موقع أنصار الله . تقرير 

 

منتهى الإفلاس أن يتصور العدو الصهيوني أن توسيع العربدة والاستباحة يمكن أن يُخرجه من أزمته، وينجيه من الواقع المنهار الذي يعيشه.

في عدوانه الجديد على اليمن -والذي استهدف من خلاله ميناء الحديدة بـ12 غارة جوية وقبل ذلك استهداف صحيفتي 26سبتمبر واليمن والتي أدت لاستشهاد 32 صحفيا-  حاول الكثير من المحللين الخروج بخلاصات جديدة وتوقعات لصالح العدو، إلا أنهم مرة أخرى لم يجدوا في طبيعة الأهداف ما يمكن أن يحتسبوه كنقاط إنجاز، فالأهداف لا تزال -وإن اختلفت المواقع- تحمل الصفة المدنية، أكان ما استهدفه في العاصمة صنعاء، أو الجوف، أو الحديدة. والمشهد يتكرر بمدنيين يدفعون حياتهم ثمنا لموقفهم الديني والأخلاقي في مناصرة غزة أمام كيان بلا أخلاق، ولا إنجاز عسكري في هذه الأهداف، ما يعني أن العدو لا يزال يدور في حلقته المفرغة.

المراوحة في ذات نقطة الفشل

يتحدث الـ"نتنياهو" ومعه المجرم الآخر "كاتس" -مع كل عدوان- أن ما تم استهدافه كان مقر قيادة ومعسكرات ومنصة صواريخ، وهي الهواجس التي لا تزال تؤرقهما وتسيطر عليهما منذ بدأ العدوان على اليمن بشكل مباشر، إلا أنها هذه المرة أيضا خلصت إلى لا شيء من هذه الأهداف. الصوت والصورة توثقان بأن ما تم استهدافه لا يزال يراوح في ذات نقطة الفشل، مبانٍ حكومية خدمية، ومقار صحفية، ومنازل مواطنين، والضحايا مدنيون.

لذلك لم يجد المحللون في العدوان الجديد الشيء المختلف من الأهداف التي تستحق أن يفاخر العدو بأنه قطع ألفيّ كيلو إلى اليمن لقصفها، ما يجعل لهذا الجهد قيمة وجدوى. وخلال (15) عملية عدوانية سابقة كانت قيادة الكيان دائما تخرج لتتحدث عن استهداف القدرات العسكرية اليمنية، ونفس الأمر كان يأتي من ترامب، إلا أن الردود السريعة والمباشرة من القوات المسلحة اليمنية كانت تجعل منهما مثيرين للشفقة.

لا مجال لاستعادة الردع

وعلى العكس من تَوّهُمات العدو كانت العمليات اليمنية تكشف للمراقبين والمحللين وحتى لقادة الكيان الصهيوني وحكام البيت الأبيض عن الجديد المفاجئ، أكان على صعيد الأهداف المحددة أو التكتيكات أو طبيعة السلاح المستخدم. ما يرسخ لدى الجميع تبلوُر الحقائق الجديدة التي تُقصي الكيان الصهيوني عن مرتبة الصدارة المزعومة في امتلاك القدرة والقدرات.

يذكر القائد السابق لما تعرف بمديرية الدفاع الجوي "الإسرائيلي" العميد "صبيكا هابيموفيتش" أن القوات المسلحة اليمنية تطور قدراتها باستمرار، في طريقة نشر التهديدات، اختيار مسارات الطيران، توقيت الهجمات، طبيعة الأهداف، ونطاق العمليات.

العدوان على ميناء الحديدة وصحيفتي "26 سبتمبر" و"اليمن" يؤكد أيضا بأن طموح العدو انحصر عند مساعي ترميم هذا الانهيار في مكانته، خصوصا وأن خطر اليمن أصبح يحاصر مشاريعه التوسعية، ولا يمكن معه السير خطوة واحدة للأمام.

وخلال الأسابيع الماضية اضطر الإعلام العبري أن يواجه "نتنياهو" وجوقة المجرمين بحقائق عجزهم عن إحداث أي تغيير لصالح استعادة الردع، وأن ما يرتكبونه ليس أكثر من استهداف للمدنيين في حياتهم أو في بنيتهم الأساسية، ما جعل توقعاتهم تنتهي إلى أن أصبح اليمن -فعلا- عدواً عصيّاً على الانكسار والاستسلام، وأن ما يتحدث به قادة الكيان عن ضرب القدرات العسكرية للقوات المسلحة اليمنية ما هي إلا حُقن تخدير للمغتصبين الصهاينة،  من أجل امتصاص غضبهم ورفضهم لهذه الوضعية المهينة والبائسة التي صار عليها كيانهم.

عملية انتقامية ولا أكثر

لم يكن الهجوم العدواني على ميناء الحديدة، وكذلك العدوان على العاصمة صنعاء والجوف إلا عملية انتقامية لا تحقق للعدو أي أثر إيجابي، فمن ناحية شل القدرات العسكرية ثبت أنه لا يزال أعمى، ومن ناحية محاولة ضرب الجبهة الداخلية فإن النتيجة تأتي في كل مرة أشد وأنكى، بتأكيد المواطنين على قبول التحدي والدخول مع العدو في معركة الحسم بنفس طويل.

 حكومة التغيير والبناء طالما أكدت أنّ العدوان الصهيوني -مهما تصاعد وتنوّع- لن يزيد اليمنيين إلا إصراراً على نصرة فلسطين، وتمسكاً بموقفهم الأخلاقي والتاريخي في دعم غزة والشعب الفلسطيني حتى تحقيق أهداف الأمة في الحرية والاستقلال.

