شهدت الأسواق المالية الأمريكية في الآونة الأخيرة تحولات دراماتيكية، لم تعد فيها السندات الأمريكية، التي طالما كانت ملاذًا آمنًا للمستثمرين، بمنأى عن رياح التغيير العاتية. ففي ظل سياسات تفتقر إلى الاستقرار وتزايد الدين العام، تُعاني المنظومة المالية للعدو الأمريكي من ضغوط متزايدة، ما يُثير قلقًا عالميًا حول مستقبل الاقتصاد الأمريكي وتداعيات ذلك على الساحة الدولية.
تُشير التقارير الصادرة عن وزارة الخزانة الأمريكية إلى أن الدين العام للعدو الأمريكي قد تجاوز 36.22 تريليون دولار، وهو ما يفرض تحديًا كبيرًا يتمثل في الحاجة إلى إعادة تمويل ديون مستحقة بقيمة 11 تريليون دولار خلال الاثني عشر شهرًا المقبلة، أي ما يُقارب ثلث الدين العام. هذا الواقع، كما يُشير التقرير، يأتي في ظل تقلبات حادة في أسواق السندات وارتفاع مستمر في عوائدها.
لقد بدأت بوادر هذه المعاناة تتجلى بوضوح، فوفقًا لمعلومات سابقة، انخفضت حيازات البنوك المركزية من سندات الخزانة الأمريكية بمقدار 17 مليار دولار في أحد الأسابيع، و48 مليار دولار منذ أواخر مارس 2025. وتؤكد هذه المعطيات حالة الضعف التي أظهرها مزاد سندات الخزانة الأمريكية لأجل 20 عامًا بقيمة 16 مليار دولار، الذي شهد طلبًا ضعيفًا رغم عائد قدره 5%، ما يعكس تراجع المستثمرين الأجانب عن شراء السندات الأمريكية.
يُعزى هذا التراجع أيضًا إلى انخفاض قيمة مؤشر الدولار أمام سلة من العملات الرئيسية، وارتفاع الدين الأمريكي إلى نحو 37 تريليون دولار، ما يُشكل ضغوطًا تصاعدية على أسعار الفائدة على السندات الأمريكية. وفي سياق متصل، تُظهر بعض الاستثناءات -مثل السعودية التي رفعت حيازتها من سندات الخزانة الأمريكية إلى 2.2 مليار دولار في أبريل 2025- أن هناك بعض اللاعبين ما زالوا يحتفظون بهذه السندات، وإن كان هذا لا يُغير من الصورة العامة للتراجع.
بلغ حجم سوق السندات الأمريكية 8.5 تريليونات دولار، وهو يمثل 23.5% تقريبًا من إجمالي الدين الأمريكي. ومن بين أهم 10 حاملين للسندات الأمريكية في العالم، ووفقًا لبيانات وزارة الخزانة الأمريكية، تأتي اليابان والصين والمملكة المتحدة في الصدارة. أما على الصعيد العربي، ووفقًا لوزارة الخزانة الأمريكية ووكالة رويترز، تتربع السعودية وبعدها الإمارات ثم الكويت على قائمة أكبر مالكي السندات الأمريكية.
يُشار إلى أن على الولايات المتحدة إعادة تمويل سندات بـ 8 تريليونات دولار وطرحها في السوق قبل نهاية 2025، كما يجب عليها إصدار سندات جديدة بـ تريليوني دولار لتمويل عجز الموازنة قبل نهاية 2025. ووفقًا للمعلومات المتاحة، بلغت قيمة الدين العام الأمريكي 36.2 تريليون دولار بنهاية فبراير 2025، وارتفع الدين الأمريكي بنسبة 85.5% خلال آخر 10 سنوات تقريبًا.
لطالما كانت سندات الخزانة الأمريكية بمثابة الركيزة الأساسية للاقتصاد الأمريكي، فهي:
● مصدر تمويل العجز الحكومي: تُصدر الحكومة الأمريكية هذه السندات لتمويل العجز في الموازنة الفيدرالية، وتعتمد عليها بشكل كبير لتمويل برامجها الحيوية مثل الدفاع والرعاية الصحية والبنية التحتية.
