|| صحافة ||

في تصعيد لافت في توقيته، شنّ قائد حركة «أنصار الله»، عبد الملك الحوثي، في خطابه الأخير هجومًا مباشرًا على السعودية، متهمًا إياها بالتعاون مع "إسرائيل" في مخطّطات تستهدف اليمن، وذلك بعد تهديدات "إسرائيلية" علنية بشن ضربات موسعة ضد صنعاء، في ظل أجواء إقليمية متوتّرة وتزايد الدعوات الغربية لتوسيع التحالفات العسكرية في البحر الأحمر.

اللافت في خطاب الحوثي أنه كسر نمط التهدئة الذي التزمه منذ بدء الهدنة غير المعلنة في نيسان 2022، والتي لا تزال تشكّل مرجعية لضبط التوتّر بين صنعاء والرياض. فهو لا يسمّي السعودية صراحة عادةً، إلا في حالات يرى فيها أن المملكة تمسّ بتوازنات دقيقة، أو تسمح لأطراف معادية بالعبث على حدود اليمن.

وبحسب معلومات متقاطعة، فإن قيادة «أنصار الله» تلقت تقارير استخباراتية تفيد بتحركات "إسرائيلية" في البحر الأحمر وخليج عدن، تُسهَّل من قبل أطراف إقليمية، أبرزها السعودية. ويُرجّح أن موقف الحوثي جاء في سياق التحذير من «عدوان استخباراتي وعسكري» يستهدف اليمن.

وقبل هذا التصعيد، نشر القيادي في المكتب السياسي لـ«أنصار الله»، حزام الأسد، تغريدة لافتة قال فيها: «صواريخنا مشرّعة في وجه العدو الصهيوني، ولكن أعيننا لا تغفل عن مؤامرات أبوظبي والرياض… أيّ تحرّك لأدواتكم في الداخل تحت عناوين المعاناة سيكون له ما بعده».

ويُفهم من موقفي الحوثي والأسد أن ثمة قناعة متنامية بأن السعودية قد يُعاد إقحامها في المسار العسكري، إمّا ضمن محور غربي - إسرائيلي، أو من بوابة «تأمين الملاحة الدولية» في البحر الأحمر. ويأتي ذلك وسط تحريض إعلامي متصاعد من منصات غربية تدعو علنًا إلى تدخّل سعودي مباشر، باعتبار المملكة «قادرة على إنهاء التهديد الحوثي».

وفي السياق، دعا مقال تحريضي نشره موقع «The Media Line» الأميركي، إلى شن حملة عسكرية سعودية برية بالتنسيق مع "إسرائيل"، لـ«سحق الحوثيين»، مدّعيًا أن «عصابة مسلحة لا يتجاوز عدد أفرادها 20 ألفًا» تُهدد أمن ممر بحري عالمي وتطلق الصواريخ على "إسرائيل". ويذهب المقال إلى حد اقتراح أن تتولى السعودية القيادة البرية بينما تتكفّل إسرائيل بالغارات الجوية، في ما يشبه توزيع أدوار معلن وغير مسبوق.

أما موقع «Middle East Eye» البريطاني، فقد أبرز في تقرير تحليلي الأثر المباشر لهجمات الحوثيين على مشاريع رؤية 2030 السعودية، لا سيما في الساحل الغربي. وذكر التقرير أن حركة سفن الحاويات في ميناء الملك عبد الله تراجعت بنسبة 70% خلال عام واحد، وفق بيانات شركة «مارين ترافيك»، ما شكّل ضربة قوية لأحد المشاريع السعودية الطموحة لجذب الاستثمارات وتحويل سواحل البحر الأحمر إلى مراكز اقتصادية دولية.

ونقل الموقع عن مسؤولين في قطاع الموانئ قولهم إن عمليات إعادة الشحن شبه متوقّفة، وإن عدداً من السفن باتت تتجنّب المرور عبر البحر الأحمر، مفضّلة سلوك طريق رأس الرجاء الصالح، رغم التكلفة المادية العالية لذلك.

في المقابل، تبدو السعودية حتى الآن متحفّظة على الانخراط المباشر في أي مواجهة جديدة في اليمن، إذ تُدرك أن أي تصعيد عسكري قد يُقوّض جهودها السياسية والاقتصادية، ويُعقّد مشاريعها التنموية في الداخل. ومع ذلك، فإن المؤشرات الأمنية والعسكرية تبيّن أن الرياض مندمجة ضمن شبكة دفاعية إقليمية تديرها الولايات المتحدة، تشمل إلى جانبها كلًا من الإمارات، والبحرين، وقطر، و"إسرائيل".

