موقع أنصار الله . تقرير | يحيى الشامي
يعجز كيان العدو الإسرائيلي عن تحقيق أهدافه، وهو أمر مسلم به بشهادات كبار ضباطه وقادته، كل ما يحققونه يومياً مزيد من المجازر والمذابح بحق أهالي غزة وسكانها، في واحدة من أكبر المذابح التي شهدتها الحروب البشرية، لكن وجهاً آخر لهذه الحرب لا يظهر للعلن ولا يشاء العدو الإسرائيلي أن يدري به مجتمعه الغاصب، يتعلق بتداعيات هذه الحرب وآثارها الكارثية على جنوده، وهو ما أظهرت جانباً منه صحيفة "هآرتس" العبرية في سياق حربها مع نتنياهو وزمرته.
الصحيفة أجرت مقابلات مع عدد من أفراد عصابة جيش العدو المقاتلين في غزة لتفضح واقعًا مخفيًا عن الحرب التي تُعدُ الأطول في تاريخ الكيان. الجنود أسهبوا في وصف وضعهم النفسي والبدني، وتحدثوا عن إرهاق بدني ونفسي شديد، وانهيار معنويات، وشكوك حول جدوى الحرب وحقيقة أهدافها المستعصية على التحقق، وفيما يلي أبرز التفاصيل من المقابلات الكاملة مع الجنود والضباط الذين وافقوا على التحدث للصحيفة، مشترطين إخفاء هوياتهم الحقيقية، واستعارت الصحيفة لكل واحد منهم اسماً وهمياً:
يوناتان (21 عامًا) - لواء كفير
يقول يوناتان:
"بعد تخرّجنا في المدرسة الثانوية، أُرسلنا مباشرة إلى غزة، لم نكن مستعدين لما سنواجهه. في أحد الأيام، كنا متمركزين بالقرب من منزل في مخيم جباليا، واقتربت كلاب كانت تنبح بلا توقف، نائب القائد غضب وأطلق النار عليها واحدا تلو الآخر، ثم قال لنا: 'هذه كلاب الإرهابيين، ربما تكون مسعورة'. في اليوم التالي، أمرتنا القيادة بتطهير المنزل. عند دخولي، وقع انفجار قوي قذفني في الهواء، وشعرت أن الدم يملأ فمي، ظننت أنني جُرحت، لكنني اكتشفت لاحقًا أن الدم كان لصديقي المقرب الذي قُتل على الفور. لم أستطع النوم أو الأكل بعدها. في ليلة أخرى، طُلب منّي حراسة المعدات في الثانية صباحًا. بينما كنت أقف هناك، شعرت بضيق في التنفس، وهرعت لأغسل وجهي، عندما عرف الضابط، أخبرني أنني سأُحاكم أمام لجنة تأديب، والتي حكمت عليّ بالحبس 28 يومًا، لا أعرف كيف نستمر في هذا الجحيم" .
"أومير" (21 عامًا) - لواء "غفعاتي"
يقول "أومير" بمرارة:
"من الصعب تصديق أن هذه الحرب مستمرة منذ 20 شهرًا فقط، أشعر وكأنها 10 سنوات، بعد 7 أكتوبر 2023، كنا متحمسين للذهاب إلى غزة، لكن هذا الشعور كان غبيًا، نسيت كم عدد الأشخاص الذين أعرفهم ممن قُتلوا – من كتيبتي، ولوائي، ومدرستي، وجيراني في الحي. لا أقوى على سماع خبر مقتل شخص آخر، هذا يحطمني، الناس يعتقدون أن الجنود يموتون في المعارك، لكن الحقيقة أن الكثيرين ماتوا بسبب إهمال الضباط أو نقص الذخائر. وسائل الإعلام تقول إن جنديًا مات بسبب عبوة ناسفة، لكن لا أحد يسأل لماذا أُرسلنا إلى مبنى دون تفكيك مفخخاته؟ كم عدد الأصدقاء الذين يجب أن أدفنهم قبل أن يستيقظ الناس؟" .
"يائير" (21 عامًا) - وحدة استطلاع "ناحال "
يروي "يائير "كمينًا تعرضوا له في بيت لاهيا:
"كنا 10 جنود نائمين في الساعة الثانية صباحًا، واستيقظت فجأة مذعورًا، أيقظت الضابط، لكنه فقد أعصابه وبدأ يصرخ في الجميع كالمجنون، لم تكن هذه المرة الأولى التي يحدث فيها شيء كهذا، أي جندي خدم في غزة يعرف ذلك، لا تنام خلال النهار ثم تُرسل في مهمات ليلية – نحن ننهار، من الغريب أن نعترف بذلك، سلوكي أصبح متوترًا حتى مع عائلتي وصديقتي، في إجازة قصيرة، صرخت في وجهها دون سبب. شعري بدأ يتساقط من التوتر، الأمر يدمرني، إحدى فرقنا أُبيدت بالكامل، أنا على قيد الحياة، لكن لم أُصب بصاروخ أو عبوة ناسفة" .
