نقلت صحيفة بيزنس إنسايدر الأمريكية عن القائد البحري كاميرون إنغرام، قائد المدمرة الأمريكية يو إس إس توماس هودنر، قوله إن الصراع مع القوات اليمنية في البحر الأحمر كان "أشبه بمعركة سكاكين داخل كشك هاتف"، في إشارة إلى ضيق الجغرافيا البحرية وفعالية الضربات اليمنية الدقيقة التي أربكت الأسطول الأمريكي وأرهقته.

وفي اعتراف صريح بفشل البحرية الأمريكية في التعامل مع تكتيكات الجيش اليمني، أشار إنغرام إلى أن "العمل بالقرب من الأراضي التي يسيطر عليها الحوثيون كان صعبًا للغاية"، مضيفًا أن الجغرافيا والتهديدات المستمرة خلقت بيئة قتالية شديدة التعقيد فاقت توقعاتهم.

وأوضحت الصحيفة أن البحرية الأمريكية استخدمت هذا الصراع كفرصة لاختبار منظوماتها الدفاعية، خاصة نظام "إيجيس" القتالي، وسط إنفاق مفرط لصواريخ بملايين الدولارات لاعتراض طائرات مسيّرة لا تتجاوز قيمتها آلاف الدولارات، ما أدى إلى استنزاف المخزون الأمريكي من الذخائر الحرجة.

وأقرّت الصحيفة أن المواجهة مع اليمن وضعت البحرية الأمريكية تحت ضغط غير مسبوق، حيث خاضت السفن الأمريكية اشتباكات جوية متواصلة مع مئات الصواريخ والطائرات المسيّرة اليمنية منذ أكتوبر 2023، ما أثقل كاهل أطقم السفن واستنزف قدراتها اللوجستية.

وفي مقارنة لافتة، حذر القائد الأمريكي من أن أي مواجهة مقبلة مع الصين ستكون "أكثر تعقيدًا"، نظرًا لقدرات بكين التقنية العالية ومنظومتها الاستخباراتية المتطورة، مشيرًا إلى أن البحرية ستخوض حينها معركة "على مدى أبعد، وباستخدام صواريخ أدق، وفي بيئة أكثر تحديًا".

التقرير أوضح أن القوات الأمريكية لم تكن مستعدة لقتال طويل بهذا المستوى، خصوصًا وأن المعركة البحرية، بحسب وصفه، استنزفت الذخائر الحيوية، وأجبرت بعض السفن على الانسحاب لإعادة التزود بالصواريخ من موانئ بعيدة، وهو ما تراه البحرية الأمريكية خطرًا قاتلًا في أي مواجهة محتملة مع قوة بحجم الصين. كما أشار التقرير إلى أن خمس حاملات طائرات شاركت في هذه العمليات، وأن المعركة اختبرت للمرة الأولى فعالية النظام القتالي إيجيس، الذي يعتمد على الحوسبة والرادار لتتبع واعتراض التهديدات الجوية.

كما كشف التقرير أن البحرية الأمريكية باتت تعتمد بشكل متزايد على المدافع التقليدية من عيار خمس بوصات لتوفير الصواريخ المتطورة للتهديدات الأهم، مشيرًا إلى أن خيار استخدام نيران أقل تكلفة بات أولوية ملحة للحفاظ على القدرة القتالية لأطول فترة ممكنة. وقال إنغرام إن بقاء السفينة في ميدان القتال دون استنزاف منظومة الأسلحة باهظة الثمن بات ضرورة عملياتية وليست خيارًا تكتيكيًا.

وتعليقًا على مسار الحرب، قال القائد الأمريكي إن الوضع في البحر الأحمر خلال الأشهر الثمانية عشر الماضية أعطى الجميع "الكثير ليفكر فيه"، موضحًا أن البيئة الميدانية أجبرت البحرية على إجراء تغييرات في سياسات إطلاق النار، وتعديل الحسابات المتعلقة بمخزون الذخيرة، وآليات إعادة التزود. كما لفت إلى أن البحرية بدأت اختبار قدرات إعادة التعبئة في البحر لتقليص الفجوة الزمنية الناتجة عن التوقف في الموانئ، خاصة في سيناريوهات المواجهة مع الصين.

بيزنس إنسايدر نقلت أيضًا أن المواجهة مع اليمن قدمت للبحرية الأمريكية أكبر تجربة حقيقية على أسلحة العدو في ظروف اشتباك حي، وأظهرت حجم التحدي العملياتي في ظل بيئة صراع غير متكافئة، حيث ينجح "عدو فقير" في استنزاف قوة بحرية كبرى تستخدم أحدث ما أنتجته الصناعات العسكرية الأمريكية.

 التقرير أقرّ بأن معركة البحر الأحمر شكلت ضغطًا على البنية القتالية للولايات المتحدة، وأعادت ترتيب أولويات سلاسل الإمداد، ودفعت نحو تطوير وسائل اعتراض أقل كلفة وأكثر مرونة.

وختم التقرير بتأكيد لافت على لسان إنغرام بأن التجربة اليمنية غيّرت نظرة المخططين العسكريين الأمريكيين لطبيعة الصراعات القادمة، وأن المعركة ضد اليمن كما ليست مجرد تفصيل عابر في خارطة المواجهة، بل محطة مركزية تعلّمت منها واشنطن الكثير مما ستأخذه في الاعتبار عند مواجهة خصوم أكبر، وفي مقدمتهم الصين.

 

وتعكس هذه التصريحات – بحسب مراقبين – حجم الانكشاف الاستراتيجي الأمريكي في البحر الأحمر، حيث لم تستطع قوة بحرية عملاقة كالولايات المتحدة ان تحتوي تهديدات الجيش اليمني ما يشير إلى أن واشنطن تواجه مأزقًا عسكريًا حقيقيًا في المنطقة رغم كل ما تمتلكه من ترسانة عسكرية متطور