● مركز قوة الدولار وهيمنته: الطلب القوي على السندات الأمريكية كان يُعزز قيمة الدولار، ما يُسهم في الحفاظ على مكانته كعملة احتياط عالمية ويُعزز هيمنته على النظام المالي.
● رافد مهم للاقتصاد الأمريكي: يُعد سوق السندات الأمريكية من أكبر الأسواق المالية عالميًا، بقيمة تقدر بـ 29 تريليون دولار، ما يجعله أداة لجذب الاستثمارات الأجنبية.
لكن الصورة اليوم ليست كالسابق، فالمشهد في الكيان الأمريكي يُنذر بأزمة دين داخلي أكثر تعقيدًا. فبعد أن كانت السندات الأمريكية مرادفًا للأمان والاستقرار، تغير هذا المشهد بصورة لافتة، مدفوعة بقرارات سياسية مثيرة للجدل، ومؤشرات اقتصادية متضاربة، ما أدى إلى تآكل الثقة في هذا "الملاذ الآمن".
تتضافر عدة عوامل لرفع عوائد السندات الأمريكية، ما يُشكل ضغطًا متزايدًا على اقتصاد العدو:
● التعريفات الجمركية.. بداية الشرارة: أشار الكاتب مصطفى فهمي، في تحليل نُشر بتاريخ 16 أبريل 2025 (وآخر تحديث في 1 يونيو 2025)، إلى أن إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن فرض تعريفات جمركية جديدة شكّل نقطة تحول حاسمة في السوق، إذ اعتبره المستثمرون إشارة واضحة على التوجه نحو الانغلاق الاقتصادي، ما يُنذر بارتفاع التكاليف وتسارع وتيرة التضخم.
● استهداف ركائز الاستقرار: منذ تولي إدارة ترامب الحكم، شهدت السياسة الأمريكية تغييرات جذرية، خاصة على المستويين الاقتصادي والدولي، حيث تم التراجع عن عدد من الثوابت التي كانت الركائز الأساسية في تطور الأمريكي وتوسعه عالميًا، مثل حرية التجارة، واحترام الاتفاقيات الدولية، وجذب الكفاءات، وتعزيز التعاون مع الحلفاء التقليديين. هذا التحول المفاجئ أثار قلقًا واسعًا في الأوساط الاستثمارية، وأضعف الثقة في استمرارية السياسات الأمريكية.
● التضخم يطرق أبواب الاقتصاد: كل زيادة في التعريفات الجمركية تؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع، ما يرفع تكاليف المعيشة. هذا التزايد يضغط على المستهلكين والمستثمرين، ويدفع المستثمرين في السندات للمطالبة بعوائد أعلى لتعويض خسارة القوة الشرائية بسبب التضخم.
● رفع الفائدة والتأثير على السندات: عندما يرتفع التضخم، يتوقع السوق أن يتخذ الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي خطوة لرفع أسعار الفائدة بهدف احتواء هذا التضخم. ومع زيادة الفائدة، تصبح السندات القديمة بعوائد منخفضة أقل جاذبية، ما يؤدي إلى انخفاض أسعارها في السوق وزيادة العوائد على السندات الجديدة والقديمة.
● ركود يلوح في الأفق: ارتفاع الأسعار، وتراجع القوة الشرائية، وزيادة معدلات الفائدة، كلها مؤشرات تهدد بحدوث ركود اقتصادي محتمل. هذا التهديد يعزز المخاطر على السندات الأمريكية، ما يدفع المستثمرين للمطالبة بعوائد أعلى، ويؤدي أيضًا إلى رفع تكلفة الاقتراض وزيادة الضغط على الاقتصاد الأمريكي.
● فقدان الثقة في قرارات الإدارة الأمريكية: فقد المستثمرون الثقة في استقرار السياسات الأمريكية تحت إدارة الرئيس ترامب، حيث أصبح التغيير المفاجئ هو القاعدة. هذا الشعور بعدم اليقين دفع العديد منهم إلى الخروج من سوق السندات، بل ومن الأصول الأمريكية، بحثًا عن أسواق أكثر استقرارًا وأقل تقلبًا.
