في ظل تفاقم الانفلات الأمني وانهيار الخدمات الأساسية، إلى جانب روائح "فساد حكومة الفنادق"، شهدت الأيام الماضية تطورات هامة، عكست بوضوح عمق الأزمة التي تعصف بالمحافظات الجنوبية الشرقية المحتلة. في الأول من يوليو، استهدف تفجير خط أنابيب الغاز الرئيسي في شبوة، ما أدى إلى قطع إمدادات الوقود والكهرباء عن ثلاث محافظات يمنية، لتتبعها ضربة أخرى في الرابع من يوليو، حين استُهدف مستودع غذائي حيوي في المكلا، مما أسفر عن تدمير 40% من المواد التموينية المخصصة للأسبوع الجاري، وفقاً لتقارير محلية. هذه الأحداث لم تمثل فقط خسائر مادية، بل وجهت ضربة قاصمة لشريان الحياة في تلك المحافظات.
لم تتوقف الأزمة عند هذا الحد، فالعملة المحلية شهدت انهياراً غير مسبوق، حيث ارتفع سعر الدولار مقابل الريال اليمني في المناطق المحتلة ليصل إلى 2,754 ريالاً للدولار الواحد. ويعزو مراقبون اقتصاديون.
وفي سياق متصل، تفاقمت أزمة الوقود لتصل إلى مستويات غير مسبوقة، حيث قفز سعر لتر البنزين إلى 12,000 ريال، مقارنة بـ 8,000 ريال قبل أسبوع واحد فقط. هذا الارتفاع الجنوني أدى إلى تعطيل 70% من حركة النقل العام، وأضاف عبئاً جديداً على كاهل المواطنين. وجاءت صدمة الفضيحة حين كشفت وثائق مسربة في الخامس من يوليو عن بيع كميات هائلة من الوقود المدعوم للميليشيات، في إشارة واضحة إلى عمق الفساد الذي ينخر في جسد هذه المحافظات.
إلى جانب ذلك، تفاقمت أزمة الكهرباء في عدن بشكل حاد، حيث وصل انقطاع التيار إلى أكثر من 20 ساعة يومياً، مقابل أقل من 4 ساعات تشغيل، وهو ما دفع العديد من المواطنين إلى استئجار غرف في فنادق صغيرة للبحث عن ملاذ من الحرارة تحت المكيفات، بكلفة تتجاوز رواتبهم الشهرية بأضعاف، وفقاً لشهادات محلية. وقد وصفت الأمم المتحدة انهيار البنية التحتية للكهرباء في عدن المحتلة بأنه "حالة طوارئ يومية"، لا سيما للنساء.
وأشارت المنظمة إلى أن انقطاعات الكهرباء، بالتزامن مع ارتفاع درجات الحرارة الناجمة عن تغير المناخ والتي تتجاوز 40 درجة مئوية، لا تُعطل الخدمات الأساسية فحسب، بل تُفاقم أيضاً العنف القائم على النوع الاجتماعي وتُعمّق أوجه عدم المساواة القائمة. ووفقاً للأمم المتحدة، فقد حوّلت أزمة الكهرباء المتفاقمة المهام الروتينية إلى مخاطر صحية، وجعلت الحصول على خدمات الحماية شبه مستحيل، ومع حلول شهر يونيو الماضي، كانت شبكة كهرباء عدن تُوفر أقل من أربع ساعات من الكهرباء يومياً، حيث تعاني 85% من الأحياء من انقطاعات تتراوح بين 18 و20 ساعة.
وفي مدينة تعز المحتلة، تتواصل أزمة المياه الخانقة، تزامناً مع تأخر موسم الأمطار والانهيار الحكومي في المناطق الخاضعة لمليشيات العدوان. وقد وصل سعر دبة المياه (20 لتراً) إلى أكثر من 1000 ريال يمني، وفق معلومات عن مصادر محلية.
