بينما تتسارع وتيرة الكارثة الإنسانية في قطاع غزة، حيث يتفاقم الجوع ويشتد الحصار، ويُقتل المدنيون على أعتاب مراكز المساعدات، في انتهاك صارخ لكل القوانين والأعراف الدولية، يرتفع صوت اليمن عالياً، مدوياً بصرخة الملايين التي تدفقت في مسيرات جماهيرية حاشدة. في مشهد تاريخي، حولت ميادين اليمن وساحاته، من العاصمة صنعاء إلى أقصى محافظاته، إلى أمواج بشرية هادرة، لتُعلن بوضوح لا لبس فيه: "لا أمن للكيان وغزة والأقصى تحت العدوان".

هذه المسيرات المليونية التي عمت كل ربوع اليمن أكدت تجسيداً عملياُ لعهد راسخ، ووفاء لا يتزعزع للقضية الفلسطينية. فبينما يرزح قطاع غزة تحت وطأة الإبادة الجماعية، وتُمنع المساعدات، وتُرتكب المجازر بحق الجوعى، ويُستشهد الصحفيون في محاولة لكشف الحقيقة، يأبى الشعب اليمني إلا أن يكون في طليعة المدافعين، مؤكداً أن صمت العالم لن يكسر عزيمته، وأن نصرة غزة والأقصى هي قضية وجود لا مساومة فيها.

(1035) ساحة

واحتشد أبناء الشعل اليمن في أكثر من (1035) ساحة، أهمها ساحة ميدان السبعين في العاصمة صنعاء أما بقية الساحت فكانت على النحو التالي: (محافظة إب : 180 ساحة) ، ( محافظة حجة: 252 ساحة) ، (الحديدة: 221 ساحة) ، ( صعدة : 36 ساحة) ، ( محافظة صنعاء: 30 ساحة ) ، (محافظة لحج: ساحة القبيطة) ، ( محافظة تعز : 44 ساحة) ، ( محافظة المحيوت : 74 ساحة) ، ( محافظة ريمة: 65 ساحة) ، ( محافظة ذمار: 47ساحة ) ، ( محافظة مأرب: 16 ساحة )  ( محافظة عمران :80 ساحة) ، ( محافظة الجوف: 19 ساحة).

في ميدان السبعين في العاصمة صنعاء شهدت الجمعةَ مسيرة مليونية في يوم النفير والوفاء لرسول الله، ونصرة للشعب الفلسطيني تحت شعار "لا أمن للكيان.. وغزة والأقصى تحت العدوان". الحشود البشرية الهادرة أيّدت وباركت العمليات التي تنفذها القوات المسلحة اليمنية ضد الأهداف الحيوية للعدو الصهيوني، والدعم الكامل لها، مطالبة بتكثيف هذه العمليات للضغط على العدو حتى إيقاف عدوانه على غزة ورفع حصاره عنها.

 كما جددت الحشود تفويضها المطلق لقائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي، مؤكدة الاستمرار في النفير والتعبئة العامة والجهاد في سبيل الله، ثباتا على الموقف المساند والمناصر للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة. كانت الشعارات تردد: "يومُ جهادٍ يومُ نفير.. يا أمتنا الوضع خطير"، "جُمعتنا غضبٌ لله.. ووفاء لرسول الله"، "يا ختام الأنبياء.. عهداً منا بالوفاء"، "تدنيس الأقصى المتكرر.. يكفي الأمة أن تستنفر"، "يا أمة هذا أقصاكم.. أين الغيرة أين إباكم". كما هتفت الجماهير بعبارات "غزة شرَّفت الإسلام.. بسراياها والقسَّام"، "مع غزة يمنُ الشرفاء.. غضبٌ ونفير ووفاء"، "مع غزة والقادم أعظم.. وكيانُ الإجرام سيندم"، "واستمعوا لبيانٍ هام.. القادمُ أكثر إيلام"، "الجهاد الجهاد.. كل الشعب على استعداد"، "يا غـزّة واحنا مَعَكـُم.. أنتم لستم وحدكم"، "يا غزة يا فلسطين.. معكم كل اليمنيين"، "فوضناك فوضناك.. يا قائدنا فوضناك"، "أيدناك أيدناك.. واحنا سلاحك في يمناك".

