موقع أنصار الله . تقرير | يحيى الربيعي
في خضم صمتٍ دولي مطبق وتواطؤٍ غير مسبوق، تتواصل فصول المأساة الفلسطينية، فصولٌ تُدمي القلب وتشق الروح، حيث تتعالى وحشية الكيان الصهيوني على أشلاء الإنسان والأراضي والمقدسات. السادس والعشرون من مايو الجاري لم يكن هذا اليوم مجرد رقمٍ في التقويم، بل كان حلقةً داميةً أخرى في مسلسل عربدة الكيان الصهيوني المتواصل منذ 598 يوما. يومٌ تجلت فيه أقصى درجات الوحشية والإبادة، راسمةً صورةً قاتمةً لمأساة شعبٍ يُقاد نحو التصفية والصمت يخيم على الجميع. هذا تقريرٌ يسعى إلى فضح ديناميكية هذه الحالة الفظيعة، متسائلاً عن الماهية التي يمكن أن يصف بها العقل الإنساني سيناريوهات هذه الدراما البشعة، التي لم يعد لها من تفسير سوى أن ثمة تواطؤاً عالمياً مع الكيان الإسرائيلي في تصفية شعب فلسطين.
ما بين الأمس القريب واليوم!
— شبكة قدس الإخبارية (@qudsn) May 26, 2025
المحرقة مستمرة بحق قطاع غزة pic.twitter.com/kCnr3loIIu
كان فجر السادس والعشرين من مايو في غزة، فجراً يحمل في طياته دوي القصف وأزيز الرصاص. في يومها الـ598 من العدوان، واصل العدو الإسرائيلي جرائم الإبادة الجماعية على قطاع غزة، مستنداً إلى دعمٍ سياسي وعسكري أمريكي، وصمتٍ دولي معيب. لم يكن هذا اليوم استثناءً، بل كان تجسيداً مكثفاً لسياسة الأرض المحروقة والتطهير العرقي.
حصادٌ مُفجع: مع كل ساعة تمر، كانت أعداد الشهداء ترتفع، لتصل في هذا اليوم إلى 77 شهيداً فلسطينياً في غارات إسرائيلية مكثفة على أحياء متفرقة من القطاع. وفي غضون الـ 24 ساعة الماضية، ارتفعت حصيلة العدوان إلى 38 شهيداً و169 إصابة، لتبلغ الحصيلة الإجمالية منذ السابع من أكتوبر 2023 أرقاماً مفزعة: 53,977 شهيداً، و122,966 إصابة. هذه الأرقام ليست مجرد أرقام، بل هي شهادات حية على حجم الكارثة الإنسانية، صرخات ألم لن تمحوها الذاكرة.
مجزرة مدرسة "فهمي الجرجاوي": في مدينة غزة، ارتكبت قوات العدو مجزرة دامية بقصف مدرسة "فهمي الجرجاوي"، التي كانت تُؤوي نازحين يبحثون عن مأوى من جحيم القصف. أسفر القصف عن استشهاد 36لل مواطناً على الأقل وفقدان آخرين، بينهم أطفال ونساء، تفحمت جثامين معظمهم بالكامل. أسماءٌ محفورة في سجل الشهادة: محمد يوسف الكسيح، نسيبة محمد الكسيح، بتول محمد الكسيح، آيات محمد الكسيح، لين محمد الكسيح، يوسف محمد الكسيح، ناريمان يوسف الكيلاني، وسام نائل الكيلاني، وحبيبة نائل الكيلاني. هذا الاستهداف المتعمد لمراكز الإيواء، يكشف عن نية مبيتة في قتل المدنيين وتفريغ القطاع من سكانه.