وفي أبين، شهدت المنطقة احتجاجات لأهالي وأقارب المرتزقة المحتجزين في منطقة نجران بالسعودية. وقد قام المحتجون بقطع الخط الدولي، مستهدفين شاحنات ومقطورات الغاز والوقود المتجهة إلى عدن المحتلة، وذلك للمطالبة بالإفراج عن أبنائهم المحتجزين من قِبل قيادة "محور كتاف"، ملوّحين بالتصعيد في حال استمرار التجاهل لمطالبهم، في تصعيد يعكس تنامي السخط الشعبي.
تُظهر الأرقام الحالية تدهوراً مطرداً في المؤشرات المعيشية الأساسية في المناطق المحتلة، لتؤكد أن الأزمة وصلت إلى حد الكارثة الإنسانية. فأسعار المواد الأساسية كالدقيق والسكر والزيت، شهدت ارتفاعاً صارخاً بنسبة 40%، بزيادة 18% عن يونيو 2025. وتأتي أزمة الكهرباء لتزيد الطين بلة، حيث لا يتجاوز توفر التيار ساعتين يومياً في بعض المحافظات، بانخفاض قدره 4 ساعات عن الأسبوع قبل الأخير من يونيو الماضي، مما يعكس شللاً شبه كامل في الحياة اليومية. ولا يقف الأمر عند هذا الحد، فنقص الدواء بات كارثة حقيقية، حيث أصبح 85% من الأدوية الأساسية نادرة، في تدهور نسبته 15% عما كان عليه الوضع. الأرقام تعكس صورة حية للمعاناة اليومية التي يعيشها أبناء المحافظات الجنوبية الشرقية المحتلة، وترسم بوضوح قسوة الواقع وتحدياته.
يُعد الفساد المستشري أحد أهم الأسباب الجذرية وراء هذا التدهور، حيث أصبحت "صفقات الفساد" حديث الشارع. في الثالث من يوليو، سربت عقود تشير إلى بيع 30% من إيرادات ميناء نيستوم في المكلا لجهات خارجية، في صفقة أثارت استياءً واسعاً. ولم تكن هذه هي الفضيحة الوحيدة، فقد كشفت تقارير صادرة عن مراقبين محليين في الخامس من يوليو عن تحويل شحنة قمح مقدمة من برنامج الأغذية العالمي، تقدر بخمسة آلاف طن، إلى السوق السوداء بدلاً من توزيعها على المستحقين. وزاد الطين بلة الكشف عن بيانات توظيف تشير إلى وجود 4,200 شخص وهمي في سجلات الموازنة، ما يعكس حجم الهدر المالي ونهب المال العام في المناطق المحتلة.
شهدت الخدمات الصحية انهياراً تاماً، مع إغلاق مستشفيات رئيسية في سيئون والمكلا بسبب انعدام الوقود، مما فاقم الأزمة الصحية، وساهم في انتشار أمراض مثل الكوليرا، حيث سجلت 40 حالة وفاة مؤكدة في ثلاث مخيمات للنزوح، وفقاً لبيانات محلية موثقة. ولم يسلم قطاع التعليم من هذا الانهيار، فقد تم تحويل ثلاثين مدرسة إلى ثكنات عسكرية، مما يحرم آلاف الأطفال من حقهم في التعليم.
يتوقع خبراء اقتصاديون، وفقاً لتقارير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، أن تتفاقم الأزمة لتتحول إلى كارثة إنسانية شاملة إذا استمر تدهور العملة، مع توقعات بوصول سعر الدولار إلى مستويات أعلى بكثير بحلول نهاية يوليو. كما يُخشى من انقطاع كلي للكهرباء عن معظم المناطق، بما في ذلك نفاد وقود مولدات المستشفيات خلال 10 أيام، مما سينذر بكارثة صحية أكبر. وفي ظل هذا الوضع المتدهور، تتزايد الدعوات الشعبية للتظاهر، حيث أشارت نداءات موثقة إلى توقعات بخروج احتجاجات شعبية حاشدة بعد صلاة الجمعة القادمة، الحادي عشر من يوليو.