● بيع جماعي وتسييل للأصول الأمريكية: شهدت الأسواق الأمريكية حالة من البيع الجماعي لم تقتصر على الأسهم فقط، بل امتدت لتشمل السندات والدولار. وفي مفارقة مقلقة، ترتفع العوائد والدولار يتراجع، ما يعني أن المستثمرين لم يعودوا يثقون في السندات أو حتى في العملة الأمريكية نفسها، ما يُشير إلى هروب من خطر يلوح في الأفق.
● ارتفاع التقلبات، والسندات تدفع الثمن: تسببت التقلبات الكبيرة في الأسواق وحالة عدم اليقين في تحول ملحوظ في تقييم المستثمرين للاقتصاد الأمريكي، حيث أصبحوا يطالبون بعوائد مرتفعة على السندات الأمريكية لتعويض المخاطر المتزايدة. لكن هذا الارتفاع في العوائد يفرض ضغطًا كبيرًا على الموازنة الأمريكية، حاليًا ومستقبلًا.
إن استمرار ارتفاع عوائد السندات الأمريكية لا يُعد مكسبًا للمستثمرين، بل يُمثّل عبئًا ماليًا متزايدًا على الحكومة الأمريكية. فكل نقطة ارتفاع في العوائد تُترجم إلى مليارات الدولارات الإضافية التي تُدفع كفوائد على الدين العام، الذي تجاوز 36.2 تريليون دولار حتى فبراير 2025.
تدفع الولايات المتحدة اليوم أكثر من تريليون دولار سنويًا كفوائد على ديونها، مع تسجيل زيادة سنوية تُقدر بـ 240 مليار دولار. وإذا استمر هذا الاتجاه دون كبح، فإن النتيجة المتوقعة ستؤدي إلى:
● ضغط هائل على الميزانية الفيدرالية، ما سيجبر الحكومة على تقليص الإنفاق في قطاعات أساسية مثل التعليم، الرعاية الصحية، الدفاع، والضمان الاجتماعي.
● تهديد الاستقرار المالي الداخلي، فقد تزيد احتمالات إغلاق حكومي مطوّل نتيجة عجز في تمرير الموازنات، كما حدث في أزمات 2011 و2013.
● خفض محتمل للتصنيف الائتماني، فقد تعيد مؤسسات التصنيف النظر في الجدارة الائتمانية للولايات المتحدة، ما يرفع تكلفة الاقتراض أكثر.
● تأثير مباشر على أفراد المجتمع الأمريكي؛ إذ أن ارتفاع العوائد يُترجم إلى ارتفاع في أسعار الخدمات التي تقدمها الدولة، وارتفاع أسعار الفائدة على القروض العقارية، وتمويل السيارات، وحتى البطاقات الائتمانية، ما يُضعف القدرة الشرائية لأفراد المجتمع.
إن أزمة السندات الأمريكية لا تقتصر تداعياتها على الداخل الأمريكي، بل تمتد لتُهدد الاستقرار الاقتصادي العالمي:
● خسائر لحملة السندات من الدول والمستثمرين: عند انخفاض قيمة السندات الأمريكية نتيجة اضطرابات السوق، فإن الدول والمستثمرين سيتكبدون خسائر، خاصة مع تراجع ثقة الأسواق في الاقتصاد الأمريكي. فكثير من الدول تحتفظ بجزء كبير من احتياطاتها الأجنبية في شكل سندات خزانة أمريكية، وعندما ترتفع عوائد السندات الأمريكية، فإن أسعار السندات القائمة تنخفض، ما يؤدي إلى خسارة في القيمة السوقية لأصول الاحتياطي الأجنبي.
● أزمة سيولة في الأسواق الناشئة: اندفاع المستثمرين نحو العوائد الأمريكية المرتفعة يُفجر أزمة سيولة في الأسواق الناشئة، ما يرفع تكاليف الاقتراض، ويجمد المشاريع التنموية، ويزيد من خطر التعثر المالي والاضطرابات الاقتصادية في هذه الدول.
● تقلبات في أسعار العملات بشكل يسبب ضررًا للعديد من الدول: تُؤثر هذه التقلبات على الاستقرار المالي للدول التي تعتمد على الدولار في تجارتها واحتياطاتها.
