في وقت انحنت فيه العزائم، وتهاوت فيه الإرادات، وارتجفت فيه القلوب تحت ضغط الخذلان، ينهض اليمن، من بين ركام الغارات، والجراح تنزف، ينهض اليمن كفارسٍ لا يعرف الانكسار، بل ليصنع واقعاً تهتز له عروش المستكبرين.

وفيما كانت الشعوب تتطلع إلى بارقة أمل، كان اليمن يفاجئ الجميع، لا ببيانات الشجب والتنديد، بل بالصواريخ والطائرات المسيّرة، تلك التي تخطت الصعاب وتجاوزت المنظومات، لتصل حيث تشاء: في عمق الكيان الصهيوني من "رامون" و"بن غوريون" و"ديمونا" وعسقلان والنقب، ويافا وحيفا لتؤكد من جديد أن الكرامة طريقها القدس ومن لا يقاتل من أجل الكرامة لا يحيا بشرف.

صواريخ متشظية فرط صوتية، أسراب من المسيّرات، فيديوهات صادمة خرجت من قلب العتمة الإسرائيلية، وثّقت الضربة تلو الضربة، بينما الدفاعات الإسرائيلية، بما فيها من أسلحة أمريكية وإسرائيلية وغربية، وقفت عاجزة، مذهولة، مرتعشة. كانت تلك الضربات بيانات دم وموقف، ألقاها اليمنيون في وجه الكيان الصهيوني، بكل عنفوان، بكل كِبر الجبال، وكبرياء شعبٍ خبرَ الحروب واحتضن النار كما تحتضن الأم طفلها.

الغارات الصهيونية وعبث العدو

حين فشل العدو الإسرائيلي في إسكات اليمن عن نصرة غزة، لجأ إلى الأسلوب الذي يعرفه جيدًا: القتل والتدمير والاستباحة. شن غارات جوية هستيرية، استهدفت أحياء مدنية، وحتى صحيفتي "26 سبتمبر" و"اليمن". لم يستثنِ النساء ولا الأطفال. لكن العدو نسي أن اليمن ليس ساحةً رخوة،فاليمن أعلنها حرباً مفتوحة لا مكان فيها لمعادلات الاعتداء والرد بالمثل.

عدد الشهداء ارتفع إلى 46 شهيدًا بينهم أطفال ونساء، فيما تجاوز عدد الجرحى 165، بينهم صحفيون ومارة، في الجوف ووسط العاصمة صنعاء، تألم الجميع، ولكن لم ينكسر أحد. ورغم دخان الغارات، خرج المتحدث الرسمي للقوات المسلحة العميد يحيى سريع ليؤكد أن الغارات الإجرامية "لن تمر دون ردّ وعقاب".

السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي أكد في كلمته، يوم الخميس، أن استهداف العدو الإسرائيلي لرئيس الوزراء ورفاقه من الشهداء العاملين في الوزارات المدنية لا يمثل أي إنجاز عسكري ولا أمني للعدو الإسرائيلي، فالعدو الإسرائيلي بارتكابه جريمة استهداف رئيس الوزراء ورفاقه هو يبين إفلاسه ويضاعف من رصيده الإجرامي. وأكد أن جرائم العدو الإسرائيلي تزيد شعبنا عزماً على عزمه وبصيرة إلى بصيرته وثباتا إلى ثباته.

 

الرئيس المشاط: الرد آتٍ لا محالة

ومن على منبر العز والإباء والكرامة، يؤكد المشير الركن مهدي المشاط، رئيس المجلس السياسي الأعلى، أن العدوان الصهيوني على اليمن فاشل، وعقيم، ومصيره الارتداد. وقالها بلهجةٍ لا تعرف التردد: "على جميع الصهاينة البقاء في حالة استعداد، فالرد آتٍ لا محالة".

الرئيس لا يهدد، بل يصف الحقيقة كما هي: كل عدوان على اليمن لا يولّد انكسارًا، بل وقودًا لصواريخ جديدة، ومسيّرات أحدث، ووجع أعمق في قلب العدو.



 

أما الموقف الرسمي فمثّل وحدة الصف، ووحدة الجرح: وزارة الخارجية، مجلس النواب، الناطق الرسمي لحكومة التغيير والبناء، الكل كان على قلب رجل واحد. في بياناتهم، إدانة واضحة، ووعود بالرد، وتحذيرات للعالم من مغبّة الصمت. لكن خلف الكلمات، كانت هناك لغة أكثر صدقًا لغة السلاح والميدان. ليس في اليمن من ينتظر مؤتمرات صحفية في الأمم المتحدة. اليمن يصوغ بيانه من على منصات الإطلاق، يكتبه بالبارود، ويوقّعه بإحداثيات أهداف دقيقة.

