||صحافة||

بعد مضيّ ستة أشهر على التوقيع على الاتفاق الإستراتيجي بين إيران وروسيا، وشهر واحد على وقف إطلاق النار بين "إسرائيل" والجمهورية الإسلامية، في أعقاب حرب الأيام الـ12، التي أُثيرت خلالها انتقادات لموسكو على خلفية موقفها «الحَذِر» في دعم طهران، أجرى البلدان مناورات عسكرية مشتركة في بحر قزوين، تحت مسمّى «مناورة الإغاثة والإنقاذ البحرية المشتركة 2025» (CASAREX2025)»، استمرت على مدى ثلاثة أيام (من الإثنين حتى أمس الأربعاء).

والمناورة التي نُفّذت تحت شعار «معاً من أجل بحر قزوين آمن»، بحسب بيان الجيش الإيراني، شارك فيها أسطول الشمال للقوات البحرية للجيش، والقوات البحرية لـ»الحرس الثوري»، وقوات الشرطة الإيرانية، والقوات البحرية للاتحاد الروسي، إلى جانب مراقبين من الدول المطلّة على قزوين. وهدفت المناورة، وفق ما هو مُعلن، إلى «النهوض بالأمان والأمن البحريَّيْن، وكذلك رفع مستوى التعامل البحري بين القوات البحرية للدول المطلّة على قزوين».

وأعلن الناطق باسم المناورة، العميد بحري ثاني محسن رزاقي، أمس، أن «المناورة انتهت باستعراض للوحدات البحرية المشارِكة في منطقة قزوين البحرية». وأوضح أن قطعاً بحرية من القوات البحرية لجيش الجمهورية الإسلامية، بما فيها البوارج القاذفة للصواريخ «سبر» و»بيكان» و»جوشن»، وبارجة «درفش» والقطعة البحرية «الشهيد بصير» للقوات البحرية لـ»الحرس الثوري»، والقطعة البحرية «حيدر» لقوات الشرطة، والقطعة البحرية «باك بوم» لدائرة الموانئ، وقاطرتا «هراز» و»انزلي»، وطائرتان عموديتان من طراز «AB212»، وكذلك سفينة الإغاثة والإنقاذ «SB738» الروسية، شاركت في المناورة.

وقبل تنفيذ الاستعراض البحري، أَنجزت القطع البحرية للقوات البحرية للجيش الإيراني، وروسيا، تمرين التصوير الجوّي والتشكيل الهجومي بنجاح. وتجدر الإشارة إلى أن بحر قزوين هو مسطّح مائي، تحدّه من الجنوب إيران، ومن الشمال روسيا، ومن الغرب روسيا وجمهورية آذربيجان، ومن الشرق جمهوريتا تركمانستان وكازاخستان.

ويُعدّ هذا البحر الذي يراوِح طوله ما بين 1030 و1200 كيلومتر، وعرضه ما بين 196 و435 كيلومتراً، أضخم بحر مغلق على وجه الأرض، يتّصل بالمياه الحرّة عن طريق نهر فولغا وقناة فولغادون، والذي يجعل منه جزءاً من مسار ترانزيتي مهمّ يربط شمال أوروبا بآسيا. وقد شهد حجم الترانزيت الدولي عبر هذا البحر، نمواً لافتاً خلال السنوات الأخيرة، علماً أنه متأثّر بشكل رئيسي بـ»ممرّ الشمال - الجنوب الدولي» (INSTC)، والمتغيّرات الجيوسياسية ما بعد التطوّرات الأوكرانية.

وتبلغ نسبة الترانزيت عبر هذا البحر، نحو 11 إلى 12 مليون طن سنويّاً، تعتمد بشكل رئيسي على «ممرّ الشمال - الجنوب». وعلى رغم مشاكل البنية التحتية، فإنه يتمتّع بإمكانية نموّ طاقته الاستيعابية لتصل إلى 20 مليون طن سنويّاً حتى عام 2030، وذلك في ظلّ استكمال المشاريع السككية وتطوير أساطيل النقل البحري والتعاون الدولي (ولا سيما بين إيران وروسيا).