● تسارع انتشار العدوى الاقتصادية: إذا انهارت ثقة المستثمرين في قدرة الولايات المتحدة على التعامل مع ديونها، فإن الأسواق العالمية ستعاني من سحب سريع للأموال، وتراجعات حادة في الأسواق المالية، وستواجه مؤسسات مالية أخطارًا كبيرة نتيجة انكشافها على السندات الأمريكية.
تشهد الساحة الاقتصادية في الولايات المتحدة حاليًا مرحلة حرجة تتسم بالشكوك والتقلبات غير المسبوقة. فبينما يواصل الرئيس الأمريكي إطلاق وعوده بجذب تريليونات الدولارات من الاستثمارات الخارجية، تكشف أحدث البيانات الرسمية عن حقائق مغايرة تمامًا. فوفقًا لتحليلات وتقارير صدرت مؤخرًا عن صحف عالمية مثل "الفاينانشال تايمز" ووكالات الأنباء، يعيش الاقتصاد في الولايات المتحدة على وقع ثلاثة توجهات رئيسة تُثير القلق:
● هروب رؤوس الأموال من السندات الأمريكية طويلة الأجل: في الربع الثاني من عام 2025، شهدت صناديق السندات الأمريكية طويلة الأجل هروبًا لرؤوس الأموال بقيمة 11 مليار دولار، وهو "أكبر عملية هروب منذ جائحة كوفيد-19". تُعزى هذه المخاوف بشكل أساسي إلى تزايد عدم الثقة في قدرة الاقتصاد في الولايات المتحدة على السيطرة على دينه العام، خاصة مع احتمالية الموافقة على حزمة السياسات الضريبية التي طرحها الرئيس الأمريكي.
● الدولار في أدنى مستوياته منذ ثلاث سنوات: في الخامس والعشرين من يونيو، هبط الدولار الأمريكي إلى أدنى مستوياته منذ ثلاث سنوات. يُعد هذا التراجع أحد أبرز المؤشرات على مشاكل الاقتصاد في الولايات المتحدة. ومن أبرز الأسباب التي تُغذي هذا الانخفاض، الصراع المستمر بين الرئيس الأمريكي ورئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي.
● تراجع الاستثمار الأجنبي المباشر: على الرغم من جولات الرئيس الأمريكي المكثفة في الشرق الأوسط، ووعوده بجذب "تريليونات الدولارات" من الاستثمارات، إلا أن البيانات الرسمية تُشير إلى صورة مغايرة تمامًا. ففي الربع الأول من عام 2025، بلغ حجم الاستثمار الأجنبي المباشر في الولايات المتحدة 52 مليار دولار فقط، وهو "أدنى مستوى منذ أواخر عام 2022".
لم تعد تحركات سوق السندات الأمريكية تُفسَّر فقط عبر المؤشرات الاقتصادية التقليدية، بل أصبحت رهينة مباشرة لقرارات البيت الأبيض وتوجهات الإدارة الأمريكية في ملفات شائكة كالتجارة، الضرائب، الدين العام، والسياسة الدولية، بالإضافة إلى ردود أفعال الدول على السياسات الأمريكية. هذا المشهد يُنذر بأزمة دين داخلي أكثر تعقيدًا من سابقاتها، مع احتمالات واقعية لإغلاق حكومي مطوّل كما حدث في أزمات 2011 و2013، لكن في ظرف أكثر هشاشة.
وما لم تقم الإدارة الأمريكية بتغيير توجهاتها الاقتصادية والتجارية والسياسية، فستواجه خسائر وتكاليف جسيمة، ولن تكون ارتدادات هذه الأزمة محصورة في نطاق الاقتصاد الأمريكي فقط، بل ستطال الاقتصاد العالمي الذي دخل مرحلة الخوف والضبابية.