الجماهير أعلنت البراءة من الخونة والعملاء الذين انسلخوا عن الدين والقيم والأخلاق والقبيلة ليقدموا خدماتهم للأعداء، مؤكدة أنهم مهدورو الدماء ومقطوعون من الصحب والقرابة والقبيلة، وأنه لا حِمى ولا جوار لهم. هذا يعكس وحدة الجبهة الداخلية ورفض أي اختراق.

الموقف اليمني.. شواهد على عظمة لا تتزعزع

المسيرات الحاشدة التي عمت ربوع اليمن مثلت تجسيداً حياً لإرادة شعبية صلبة، وشواهد دامغة على عظمة الموقف اليمني، قيادة وجيشاً وشعباً، تجاه القضية الفلسطينية. لقد أظهرت هذه التحركات الجماهيرية -سواء في المناطق التي استعرضناها بالتفصيل أو غيرها- أبعاداً عميقة لهذا الموقف، يمكن تلمسها من خلال الحقائق التالية:

لقد تجلت وحدة الصف الشعبي في أبهى صورها، حيث تجاوزت هذه التحركات الضخمة كل الفوارق الجغرافية والاجتماعية، لتوحد الشعب اليمني بأسره خلف قضية واحدة هي غزة والأقصى. هذا التجلي للموقف الشعبي يبرز أن الدعم لفلسطين ليس قراراً سياسياً فرضته قيادة، بل هو قناعة شعبية راسخة ومتجذرة، تنبع من عمق الوعي والإيمان بقدسية القضية.

وفي مشهد يعكس التفويض المطلق لقيادة حكيمة، تكرر تجديد الجماهير في بياناتها التفويض المطلق لقائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي. هذا التفويض لم يأتِ من فراغ، بل هو نابع من رؤية واضحة للقيادة، سبق وأن أكدها السيد القائد في خطاباته المتعددة، مشدداً على أن "الموقف اليمني تجاه غزة هو موقف إيماني مبدئي أخلاقي وإنساني، وليس مجرد موقف سياسي تكتيكي". كما أكد أن "نصرة الأقصى والمقدسات الإسلامية واجبٌ ديني وإنساني لا يقبل التراجع أو المساومة". هذه الرؤية المبدئية هي ما منحت القيادة الثقة التامة من قبل الشعب، وشرعية شعبية لا يمكن التشكيك فيها لاتخاذ القرارات الحاسمة والتصعيد في المواجهة.

ولم يقتصر الأمر على الدعم المعنوي، بل امتد إلى الاستعداد للتضحية والنفير العام. كما جسدت الشعارات التي صدحت بها الحشود تعبيراً عن جاهزية فعلية. تكررت عبارات "الجهوزية الكاملة لخوض المنايا وتقديم التضحيات"، و"النفير العام"، و"رفع الجاهزية للمواجهة المباشرة". عبارات عبرت عن تأكيد قاطع على أن الشعب اليمني على أهبة الاستعداد لدفع أغلى الأثمان في سبيل نصرة المظلومين، إدراكاً منه لحجم التحدي وقدسية القضية.

وفي تأكيد على جدية الموقف، ارتفعت أصوات الجماهير بالمطالبة بتصعيد العمليات العسكرية. وطالبت البيانات -بوضوح- القوات المسلحة اليمنية بـ"تصعيد عملياتها ضد الكيان الصهيوني ما دامت غزة تحت العدوان والحصار"، و"الضرب دون رحمة"، و"اعملوا على تطوير قدراتكم، وتوسيع عملياتكم". وأكدت المسيرات الدعم المطلق للخيار العسكري، واعتباره السبيل الأنجع لردع العدو الصهيوني ووقف جرائمه.