 

الاتفاق بين إيران وروسيا يُظهر أن الطرفين غير ملتزمَين بدعم أحدهما الآخر عسكريّاً

وأسهمت أهمية هذا البحر بالنسبة إلى إيران وروسيا، اللتين تخضعان للعقوبات الغربية، في أن يحظى أمنه بأولوية بالنسبة إليهما، فيما صبّت المناورات الأخيرة بينهما، في خانة توطيد دورهما في إرساء الأمن في هذا الممرّ المائي. وإضافة إلى ذلك، فإن إيران وروسيا والصين، تقيم سنويّاً مناورات عسكرية مشتركة في بحر عمان الواقع جنوب إيران، وبالقرب من المحيط الهندي، إذ يؤتى على ذكرها كاستعراض للقوّة للمعسكر «الداعي إلى المراجعة الدولية للنظام الغربي».

من ناحية أخرى، فإن المناورة الإيرانية - الروسية في بحر قزوين، فُسّرت، خاصّة في الأوساط الروسية، على أنها تنطوي على رسالة تحذيريه إلى جمهورية آذربيجان، في ضوء توجّهات هذه الأخيرة في انتقاد روسيا والحرب الأوكرانية وجهودها الرامية إلى التقارب مع الغرب و»الناتو» وإقصاء موسكو من معادلات جنوب القوقاز. من جهتها، تبدي إيران حساسية وقلقاً لجهة تقارب آذربيجان مع إسرائيل، ومحاولاتها إنشاء «ممرّ زنغيزور» على امتداد الحدود بين إيران وأرمينيا.

لكنّ مناورات «CASAREX2025» التي أُجريت بعد نحو شهر من الحرب الإسرائيلية - الإيرانية، بدت لافتةً خصوصاً في سياق محاولات إيران زيادة قدراتها العسكرية، بالتعاون مع روسيا والصين، بعدما أظهرت الحرب الأخيرة ضعفاً كبيراً في منظوماتها للدفاع الجوي، في موازاة عدم امتلاكها مقاتلات متطوّرة. وتسعى الجمهورية الإسلامية، في ما يبدو، إلى سدّ هذه الثغر، عن طريق روسيا والصين. وفيما كان مقرّراً، منذ عامين، أن تزوّد روسيا، إيران بمنظومات الدفاع الجوي «إس-400»، ومقاتلات «سوخوي-35»، لكن ذلك لم يحصل، ما حدا بالإيرانيين، كما قيل، إلى عقد مشاورات مع نظرائهم الصينيين لشراء منظومة الدفاع الجوي «HQ-9B»، ومقاتلات «J-10».

ويبدو أن لدى موسكو وبكين، وعلى رغم توسيع تعاونهما الإستراتيجي مع طهران، اعتبارات في شأن تقديم الدعم العسكري المباشر لحليفتهما في الحروب؛ إذ تقوم سياسية الصين، بشكل رئيسي، على تجنّب التدخل في الصراعات العسكرية في المنطقة، والمواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة، كما أن روسيا، وعلى خلفية علاقتها مع إسرائيل، اتّخذت في الحرب الأخيرة توجّهاً طغى عليه الحَذَر، في حين أن تورّطها في الحرب الأوكرانية، قيّد من نطاق حراكها العسكري.

وعلى رغم الانتقادات التي أُثيرت في بعض الأوساط الإيرانية تجاه الموقف الروسي من الحرب الأخيرة، غير أن إلقاء نظرة على تفاصيل الاتفاق الإستراتيجي العسكري والاقتصادي بين البلدَين، والذي وُقّع في كانون الثاني الماضي، يُظهر أن الطرفين غير ملتزمَين بدعم أحدهما الآخر عسكريّاً. وقد جاء في البند الثالث من المادة الثالثة من الاتفاق، أنه «في حال تعرُّض أيٍّ من الطرفَين المتعاقدَين، لعدوان، فإن الطرف المتعاقد الآخر لن يقدّم أيّ دعم عسكري أو مساعدة أخرى للمعتدي تساعده على مواصلة العدوان». وهذا البند يُظهر بوضوح أن لا شيء يشير إلى دعم عسكري، وما هو موجود ليس سوى "شراء وبيع التجهيزات العسكرية".

 

 

الاخبار اللبنانية: محمد خواجوئي