الاستيراد والتصدير الإسرائيلي، من البترول، والمواد الخام، والمنتجات الصناعية والحبوب، والمنتجات الكيميائية، والأدوية، والتقنيات المتطوّرة.
يُعتبر ميناء حيفا مقراً لعدد من مصانع البتروكيماويات والأمونيا، بحسب موقع "والا". يُعد الأكثر ابتكاراً وتقدماً في "إسرائيل"، إذ يمتدّ على مساحة 6.5 كيلومتر مربع، ويضمّ أرصفة متعددة، ومحطات للحاويات، ومستودعات كبيرة. كما يحتوي الميناء مرافق متعدّدة للنقل واللوجستيات، ما يجعله مركزا للنقل البحري والبري.
ومن الناحية الاستراتيجية، يُعَدُّ ميناء حيفا قريباً من الأسواق الأوروبية والمتوسطية، وهو ركيزة لمشروع أمريكي يُنافس مبادرة "الحزام والطريق" الصينية؛ وسيكون بالتالي محطة ضمن ممر تجاري يربط الهند بأوروبا عبر "الشرق الأوسط"، حيث من المخطط أن تمرّ السفن عبره نحو 3 دول أوروبية بعد قدومها براً من الإمارات والسعودية، مروراً بالأردن إلى فلسطين المحتلة.
وبالإضافة إلى دوره التجاري المهم، يلعب ميناء حيفا دوراً رئيساً في ما يُسمّى "الأمن القومي" للكيان الصهيوني، ويُمكن وصفه بـ"أخطر منافد إسرائيل البحرية"، إذ يضمّ مصانع وشركات كبيرة، بعضها مرتبط بصناعة المواد الكيميائية الخطيرة والبترول.
كما يحتوي الميناء على أسلحة نووية وغير تقليدية. وتقع قاعدة "بولونيوم" للأسلحة البحرية في الجانب الشرقي منه، والتي تُعدّ مقراً للغواصات الحربية المُعدّة لحمل صواريخ ذات رؤوس نووية. ويضمّ حوضاً لصناعة السفن الحربية الإسرائيلية، حيث يتمّ تعديلها وتجهيزها بالأنظمة القتالية والتقنية واللوجستية.
كما أنّ الميناء مقر لعدد من مصانع البتروكيماويات، والأمونيا، والميثانول، والمواد الكيميائية الخطيرة المستخدمة في الأسمدة، وخزّانات ومصافي النفط، وهو ما يجعل اليهود في حيفا وكأنّهم يجلسون على برميل من المتفجرات، وفقاً لصحيفة "هآرتس" الصهيونية.
إن فرض الحظر البحري على ميناء حيفا يحمل في طياته توقعات إيجابية عظيمة للمقاومة في غزة. فبالنسبة لغزة، يمثل هذا القرار ضغطاً اقتصادياً وعسكرياً غير مسبوق على الكيان الصهيوني، ويسهم في إجبار العدو على وقف عدوانه ورفع حصاره الجائر. هذا الضغط سيعزز من موقف المقاومة على طاولة المفاوضات، ويخفف من وطأة العدوان على المدنيين، ويفتح آفاقاً لدخول المساعدات الإنسانية التي تشتد الحاجة إليها.
لقد أثبت اليمن قدرته على تحويل التهديدات إلى فرص، وعلى إيجاد نقاط ضعف في عصب العدو الاقتصادي، ما يرفع من معنويات الأمة ويعزز من ثقتها بقدرتها على مواجهة قوى الاستكبار. إن هذه العمليات الإسنادية، التي تتم بفضل الله تعالى وعونه وتسديده وتوفيقه، تؤكد أن اليمن لن يتردد في اتخاذ ما يلزم من إجراءات إضافية دعماً وإسناداً للشعب الفلسطيني المظلوم ومقاومته العزيزة.