استهداف عائلات بأكملها: لم تكن مدرسة الجرجاوي هي الوحيدة التي شهدت وحشية الكيان الغاصب في فترة لا تتجاوز 20 ساعة. في خان يونس، استشهد 7 مواطنين من عائلة "شراب" في قصف لمنزلهم، بينهم أطفالٌ أبرياء. وفي جباليا، ارتقى 20 مواطناً في مجزرة استهدفت منزلاً لعائلة "عبد ربه". كما فجع الفلسطينيون باستشهاد وإصابة عائلاتهم بعد قصف العدو لمخيمات نازحين في شارع الثورة بمدينة غزة، حيث خلفت عشرات الشهداء والإصابات غالبيتهم من الأطفال.
استُشـــهدت والدتها وأشقاؤها..
— شبكة قدس الإخبارية (@qudsn) May 26, 2025
طفلة ناجية من مجزرة ومحرقة الاحتلال بحق النازحين في مدرسة فهمي الجرجاوي بمدينة غزة. pic.twitter.com/fCfcaHiUHp
لم تتوقف الوحشية الصهيونية عند القتل، بل امتدت لتطال كل ما هو حي. واصل العدو الإسرائيلي تنفيذ عمليات نسف للمباني السكنية في بلدة القرارة شمال شرق خان يونس، وشرقي مدينة غزة، وكذلك في بيت لاهيا شمال غزة، وحيي الشجاعية والتفاح شرقي مدينة غزة. هذا التدمير الممنهج يهدف إلى محو أي إمكانية لعودة السكان أو إعادة بناء حياتهم، ويشكل جزءاً من مخططات التهجير والسيطرة.
كارثة إنسانية متفاقمة: تتصاعد آثار منع إدخال المواد الغذائية الأساسية، ما يرسم مشهداً قاسياً للمجاعة التي يواجهها سكان القطاع. أعلنت وزارة الصحة بغزة عن وفاة 58 مواطنا بسبب سوء التغذية و242 بسبب نقص الغذاء والدواء منذ مارس الماضي. يقول مكتب الإعلام الحكومي إن الشاحنات التي دخلت غزة ليست سوى % مما يحتاجه القطاع.
لم تقتصر عربدة العدو على غزة، بل امتدت لتشمل القدس المحتلة والمسجد الأقصى المبارك، في محاولة سافرة لفرض سيادته وطمس الهوية الفلسطينية والإسلامية.
أقدم قطعانُ المغتصبين الصهاينة على تدنيس واقتحامِ الأقصى وباحاتِه، متطاولين على نبيِ الرحمةِ ومقدسات الأمة. في استباحةٍ هي الأوقحُ والأكبرُ والأكثرُ استفزازاً، وتجاوزا دون أن تُحرك ساكنا في زعيمٍ أو ملكٍ أو رئيسٍ عربي، باستثناءٍ من رحم الله، ومن الاستثناءاتِ اليمن، وهي تواصلُ معادلةَ عزلِ الكيانِ جواً وبحراً، أكد المكتبُ السياسيُ لأنصار الله الاستمرارَ في التصعيدِ العسكريِ حتى يرضخَ العدوُ ويتوقفَ كلياً عن العدوانِ والحصارِ على غزة، وأن اليمنَ لن يدخرَ جهداً في دعمِ ومساندةِ فلسطين. حتى يقضيَ اللهُ أمراً كان مفعولا.. وللهِ الأمرُ من قبلُ ومن بعد..
ففي اقتحاماتٌ قياسية للمسجد الأقصى وتزامناً مع ما يسمونه صهيونيا "يوم توحيد القدس"، شهد المسجد الأقصى المبارك اقتحامات غير مسبوقة من قبل قطعان المغتصبين،. بلغ عدد المقتحمين 2118 مغتصباً، بالإضافة إلى 172، وهو الرقم الأعلى في تاريخ اقتحامات المغتصبين للأقصى في هذه الذكرى، محاولين فرض واقعٍ جديد على الأرض.