"أوري" (22 عامًا) - وحدة "ياهالوم" للهندسة القتالية
يقول "أوري":
"في مرحلة ما، لم أعد أؤمن بما نقوم به، كنت أعتقد أننا نكتب جزءًا من التاريخ، وأننا نحمي المدنيين الإسرائيليين، وننقذ الأسرى، لكن شيئًا فشيئًا بدأت أشك في ذلك، بعد أن تسمع عن مقتل رهينة بسبب غارة جوية، وبعد أن تحضر جنازة صديق، يبدأ ذلك الشعور يتلاشى. لماذا تستمر هذه الحرب؟ يمكن لأي شخص بنصف عقل أن يرى أنها مستمرة لأسباب سياسية، لا يوجد سبب للاستمرار، نحن لا نحقق أي شيء.. نحن فقط نخاطر بحياتنا مرارًا وتكرارًا، لا يمكنني العودة إلى نفس المناطق التي مررنا بها ملايين المرات، والتحقيق في فتحة نفق أخرى، ودخول مبنى آخر قد يكون مفخخًا. متى ستفهمون أنه حان الوقت لإنهاء هذه الحرب؟ عندما يكون هناك 900 قتيل؟ ألف؟ رجاءً – توقفوا.. تكلموا.. احتجوا.. لا تدعوا كل هذا الموت يستمر".
رغم هذه الشهادات، وما سبقها من تقارير صادمة تتحدث عن اضطرابات ما بعد الحرب وعن تفشي الانتحار في أوساط الجنود والاضطرابات والأمراض النفسية، إلا أن قادة كيان العدو -بما فيهم مسؤولو المؤسسة العسكرية- يواصلون تجاهل أصوات "الجنود"، وبحسب تقارير إعلامية عبرية، فإن "جيش" العدو يختار الجنود الذين يتحدثون إلى الصحفيين المرافقين، ويُملي عليهم ما يجب أن يصرحوا به، ما يُنتج روايات مبتذلة تهدف لخلق صورة مغايرة لحقيقة ما عليه الأمر في غزة، بهدف الحفاظ على معنويات مرتفعة، بينما الواقع مختلف تمامًا.
يوم أمس انتحر الجندي الصهيوني في جيش العدو الاسرائيلي "دانيئل إدري"، بعدما أحرق نفسه داخل سيارة في أحراش قرب صفد بسبب معاناته من صدمة نفسية طويلة بعد مشاركته في الحرب بغزة ولبنان.
ونقلت وسائل إعلام تابعة للعدو عن عائلة الجندي الصهيوني المنتحر حديثه عن نقله جثث جنود جيش العدو عدة مرات ومشاهدته للفظائع حد تعبيره وكان خلال أيام يصاب بنوبات غضب شديدة، وفي بعض الأحيان كان يُحطم شقته، وتحدثت وسائل إعلام العدو عن ارتفاع عدد الجنود المنتحرين منذ بدء الحرب إلى 43 بسبب صدمات نفسية ناتجة عن القتال في غزة ولبنان.
وكانت صحيفة "يديعوت أحرونوت" قد أشارت إلى أن الإرهاق المتزايد ونقص القوى البشرية دفعا "الجيش" إلى تقليص مدة خدمة الجنود، في محاولة لاحتواء عزوف الشباب عن التطوع، خاصة بعد أن تجاوز عدد الجنود المصابين أو المعاقين 62 ألفًا.
وتُظهر شهادات جنود العدو والوقائع اليومية أن الحربَ على غزة تحولت إلى محرقة، ليس للفلسطينيين وحسب، بل وحتى لأفراد عصابات ما يسمى جيش العدو الإسرائيلي، الذي يعيش حالياً أضعف مرحلة من مراحله وينوء بحمل أثقال من المصابين بالأمراض النفسية والاضطرابات والتوترات العصبية، التي تؤثر حتى على الحياة اليومية، وتتحول إلى قنابل موقوتة داخل مجتمع كيان العدو، كما حذّر العديد من المحللين والجنود الصهاينة أنفسهم أن الاحتلال، الذي بدأ في عام 1948، لم يَعُد يُهدّد الفلسطينيين فحسب، بل يُقوّض حتى أسس الكيان الصهيوني نفسه.