وتعتمد هذه الشبكة على أنظمة إنذار مبكر وتبادل فوري للمعلومات عبر منظومة متطوّرة تُعرف باسم «Link-16»، تُدار من قواعد أميركية في الخليج، ولا سيما العُديد في قطر. ورغم غياب العلاقات الديبلوماسية بين السعودية و"إسرائيل"، فإن هذا التعاون يُشكّل عمليًا تطبيعًا أمنيًا غير معلن، يُبرّر تحت عنوان «مواجهة خطر إيران ووكلائها».

وتنتشر في الأراضي السعودية منظومات دفاع جوي حديثة مثل «باتريوت»، وأخيراً منظومة «THAAD» واحدة. وتُستخدم هذه المنظومات لاعتراض الصواريخ قبل وصولها إلى الحدود السعودية أو تجاوزها نحو الأراضي الفلسطينية. وفي الجانب الإسرائيلي، يتم تنشيط أنظمة القبة الحديدية وصواريخ «حيتس» لاعتراض الصواريخ التي تخترق الطبقات الدفاعية الأولى. وتعتمد هذه الشبكة الدفاعية الإقليمية على تنسيق عالي المستوى بين السعودية، والإمارات، وقطر، والبحرين، وإسرائيل، حيث تُجمع المعلومات الاستخباراتية والرادارية في الوقت الحقيقي لمتابعة مسارات الصواريخ وتحديد مواقعها بدقة. وتلعب الولايات المتحدة دور المنسّق الأساسي في هذه المنظومة عبر قواعدها العسكرية في المنطقة، ما يضمن سرعة الاستجابة وفعالية الاعتراض. ويعكس هذا التشابك الدفاعي المتقدّم درجة عالية من التعاون الأمني والاستخباري بين دول الخليج و"إسرائيل"، ويُظهر في الوقت ذاته اعتماد هذه الدول على الولايات المتحدة كوسيط رئيسي ومنسّق لأطر التعاون الأمني الإقليمي، في مواجهة التهديدات الصاروخية القادمة من اليمن والمنطقة.

ورغم تزايد الضغوط الإقليمية والدولية، تبدو السعودية حريصة في العلن على تجنّب الانجرار إلى حرب جديدة في اليمن، مستندة إلى خطاب علني يتّسم بالحذر، ومقاربة تقوم على الصمود أمام محاولات إقحامها في نزاعٍ عسكري متجدّد. وتدرك الرياض أن أي تصعيد جديد قد يهدّد أمنها الداخلي، ويعرقل طموحاتها الاقتصادية الكبرى المرتبطة برؤية 2030. ولذلك إنها تُفضّل خيار الديبلوماسية وبناء التحالفات الإقليمية كوسيلة للالتفاف على تلك الضغوط، مع تجنّب التورّط في مغامرات عسكرية مكلفة.

غير أن هذا التوجه لا يُخرج المملكة من الواقع المعقّد. فالمعادلة التي تواجهها تتأرجح بين رغبتها في الحفاظ على سياسة الحياد والتوازن، والضغوط المتصاعدة من جانب حلفائها الغربيين الذين يدفعون نحو تفعيل تحالفات أمنية تُدار من خارج المنطقة، في ظل تصاعد التوترات في البحر الأحمر ومحيطه. وفي قلب هذه المعادلة، يبرز سؤال محوري: إلى أي مدى تستطيع الرياض التمسّك بموقفها المتريّث، في وقت تتزايد فيه الدعوات إلى مشاركة سعودية مباشرة في المواجهة مع اليمن؟

المعضلة لا تكمن فقط في الحسابات السعودية، بل أيضًا في المخاوف اليمنية المتنامية من استخدام الأراضي السعودية كمنصة لشن عمليات عسكرية ضد صنعاء. وإذا ما تحوّلت الضغوط الغربية إلى مطالب رسمية بإشراك الرياض في عمليات عسكرية برية أو بحرية، فإن قدرة المملكة على المناورة ستتضاءل، خصوصًا في ظل التحديات الأمنية والاقتصادية التي تواجهها داخليًا، والتعقيدات الجيوسياسية التي تحيط بها خارجيًا. وبين الحذر الواعي، والضغوط المتزايدة، يقف القرار السعودي عند مفترق طرق محفوف بالمخاطر، قد يُعيد رسم حدود الدور الإقليمي للمملكة في المرحلة المقبلة.

 

لقمان عبدالله: الاخبار اللبنانية