عبدالله النعمي: السيادة تُنتزع عبر الفعل الميداني، والبحر الأحمر أصبح ميدان مقاومة مفتوح.
د. أحمد الزين: إغراق السفن "الإسرائيلية" هو دفاع مشروع ينبع من عقيدة دينية وقومية ترفض التواطؤ أو الحياد.

 

في عملية عسكرية نوعية أعادت تعريف خطوط الاشتباك الإقليمي، نفذت القوات المسلحة اليمنية مؤخرا عمليتين نوعيتين أغرقت خلالهما سفينتين ("ماجيك سيز" اليونانية و"Eternity C" الليبيرية) لارتباطهما بالكيان الصهيوني، واختراقهما قرار الحظر اليمني المعلن ضمن إطار العمليات العسكرية اليمنية المؤازرة لغزة.

هذا التصاعد المدروس في العمليات لم يكن مجرد رد فعل، بل جاء كخطوة محسوبة ضمن استراتيجية يمنية معلنة، تهدف إلى إسناد غزة والانتصار لمظلوميتها التاريخية، لتفرض العمليتان معادلة جديدة في الصراع مع العدو في البحر الأحمر، أحد أكثر الممرات المائية حيوية في العالم.

وبينما يزداد التوتر في المنطقة وتتصاعد مخاوف العدو الإسرائيلي وحلفائه من تكرار سيناريوهات الاستهداف، تؤكد القوات اليمنية أنها لن تتراجع عن قراراتها السيادية، معلنة بذلك دخول معركة البحر مرحلة اللاعودة، حيث الكلمة العليا لمن يملك القدرة على التنفيذ، لا التلويح فقط.

منذ اندلاع العدوان على غزة في أكتوبر 2023م، أعلنت اليمن دخولها رسيماً ضمن جبهات الإسناد العسكري لفلسطين، معلنة -ضمن خطواتها التصعيدية- حظرًا شاملًا على مرور السفن المرتبطة بالكيان الصهيوني أو المتجهة إليه عبر مضيق باب المندب والبحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربي مروراً بالمحيط الهندي ووصولاً للأبيض المتوسط.

وبناء على مشاهد الإعلام الحربي الموثقة لعمليتي إغراق سفينتي "ماجيك سيز" و"إيترنيتي سي"  في 9 يوليو الجاري، تؤكد المشاهد أن القوات البحرية  لم تقدم على الإغراق المباشر لتلكما السفينتين إلا بعد تجاهلهما النداءات التحذيرية  والضربات المنذرة، ليعقبها ضربات مباشرة أسفرت عن الإغراق الكامل للسفينتين.

ورغم المساعي الغربية والإسرائيلية والأوروبية في تشويه الموقف اليمني وخداع العالم بأن العمليات اليمنية تشكل خطرا على الملاحة الدولية في ممرها العالمي الذي يمر عبره 20% من التجارة العالمية، تظهر العمليات البحرية ضد الملاحة الإسرائيلية دقة عالية في امتلاك المعلومات القائمة على استخبارات دقيقة أدهشت العدو وأصابته في مقتل، وهو ما أسهم في القضاء على الدعاية التضليلية المتمثلة في ما قالوا عنه "تهديد الملاحة الدولية".

وفي المقابل، تُجمع معظم دول العالم – باستثناء تلك المتحالفة مع الكيان الصهيوني – على أن العمليات العسكرية التي تنفذها القوات اليمنية في البحر الأحمر لا تُشكّل تهديدًا للملاحة الدولية، وإنما تستهدف فقط السفن المرتبطة بالكيان الإسرائيلي، في إطار ممارسة الضغط المشروع لإجباره على وقف مجازره المستمرة بحق المدنيين في قطاع غزة.

ومع أن العمليات العسكرية اليمنية استهدفت خلال الفترة الماضية عشرات السفن التي انتهكت قرار الحظر البحري اليمني بشكل جزئي، غير أن الإغراق الكامل للسفينتين الأخيرتين يمثل تحولًا نوعيًا، ومنعطفًا استراتيجيًا يؤذن ببداية مرحلة جديدة من التصعيد في المواجهة مع العدو الإسرائيلي.

 

رسائل سياسية وعقائدية

في السياق يؤكد عضو المكتب السياسي لأنصار الله عبد الله النعمي أن إقدام اليمن على إغراق سفن كبرى في هذا الظرف الدولي الحساس يؤكد الشجاعة الاستثنائية التي تتمتع بها القوات المسلحة اليمنية، مؤكدا أن العلميات العسكرية اليمنية أسقطت الغطرسة الغربية بقيادة أمريكا وبريطانيا في المنطقة، ورسّخت اليمن معادلة الردع الإقليمي بشكل عملي ومباشر.

وفي حديثه لموقع أنصار الله يشير النعمي إلى أن اليمن وجه صفعة مدوية للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، وبرهن للعالم أن السيادة لا تُطلب، بل تُنتزع بالفعل الميداني، مبينا أن الغاية من الإغراق بعث رسائل تحذيرية لكل من تسول له نفسه تجاهل تحذيرات اليمن، في إشارة منه إلى أن البحر الأحمر أصبح ميدان مقاومة مفتوحًا.

ويلفت إلى أن لعمليتي الإغراق دلالات وأهمية كبرى، أبرزها التأكيد للعدو الإسرائيلي أن العمليات العسكرية اليمنية لن تتوقف، ولن تتخلى عن غزة مهما حدث، وأن أمن وسلامة الاحتلال الإسرائيلي مرهون بوقف العدوان على غزة ورفع الحصار.