تشهد الأسواق المالية العالمية تحولاً لافتاً، تترجمه التراجعات الحادة في سندات الخزانة الأمريكية، ما يثير تساؤلات جدية حول مستقبل الدولار ومكانته كملاذ آمن. ففي تطور لافت، قفزت عوائد سندات الخزانة لأجل عشر سنوات بنحو 13% خلال أسبوع واحد، لتتجاوز مستويات الـ 4.5%، وهو ما وصفه خبراء الاقتصاد بأنه "قفزة غير طبيعية على الإطلاق". هذا الارتفاع يشير، وفقاً للمحللين، إلى عمليات بيع مكثف للسندات الأمريكية، وتحول نحو أصول آمنة أخرى كالذهب، الذي عاد ليحتل مكانة بارزة كملاذ استثماري.
يعكس هذا التحول تفضيلاً متزايداً للذهب على سندات الخزانة الأمريكية، ما يمثل نقطة تحول مهمة في الأسواق العالمية. يشير الاقتصادي الأمريكي "أندريا ليس" في مقال له نُشر على منصة "إكس"، إلى أن البنوك المركزية في الأسواق الناشئة، والصين تحديداً، أضافت 200 طن إلى احتياطاتها من الذهب خلال عام 2024 وحده، ما يؤكد هذا الاتجاه. ويعزو "ليس" هذا التفضيل إلى استخدام الدولار كـ"سلاح في النزاعات الجيوسياسية" عبر العقوبات وتجميد الأصول المستندة إليه، كما حدث مع روسيا ودول أخرى.
بعيداً عن الأسباب السياسية والحرب التجارية، يبرز تحذير آخر من الاقتصادي العالمي الشهير ري داليو، صاحب نظرية "دورة الديون الكبرى". يرى "داليو"، في منشور له على منصة "إكس"، أن ما يجري اليوم لا يتعلق بالتعريفات الجمركية فحسب، بل هو "انهيار كلاسيكي للنظام النقدي والسياسي والجيوسياسي العالمي". هذا النوع من الانهيارات، بحسب "داليو"، يحدث مرة واحدة تقريباً في عمر الإنسان، في إشارة إلى دورات كبرى تحدث كل 70 عاماً تقريباً، وتتكرر كلما توفرت ظروف غير مستقرة مشابهة لما نراه اليوم.
يشرح "داليو" في كتابه الشهير "الدورات الكبرى" (Big Debt Crises)، أن الناتج الاقتصادي يعتمد على الإنفاق، والإنفاق يتم إما نقداً أو بالدين. ويستمر الدين في التضخم بالاقتصاد ككل، سواء دين الدولة أو الأفراد أو الشركات، حتى يصل إلى نقطة "الانفجار" في هذه الدورة الكبرى. يحدث هذا الانفجار عندما تصبح خدمة الدين أكبر من القدرة على خدمته، ما يؤدي إلى عملية "تخفيض الديون" (Deleveraging) بشكل صعب جداً، ويؤثر على مستويات الدخل والإنفاق.
يبقى السؤال مطروحاً: هل وصلت الولايات المتحدة فعلاً إلى هذه النقطة الخطرة؟ تشير الأرقام إلى ذلك؛ فقد شهد الدين العام الأمريكي ارتفاعاً صاروخياً خلال السنوات الخمس الماضية، مدفوعاً بالإنفاق الحكومي الضخم، خاصة بعد أزمة كورونا والسياسات التحفيزية. ارتفع حجم سوق الدين الأمريكي من حوالي 27 تريليون دولار في عام 2020 إلى أكثر من 36 تريليون دولار حالياً، بعد أن تجاوز الـ 30 تريليون والـ 31 تريليون في السنوات الماضية. ووصل الدين العام إلى ما يقارب 100% من حجم الاقتصاد الأمريكي العام الماضي، مع توقعات بأن يصل إلى 125% بحلول عام 2034 إذا لم تتخذ إجراءات تصحيحية جذرية لخفض عجز الموازنة الفيدرالية.
مع ارتفاع الدين، ترتفع تكاليف خدمته في الولايات المتحدة. قفزت هذه التكاليف من حوالي 520 مليار دولار في عام 2020 إلى 890 مليار دولار في عام 2024، ما يتخطى ربما الإنفاق العسكري الأمريكي وفقاً لتقديرات مكتب الميزانية في الكونغرس. ويُتوقع أن ترتفع تكلفة خدمة الدين إلى أكثر من 1.2 تريليون دولار سنوياً بحلول عام 2030 إذا لم تتخذ إجراءات تصحيحية.