موقع أنصار الله . تقرير | علي الدرواني

خرج ملايين اليمنيين الخميس في مشهد استثنائي لإحياء ذكرى المولد النبوي الشريف، حيث امتلأت الساحات والشوارع بحشودٍ بشرية لم يعرف لها العالم العربي والإسلامي مثيلاً. هذا الحضور الضخم يعكس عمق الارتباط الروحي والثقافي لليمنيين برسول الله صلى الله عليه وآله، كما يعكس في الوقت نفسه صمود شعب يعيش ظروف الحرب والحصار منذ سنوات.

لكن المفارقة اللافتة أن هذا المشهد المليوني لم يجد طريقه إلى شاشات الإعلام العالمي، ولا إلى العناوين العريضة في وكالات الأنباء الدولية، التي كثيرًا ما تتابع أخبار اليمن من زاوية الحرب والأزمات الإنسانية.

وتبدو المفارقة أكثر وضوحا عندما ترى أن وسائل الإعلام العالمية تسارع لنشر أخبار في غاية البساطة والتفاهة أحيانًا؛ كحادثة إنقاذ قطة من شجرة، أو تجمع عشرات الأشخاص في فعالية صغيرة لجمعية تعنى بالحيوانات. مثل هذه الأخبار تُمنح مساحة واسعة في القنوات والصحف، بينما يتم تجاهل حدث استثنائي يشارك فيه ملايين اليمنيين في مختلف الساحات لإحياء ذكرى المولد النبوي الشريف. هذه المقارنة وحدها تكشف حجم الانتقائية الإعلامية، وكيف تُبنى الأجندة الخبرية على أساس سياسي لا مهني.

يحرص الإعلام الغربي غالبًا على انتقاء ما يقدمه لجمهوره وفق أولويات سياسية واقتصادية. وإذا ما ذُكر اليمن، فبصفته بلدًا منكوبًا بالجوع والمرض والصراع والأزمات، أما أن يظهر الشعب اليمني في صورة أمة متماسكة تحت راية دينية جامعة، فهذا لا يخدم السردية المعتادة التي تحاول حصر اليمنيين في خانة الضعف والانكسار والبؤس.


إن غياب التغطية المهنية من قبل الإعلام الدولي والعربي والقائمين عليه، يعكس إصرارًا على إبقاء الصورة النمطية عن اليمن: بلد الحرب والمجاعة. في حين أن مشهد الملايين المحتفين بالمولد الشريف يقدّم صورة أخرى: شعبٌ حيّ، متجذر في إيمانه، قادر على صناعة الفرح رغم الحصار، يحتفل بالرحمة، ويجدد العهد للنبي، ويلتف حول القيادة، ويتمسك بثوابته، ويوصل رسالة للعالم والبشرية عموما، وأمة الإسلام خصوصا، لضرورة العودة الجادة والصادقة لتعاليم الرسول، وهديه، والتمسك بنهجه، باعتباره السبيل الوحيد للنجاة، والطريق الوحيد للفلاح.

لا يمكن فصل هذا الحضور الشعبي المهيب عن دور القيادة اليمنية التي دعت للاحتفاء بالمولد النبوي، ممثلة بالسيد عبدالملك الحوثي يحفظه الله، فالتفاف الشعب حول دعوة قيادته يكشف عن وجود رابط إيماني وثقافي وسياسي عميق، حيث تحوّلت المناسبة إلى مساحة للتعبير عن الولاء للرسول الكريم، وعن الثقة بقيادة ترى في إحياء القيم المحمدية أساسًا لمشروعها. هذا التلاحم الشعبي ـ القيادي لا يمر مرور الكرام لدى القوى الإقليمية والدولية، إذ يزعجها أن ترى قيادة تحظى بهذا المستوى من الاستجابة والتأييد، لأنها تعلم أن مثل هذه الحالة تصنع قوة سياسية ومجتمعية يصعب كسرها أو احتواؤها.

ولهذا فقد بات مؤكدا أن التعتيم الإعلامي مقصود لأسباب سياسية. إذ إن إبراز وحدة اليمنيين حول قيم دينية وثقافية عليا، في ظرف الحرب والتدخلات الخارجية، يعطي رسائل قوة وصمود لا ترغب بعض القوى الدولية والإقليمية في تداولها، أولا، خشية من انتقال الطريقة الاحتفائية إلى الإقليم ، وثانيا منعا لعودة الأمة إلى نبيها، وبالتالي تعمل دول إقليمية كبرى على تشويه هذه الاحتفالات كل عام، وتنشر فتاوى التبديع والتضليل، والدعايات الكاذبة، والمغرضة، والتي بطبيعة الحال تفشل كل عام، ويتسع الاحتفال عاما بعد عام، وقد كانت ملايين اليوم شاهدا على ذلك الفشل الذريع، كما قدمت شاهدا على تنامي الوعي لدى شعب اليمن شعب الإيمان والحكمة ، بأهمية هذه الفعاليات لتوثيق رابطة المحبة والولاء للنبي ودينه الخاتم، وتوصيل رسائل متعددة الاتجاهات داخليا وإقليميا ودوليا.

 

كما سلف إذن، فإن الإعلام العالمي ينجذب عادةً إلى الكوارث والصراعات أكثر من انجذابه للمظاهر الحضارية أو الاحتفالية. لذلك يصبح خبر التفجير أو المعركة أهم من مشهد ملايين يحتفلون بسلام، وكلها لخدمة أجندات خبيثة لا تريد لليمن الا ان تظل بتلك الصورة النمطية السائدة بلد الفقر والصراع والتمزق والتشرذم.

إن تجاهل الإعلام العالمي لهذه المناسبة المليونية ليس بريئا،  فمن الناحية المهنية البحتة ، فان تغطية هذا الحدث، يتجاوز بأهميته أهمية  تغطية الحرب نفسها، لاسيما اننا نتحدث عن ملايين اليمنيين، الذين يحتفون بالمناسبة ، نبفس التوقيت، وهذا التجاهل انما يكشف كيف تُصنع صورة اليمن في الخارج، وكيف يُراد لها أن تبقى رهينة المعاناة فقط، بينما تُغيب مشاهد القوة والوحدة والإيمان.