تقارير| أحمد داود| أنصار الله:
يدخل حزب الله اللبناني معتركاً جديداً في مواجهة الداخل والخارج، فموضوع "نزع سلاح المقاومة" هو من أهم الأوراق التي تضغط عليها أمريكا مؤخراً لتحقيق انتصار على الحزب بالطرق الناعمة بعد فشل الخيار العسكري.
ووضعت واشنطن -عبر مبعوثها إلى المنطقة توماس براك- حكومة لبنان أم خيارين كلاهما مر، فأمريكا تريد من الحكومة أن تنتقل إلى مرحلة عملية لنزع سلاح حزب الله، وإذا ما رفضت ذلك فإنها ستكون في مواجهة مباشرة مع الضغوط الأمريكية، أما إذا "انحنت للعاصفة" فإنها ستصطدم مع المقاومة في لبنان إذا ما تحركت فعلياً نحو إجبار الحزب على تسليم سلاحه.
بالنسبة لموقف حزب الله فهو واضح من مسألة "السلاح"، فأمين عام الحزب الشيخ نعيم قاسم قد حدد ذلك بوضوح في خطاب له الأسبوع الماضي، مؤكداً أن المقاومة لن تسلم سلاحها إلى العدو الإسرائيلي، وأن من يتعاطى مع هذا الملف فهو يخدم في الدرجة الأولى أمريكا و"إسرائيل".
ويأتي الضغط الأمريكي على لبنان في سياق استعلائي، فواشنطن تقفز مباشرة -في ما يتعلق بمناقشة الملف اللبناني- إلى المطالبة بتسليم سلاح حزب الله، لكنها تتجاهل خروقات العدو الإسرائيلي، وتتجاهل أطماعه وخططه في المنطقة، وتتجاهل كذلك خطورة سلاح "إسرائيل" بما تمتلكه من ترسانة هائلة، ومنها النووي في قهر الشعوب، واحتلالها، وحصارها، وتجويعها، وغزة خير شاهد على ذلك.
وفي هذه الجزئية بالتحديد، فإن حزب الله عندما يطالب الفرقاء السياسيين اللبنانيين بماهية الضمانات التي يمكن أن تقدمها واشنطن وكيان العدو الإسرائيلي بعدم الاعتداء على لبنان واحتلاله في حال سلم الحزب سلاحه للدولة، لا يجد الحزب جواباً مقنعاً، وليس هناك ضمانات، وإنما الخطاب الأمريكي العام على لبنان هو إجبار الحزب على تسليم سلاحه والعصا الغليظة على رأسه، وهذا بالتأكيد محال.
وقبل أيام تم الإعلان عن انعقاد جلسة مهمة للحكومة اللبنانية "جلسة السلاح" والتي ستنعقد الثلاثاء، وهي طبخة قد تشعل فتيل الحرب والمواجهة الداخلية في لبنان، لا سيما وأن دولاً عربية تسعى بكل ثقلها للوصول إلى هذه اللحظة التاريخية، وفي مقدمتها السعودية.
ويُنظر إلى جلسة الثلاثاء بأنها ستكون "مفصلية" في موضوع البت في تسليم سلاح حزب الله، ورفع مقترحات إلى المجلس الأعلى للدفاع الذي يضع خريطة التحرك كما تقول وسائل إعلام لبنانية، مشيرة إلى أن أي قرار سيصدر عن الحكومة لا بد من تنفيذه.
واستباقاً للحظة التاريخية تُعقد مشاورات مكثفة بين الرئيس اللبناني العماد جوزاف عون، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس الحكومة نواف سلام، مع لقاءات متفرقة بين قيادات في حزب الله وقوى سياسية لبنانية متعددة.
ويأمل اللبنانيون أن تفضي هذه اللقاءات إلى حل، وإلى توافق، دون أن تنجر الحكومة والرئيس إلى محاولة كسر عظم المقاومة، والضغط عليها للاستجابة للأوامر الأمريكية تحت مبرر "عدم إحراق لبنان"، وحتى لا يصل الدخان إلى كل بيت.
ومنذ اللحظة الأولى لتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان -الذي دخل حيز التنفيذ في نوفمبر 2024م- عمد كيان العدوّ إلى التنصل من التزاماته، بدءًا من رفض الانسحاب من خمس نقاط تمركز، وانتهاءً بالاستباحة اليومية للأراضي اللبنانية برًا وجوًا.
وتجاوزت خروقات الاحتلال الإسرائيلي منذ توقيع الاتفاق -بحسب مصادر لبنانية- أكثر من 4 آلاف اعتداءٍ مباشرٍ وغير مباشر، ما يُعدّ انتهاكًا صارخًا للسيادة اللبنانية وللقانون الدولي.
ومع ذلك، فإن القوى السياسية في لبنان، ولا سيما الموالية لأمريكا، تتحرك في اتجاه التأليب على حزب الله، والمطالبة بنزع سلاحه، دون أن يكون لها صوت عال في مواجهة الخروقات الصهيونية والتوغل لجيش الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان، في وقت تتحرك فيه بفاعلية نحو موضوع سلاح حزب الله وضرورة تسليمه إلى الدولة.
هذا المنطق الأعمى هو ما يجعل لبنان على صفيح ساخن، وينذر بانفجار الوضع، وخاصة إذا ما تم إشعال فتيل المواجهة تحت مبرر عدم استجابة حزب الله لتسليم سلاحه إلى الدولة، وهي حجج واهية يدرك مغزاها الكثير من المتابعين والمحللين.
ويقدم الرئيس اللبناني وحكومته مقترح وضع جدول زمني لسحب سلاح الحزب، دون وجود جدول يجبر جيش الاحتلال على الانسحاب من المناطق المحتلة، وعلى وقف خروقاته التي تصل إلى بيروت العاصمة، وتغتال القيادات، وتهدد كل تحركات حزب الله.
تدرك كل القوى السياسية أن الخطر كبير جداً على لبنان، لكن العدو يريد معادلة جديدة مختلفة عن غزة، فهو يأمل أن تفلح جهود حكومة نواف سلام في إقناع حزب الله بالخضوع والاستسلام، ولا سيما أن الرجل يقدم توصيفاً مغايراً لنهج المقاومة، مؤكداً أن «لا إنقاذ للبنان إلا بالعمل الجاد على حصر السلاح في يد الجيش» حسب سلام.
وهنا يكرر المسؤولون اللبنانيون الموالون لأمريكا مقولة: "لا نريد أن تتحول بيروت إلى غزة أخرى"، وحزب الله لديه أيضاً منطقه الخاصة: "لا نريد أن نسلم أسلحتنا للعدو الإسرائيلي، وسنقاوم كما تفعل المقاومة في غزة".
وبحسب المؤشرات، فإن ما يخطَّط للبنان كبير جداً، وأن الطبخة الأمريكية السعودية تتم على نار هادئة، فهل يستشعر المسؤولون اللبنانيون الخطر، وهم بالتأكيد يعرفونه جيداً، أم أن الوضع سيتجه نحو الانفجار؟