ولم تكن الاقتحامات مجرد تواجد، بل رافقتها ممارسات استفزازية ومهينة. أدى المغتصبون، برفقة "وزراء" و"أعضاء كنيست" مثل الصهيوني "إيتمار بن غفير" و"عميت هاليفي"، طقوساً تلمودية علنية، بما في ذلك محاولة "ذبح القرابين". كشفت "المدرسة التوراتية" التي تتخذ من المسجد الأقصى مركزاً مزعوماً لها عن علنية دعواتها لاقتحام الأقصى وإقامة "صلاة المساء" التلمودية بشكل جماعي داخل المسجد، وإطلاق "أغانٍ" تحريضية تظهر فيها وجوه وأسماء حاخاماتهم. صُورت بعض مقاطع هذه الأغنية داخل المسجد الأقصى المبارك وأمام الجامع القبلي وفي الساحة الشرقية للأقصى، وكذلك على باب المغاربة وعلى سطح متحف "نار التوراة" التهويدي، مع إشارات واضحة للهيكل المزعوم بدلاً من الأقصى. هذه الجرائم تمثل انتهاكاً صارخاً لقدسية ومكانة الأقصى لدى الأمة الإسلامية جمعاء، وتؤكد سعي الكيان لفرض التقسيم الزماني والمكاني.
كما اعتدت شرطة العدو بالضرب على حراس المسجد الأقصى وأبعدتهم عن الساحات، في محاولة لكسر إرادتهم وحماية اقتحامات المغتصبين. واقتحم مغتصبون مقراً لوكالة "الأونروا" في حي الشيخ جراح بالقدس المحتلة، ورفعوا شعارات تطالب بالسيطرة عليه، في اعتداء خطير ضمن محاولات ممنهجة لتصفية وشطب قضية اللاجئين. أكد الباحثان المختصان في شؤون القدس، زياد ابحيص وعلي إبراهيم، أن هذه الاقتحامات والطقوس العلنية تمثل "اختباراً سياسياً وأمنياً لردة فعل الشارع الفلسطيني والعربي والإسلامي"، وأنها جزء من استراتيجية العدو لفرض السيادة "الإسرائيلية" الكاملة على الأقصى.
مستوطنون يشتمون النبي محمد، خلال "مسيرة الأعلام" في منطقة باب العامود بالقدس المحتلة. pic.twitter.com/GImMKHuVSH
— شبكة قدس الإخبارية (@qudsn) May 26, 2025
إن سيناريوهات هذه الدراما البشعة لم يعد لها من هدف ولا غاية سوى التواطؤ الإنساني مع إرادة سلطات كيان العدو الإسرائيلي في تصفية هذا الوجود، تحت أي مبررات وذرائع.
الدعم الأمريكي اللامحدود: يستند العدو الإسرائيلي إلى دعم سياسي وعسكري أمريكي غير مشروط، وهو ما يشجع العدو على المضي قدماً في جرائمه.
المواقف العربية والإسلامية الضعيفة: تعرب حركات المقاومة الفلسطينية عن أسفها للمواقف الضعيفة للحكومات العربية والإسلامية، التي لا تزال دون مستوى الحدث، ولم تتجاوز مربع الإدانة الكلامية. هذا الخذلان يؤكد الانسلاخ الكامل عن القيم والتعاليم الإسلامية.
على الرغم من فداحة المأساة، يظل الوجود الفلسطيني صامداً للأعداء، ويزداد رفضه للاستسلام قوة وعزيمة.
إن هذا الصمود الأسطوري، ومقاومة الشعب الفلسطيني، وتشبثه بأرضه ومقدساته، هي التي ستمهد لليوم الموعود، يوم الانتصار الإلهي لمظلومية هذا الشعب. فالله تعالى وعد بنصر من يتحرك في سبيله لمواجهة قوى الكفر والطاغوت، وعن أسباب النصر يقول: "إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم".
والمتخاذلون من أبناء الأمة عليهم أن ينتظروا العقاب الإلهي، ففداحة التفريط كبيرة جدا، وثمن السكوت أكبر بكثير من ثمن التحرك ونصرة المستضعفين.