عمليتا الإغراق لا تحمل رسائل سياسية وعسكرية وحسب، بل تحمل بعدا إنسانيا ودينيا إيضا، إذ إن الغاية من حظر الملاحة البحرية على الكيان إرغامه على وقف مجازر الإبادة الجماعية بحق آهالي غزة، كون ذلك موقفا إنسانيا ومبدئيا وإيمانيا لا يمكن التنازل عنه.

اليمن صوت الأمة الإسلامية

وحول هذا يرى الناشط والمحلل السياسي أحمد الزين أن العمليات العسكرية اليمنية ضد الكيان الصهيوني في البحر الأحمر وفي عمق العدو تعبير عملي عن الضمير الحي للأمة الإسلامية، لافتا إلى أن اليمن اليوم يمارس دورًا مشرفاً نيابةً عن المسلمين، نصرة لغزة التي تُذبح كل يوم، في ظل صمت عربي وإسلامي مريب.

وفي حديثه للموقع الرسمي لأنصار الله يعتبر الزين إغراق السفن الإسرائيلية المخترقة للحظر أنه دفاع مشروع وقرار شجاع ينبع من عقيدة دينية وقومية لا تقبل التواطؤ أو الحياد.

ويلفت إلى أن ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من إبادة جماعية على يد العدو الصهيوني يفرض على المجتمع الدولي والأطراف الفاعلة اتخاذ خطوات حقيقية لمعاقبة هذا الكيان، بما يردعه عن الاستمرار في جرائمه الوحشية بحق المدنيين في قطاع غزة، ومن بين هذه الخطوات فرض حصار بحري على "إسرائيل"، تمامًا كما يفرض هو حصارًا خانقًا على غزة، ويُسجّل لليمن أنه ينهض بهذا الدور بإرادة صلبة وثابتة.

عسكريًا، تحمل عمليتا إغراق السفينتين "ماجيك سيز" و"إيتيرنتي سي" في البحر الأحمر دلالات استراتيجية عميقة، إذ تؤكد المعطيات أن القوات البحرية اليمنية باتت تمتلك قدرة متقدمة على رصد حركة السفن بدقة عالية، سواء عبر الأقمار الاصطناعية أو الطائرات المسيّرة. كما تُظهر العمليات قدرة متزايدة على تنفيذ هجمات معقدة باستخدام الطائرات بدون طيار والقوارب المفخخة، إضافة إلى القدرة على تنفيذ ضربات مركبة تعتمد على تكامل العمل الاستخباراتي مع التكتيك الميداني البحري، ما يعكس تطورًا نوعيًا في الأداء العسكري البحري.

وبحسب محللين عسكريين، فإن إغراق سفينتين خلال أسبوع واحد يُعد تطورًا لافتًا يُجسّد قدرة ردع جديدة ومؤثرة في البحر الأحمر، ويؤكد أن القرار العسكري اليمني ليس مجرد موقف رمزي أو شعاري، بل أصبح فعلًا عمليًا مؤثرًا يغيّر من معادلات الاشتباك في المنطقة.

لا تقتصر عمليتا الإغراق النوعي على أبعادهما السياسية والعسكرية فحسب، بل تحملان أيضًا بعدًا رمزيًا وإعلاميًا بالغ الأهمية، إذ لا يمكن فصل هذه العمليات عن تأثيرها الرمزي العميق، فهي تعيد تموضع اليمن كفاعل مبادر في المشهد الإقليمي، بعد سنوات من تلقي الضربات العدوانية.

كما تحمل هذه العمليات رسالة قوية إلى الداخل اليمني مفادها أن المعركة من أجل فلسطين ليست مجرد قضية خارجية، بل معركة وجود وكرامة وطنية.

وقد تصدّر وسم "#اليمن_تدافع_عن_غزة" منصات التواصل الاجتماعي، بالتزامن مع موجات واسعة من التأييد العربي والإسلامي، حيث اعتبره كثيرون "تعبيرًا عن دعم شعبي لافت لأول حصار عملي يُفرض على الكيان الصهيوني في العصر الحديث".

تشير المعطيات إلى أننا أمام تحوّل استراتيجي حقيقي؛ فمع كل سفينة تُغرق أو تُستهدف، تترسخ القناعة بأن أي سفينة لا تلتزم بالقرار اليمني ستكون عرضة لخطر حقيقي، وبهذا يصبح الممر البحري الدولي رهينة لمعادلة ردع واضحة تقودها المقاومة اليمنية، في مشهد لم يعد يحتمل اللبس أو التأويل.

لم تعد العمليات العسكرية اليمنية في البحر الأحمر أحداثًا هامشية، بل أصبحت فاعلاً جيوسياسيًا وعسكريًا يحظى بالاهتمام الدولي، ومع إغراق "ماجيك سيز" و"إيترنيتي سي"، تتجه الأنظار نحو اليمن لا كساحة نزاع فقط، بل كقوة تحدد مسارات الملاحة وميزان الردع في البحر الأحمر.

وفي ظل تراجع كثير من الأنظمة العربية عن دعم غزة فعليًا، تبدو اليمن -اليوم- وكأنها تتحدث بلسان أمةٍ بأكملها، قائلةً "إن التضامن لا يعني خطبًا نارية، بل سفنًا تغرق، في سبيل من لا صوت لهم".