في وجه الغطرسة الصهيونية، صمد اليمن، وأعلنها صراحة: "لن نكف عن دعم غزة، لن نرفع الراية البيضاء، وسنظل نضرب حتى ينكسر الحصار وينتهي العدوان".

الموقف الرسمي يوضح أن العدو يجدد التأكيد على أنه يخوض حرباً عدوانية ضد الأمة العربية والإسلامية ككل، حيث استهدف في أوقات سابقة الدوحة ولبنان وغزة وسوريا وتونس، واليوم اليمن، ولا يتورع عن انتهاك سيادة الدول وتهديد أمنها واستقرارها. وبالتالي، فإن اليمن العزيز الصامد لن يثنيه هذا العدوان أو أي عدوان آخر عن موقفه العملي والمتقدم والمؤثر في حظر الملاحة الصهيونية واستهداف الأهداف الصهيونية في الأراضي الفلسطينية المحتلة بالصواريخ والطائرات المسيرة نصرة للشعب الفلسطيني المظلوم، وسيستمر موقف اليمن المتصاعد بعون الله حتى إيقاف العدوان ورفع الحصار عن أبناء غزة. فهذه الاعتداءات لن تزيد الشعب إلا صموداً وإيماناً واحتساباً..

الكيان الصهيوني يواجه الصدمة

لم يعد الكيان الصهيوني يرى في اليمن مجرد "بلد بعيد"، لقد أصبح كابوسًا عسكريًا واستراتيجيًا يداهمه من الجنوب. لم تنفع الغارات، لم تخفّف من الضربات، ولا الضغوط الاقتصادية والسياسية بل على العكس، زادت من إصرار اليمنيين، الذين يرون في كل شهيد وقودًا جديدًا لغضبهم المقدّس. اليمن لا يتراجع، لأنّه لا يراهن على اتفاقيات، ولا ينتظر تصريحًا من عاصمة كبرى. رهانه الوحيد: معية الله ووقوف شعبه، وصواريخه، وحقه المشروع في الرد.

مَن يعرف اليمن، يعرف أنّه بلد يتغلب على الجوع بكبريائه، لكن إذا ضُرب أو اعتدي عليه، رد بعنفوان. هذا الشعب الذي لا تُرهبه الطائرات، يعرف كيف يحوّل الألم إلى تصميم، والدماء إلى نداء، والركام إلى منبر. من وسط الحصار، والجراح، والدخان، يقف اليمن اليوم شامخًا، يصدح صوته من قلب العاصفة: "لسنا من يُكسر، لسنا من يُساوم، ولسنا ممن يخذل فلسطين".

فلسطين تمد يد الوفاء وتثمن الكرامة

في ظلال العدوان، وأمام دخان الغارات، يقف اليمن شامخًا لا يهتز، يرد الصاع بالصاروخ، والطغيان بالعزيمة، والغدر بالغضب المقدّس. يقف وحده في الظاهر، لكنه في الحقيقة ليس وحده. فمن غزة خرجت الكلمات، ومن لبنان تدفّقت المواقف، ومن طهران علا الصوت، ومن فلسطين بجميع فصائلها، صدحت الأصوات تقول للعالم: اليمن لا يُترك وحيدًا، لأن من يساند الحق، يستحق السند، ومن يسند غزة، تسنده الأمة.

من قلب غزة الجريحة، حيث القصف لا ينتهي، خرجت حركة المقاومة الإسلامية حماس في بيانٍ لا يقل شجاعة عن صواريخ اليمن، لتدين العدوان الإسرائيلي الوحشي على صنعاء والجوف، وتصفه بالعربدة الصهيونية العابرة للحدود. لكن الأهم في البيان، كان موقفًا يعجز الساسة عن النطق به: "نثمّن إصرار الشعب اليمني، وقواته المسلحة، والإخوة في أنصار الله، على مواصلة طريق إسناد شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة". وفي زمن المصالح الباردة والصفقات السوداء، جاء هذا التصريح دفئًا تأكيدًا على أن من يقاتل من أجل فلسطين، لن يُقاتل وحيدًا، ولو اجتمع عليه كوكب الأرض.