ولم تغفل الاستراتيجية اليمنية الجوانب الأخرى للمواجهة. فإلى جانب الخيار العسكري، شددت البيانات على أهمية المقاطعة الاقتصادية الشاملة للأعداء. والأهم من ذلك، أعلنت الجماهير -بوضوح- البراءة من كل عميل وخائن ومرتزق لـ"إسرائيل" وأمريكا، معتبرينهم "مهدوري الدماء" و"مقطوعين من الصحب والقرابة والقبيلة"، وأنه "لا حمى ولا جوار لهم"، في تأكيد على استراتيجية متكاملة تهدف إلى تطهير الجبهة الداخلية وتحصينها ضد أي اختراقات أو محاولات للتآمر.

وقد تضمنت المسيرات الرسائل المباشرة للعدو الصهيوني والأمة، حيث كانت الرسائل الصادرة عن هذه المسيرات قوية ومباشرة، موجهة للعدو الصهيوني والأمة الإسلامية على حد سواء. خاطبت البيانات العدو بالقول: "إن أفشل فكرة خطرت أو تخطر على بالك هو أنك ستتمكن من دفعنا للتراجع أو التوقف أو التنصل عن موقفنا الإنساني والإيماني والجهادي المساند لغزة مهما فعلت، ولك في الأمريكي وهزيمته درس وعبرة"، ومؤكدة أن "استهداف المرافق الخدمية المدنية والاقتصادية، يرسّخ قناعة الشعب اليمني بأن الصهاينة أقذر وأحقر عدو مجرم، ويستحق الردع". كما وجهت رسائل للأمة الإسلامية تحثها على "التحرك مع أحفاد الأنصار في ذلك كلٌّ بما يستطيع، فلا أحد منهم أقل قدرة وأسوأ حالاً من غزة التي تقاوم أعتى إمبراطوريات الشر مدعومة بلا حدود من أمريكا والغرب الكافر وصهاينة العالم، ولم تستسلم".

وتأكيداً منها على "واحدية الإسناد"، شددت المسيرات على أن التصعيد اليمني يأتي بالمواكبة مع كل تصعيد للعدو الصهيوني، وعلى كافة المستويات العسكرية والسياسية والجماهيرية. فالشعب يرى أن استهداف المرافق المدنية اليمنية يرسخ قناعة بأن الصهاينة "أقذر وأحقر عدو مجرم"، وأن العمليات اليمنية "مؤثرة ومؤلمة"، ما يعني أن أي تصعيد من جانب العدو سيقابله تصعيد مماثل وأشد من جانب اليمن.

عهد بالنصر القريب

في خضم هذه الملحمة البطولية، يبقى صوت اليمن صادحاً بالعهد الذي وجهه لأبناء غزة وفلسطين: "اصبروا وصابروا فأنتم تجاهدون في سبيل الله، ولن يضيع الله صبركم وجهادكم؛ بل سيمن عليكم بالنصر القريب بإذنه تعالى، ونحن معكم، ولن نترككم فجراحكم جراحنا، ودمكم دمنا، وأطفالكم أطفالنا، وبيوتكم بيوتنا، ونصركم المحتوم نصرنا، وما النصر إلا من عند الله".

وتجسيداً لإرادة شعبية صلبة، واستراتيجية وطنية ثابتة لا تقبل المساومة أو التراجع، أعلن اليمن بشعبه وقيادته وجيشه: "لا أمن للكيان، وغزة والأقصى ليست وحدها في الميدان". رسالة مدوية للعالم أجمع، بأن شرف الانتماء لهذه الأمة يقتضي الفعل، وأن الصمت ليس خياراً، وأن اليمن سيبقى شوكة في حلق الظالمين، حتى يتحقق النصر الموعود