لم تكن حماس وحدها، فقد أصدرت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بيانًا شديد اللهجة، أدانت فيه الغارات الإسرائيلية على اليمن، ووصفتها بأنها امتداد طبيعي للعدوان المستمر على فلسطين والأمة العربية. ولأن البوصلة واضحة في وجدان الشرفاء، قالت الجبهة ما يتجنبه المتخاذلون: "العدوان على اليمن تغطّيه أمريكا، وتباركه قوى الشر الدولي، وهو جزء من محاولة كسر إرادة الشعوب الحرة في منطقتنا. ولم تكتفِ بالإدانة، بل دعت إلى انتفاضة عالمية غاضبة، فالمعركة واحدة، والدم واحد، والعدو واحد.

أما حركة الجهاد الإسلامي، فكانت كلماتها أقرب إلى قسمٍ في ميدان قتال: نتوجه بأسمى آيات التعزية إلى ذوي الشهداء من أهل اليمن الشقيق، ونعتبرهم شهداء فلسطين. في هذا التصريح، تختفي الحدود المرسومة على الورق، وتُرسم خرائط جديدة بمداد الدم والمقاومة. لم يعد هناك "هم" و"نحن"، بل أمة واحدة، وقضية واحدة، وجرح واحد.

وأضافت الحركة: "إن الشعب اليمني الشجاع سيواصل إيلام العدو وتدفيعه ثمن الدماء اليمنية الطاهرة". وهكذا، بات من الواضح أن: اليمن يُسند فلسطين، وفلسطين تسند اليمن.

صوت حزب الله يدوي في سماء العرب

من جنوب لبنان، من ميدان الانتصار على الكيان الإسرائيلي، جاءت إدانة حزب الله، قوية صارخة، تصف العدوان بأنه: "عدوان يعكس إفلاس الإرهابي نتنياهو الذي يغرق في مستنقع الفشل". وأضاف الحزب بأن العدو لم يعد قادرًا على المواجهة، فلجأ إلى مهاجمة الصحافة وقتل الصحفيين، في محاولة لتكميم صوت الحق. لكن حزب الله يعلم كما يعلم الجميع أنه: "ما من قوة تستطيع إسكات صوت الشعب اليمني المقاوم، صوته يخرج من بين الأنقاض، أقوى من كل صاروخ".

بدورها، أدانت وزارة الخارجية الإيرانية العدوان، ووصفت استهداف المدنيين والصحفيين بأنه: "إرهاب صريح وانتهاك لكل القوانين الدولية". وأكدت أن دعم اليمن لفلسطين هو نموذج للمروءة الإسلامية والموقف الإنساني الحر، داعية إلى وحدة الدول الإسلامية ضد جرائم العدو وممارساته التوسعية.

 

من صنعاء إلى غزة: لا تُهزم أمة فيها اليمن

هذا التضامن العابر للحدود، من حماس إلى الجهاد، من بيروت إلى طهران، لا ينبع من اتفاقيات رسمية، ولا من مصالح طارئة. إنه تضامن الجرح والمبدأ والمصير. إنه اعتراف صريح من كل محور المقاومة أن اليمن بات في صدارة الميدان العربي المقاوم، لا على الهامش، ولا في الظل، بل في القلب، في الخط الأول، في الجبهة الأمامية.

تلك الطائرات التي استهدفت الصحفيين في صنعاء، سبق أن قصفت أطفال غزة. والدماء التي سالت في الجوف، هي ذاتها التي سالت في رفح. والمعركة التي يخوضها اليمن الآن، ليست دفاعًا عن أرضه فقط، بل دفاعًا عن الحق العربي والكرامة الإسلامية.

ليس في اليمن اليوم حياد، ولا حسابات سياسية معقّدة. القضية واضحة: فلسطين تنادي، واليمن يلبّي. غارات الكيان لم تحقّق شيئًا سوى تسريع وتيرة الرد. وها هي الأيام تثبت أن اليمن ليس مجرد طرف داعم، بل فاعل أساسي في مشهد المقاومة، يُعيد رسم التوازنات، ويزرع الرعب في قلب كيان كان يظنّ نفسه خارج دائرة العقاب.

اليمن لا يملك رفاهية التراجع، لأنه ببساطة، بلد لا يعرف التراجع. وعلى "تل أبيب"، الاستعداد، وعلى غزة المزيد من الصبر فالله معها، واليمن معها وصواريخه، وشعبه.