ثم يتبين أن حاصل الهجوم وتداعياته إنما يزيد من فتح باب الجحيم على العدو، خصوصا مع ظهور الآثار القاتلة التي ولّدتها الهجمات اليمنية منذ إطلاق معركة "الفتح الموعود والجهاد المقدس"، حيث أصبح الكيان محاصرا، ولم تتمكن كل قدراته زائدا قدرات العدو الأمريكي من فك هذا الحصار.

 القائد الأعلى للقوات المسلحة، المشير مهدي المشاط أكد خلال تعليقه على استهداف حي التحرير في العاصمة صنعاء بأن ما حدث فرصة جديدة للقوات المسلحة لتوسيع دائرة الردع، كما أكد بأن الكيان الصهيوني سيتلقى ضربات أشد إيلاماً من أي وقت مضى، وأن ما بعد هذه الغارات لن يكون كما قبلها. وقال المشاط: "على جميع الصهاينة البقاء في حالة استعداد، فالرد آت لا محالة"، مؤكداً أن هذه الجريمة لن تزيد اليمنيين إلا عزماً وتصميماً على المواجهة.

من تحدٍّ تكتيكي إلى مشكلة استراتيجية

ما يتضح أيضا من هذا الشكل الانتحاري في استنزاف القدرات من أجل استهداف أهداف مدنية لا تغير في مسار المعركة شيئا، هو تنامي الشعور فعليا لدى الكيان الصهيوني بأن الخطر اليمني قابل للتطور، خصوصا مع تجربة تصاعد مراحل المواجهة التي قطعتها القوات المسلحة، ما يشير إلى أن "المواجهة لم تعد بين كيان مجرم يمتلك ترسانة عسكرية متقدمة وخصمٍ ضعيف كما توهّمت تل أبيب".

يؤكد العسكري الصهيوني "صبيكا هابيموفيتش" أن التهديد اليمني بدأ كتحد تكتيكي محدود، لكنه سرعان ما تطور إلى مشكلة استراتيجية حقيقية. ويُقدِّر ما يعرف بـ"معهد مشغاف للأمن القومي والاستراتيجي" في الكيان الصهيوني أن "الخطر اليمني في تنامٍ ملحوظ"، وكشف المعهد عن "تصاعد القلق داخل الأوساط الإسرائيلية من وتيرة تطور القدرات العسكرية اليمنية"، ونقلت القناة السابعة العبرية عن أحد المتخصصين في المعهد قوله إن العمليات اليمنية الأخيرة أثبتت أنه لا مجال للتقليل من التهديد القادم من صنعاء، لافتاً إلى أن التطور النوعي في صناعة الطائرات المسيّرة محلية الصنع شكّل مفاجأة غير متوقعة للمنظومات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية.

يأتي هذا مع القلق الذي سببه استهداف مطار "رامون" بصورة كشفت عجزا كليا لأنظمة الرصد والكشف، إذ لا يزال جيش العدو يعيش حالة مؤرقة، وهو يحقق في فشل أنظمة الرادار بعد اختراق طائرة مسيرة يمنية لأجواء فلسطين المحتلة وقصفها المطار دون رصد. وذكرت قناة (14) العبرية أن الطائرة المسيرة اليمنية التي ضربت مطار "رامون" كشفت عن ثغرات خطيرة في منظومة الدفاع الجوي "الإسرائيلية". وذكر تقرير لصحيفة "غلوبس" العبرية أن الطائرات المسيّرة التي أطلقتها القوات اليمنية تتميز بقدرات على الطيران المنخفض، وتغيير المسارات، وبصمة رادارية ضئيلة، الأمر الذي يجعلها تتجاوز أنظمة الرصد والاعتراض التقليدية. ويقرّ "هابيموفيتش" بأن التهديد اليمني تجاوز مرحلة الخطر التكتيكي المحدود، ليصبح تحديا استراتيجيا حقيقيا. وأشار إلى أن هذا الهجوم يعكس مستوى التطور النوعي في قدرات الجيش اليمني، وأن هذا التهديد يضع "إسرائيل" أمام خطر جوي متعدد الجبهات، فلم يعد محصورا في الجنوب فقط، بل قد يأتي من الشرق أو الغرب.

توزيع الخراب على المنطقة

ويؤكد العدو -بوقاحته في توزيع الدمار على المنطقة- أنه بؤرة شر لابد من ردمها، وخلال الأيام الماضية تعمد العدو توزيع مظاهر العربدة والاستباحة على أكثر من جهة، فضرب في قطر، كما هاجم في سوريا ولبنان، إلا أن الهجوم على الدوحة كان مثيرا للعالم، لتعمده استهداف قادة حماس أثناء اجتماع لمناقشة خطة ترامب لوقف إطلاق النار. إذ لم يعط العدو أي اعتبار لطبيعة الاجتماع الذي هيأ له ترامب بمقترحه التفاوضي الجديد، كما لم يُراعِ أنه بهذا العدوان ينتهك وبشكل صارخ سيادة الدولة القطرية.

استهلال منطقة الخليج بدولة قطر

تؤكد بلطجة العدو -على أكثر من جهة- حالة التفلّت التي يعيشها، واستخفافه بكل العالم ليرتكب مثل هذه التجاوزات المركبة، وهو ما يفترض أن يدفع الدول للوقوف وقفة جادة من أجل محاسبة وتحجيم حركته، وكسر الطوق الأمريكي الذي قيّد أي توجه لإجبار "إسرائيل" على احترام سيادة الدول.

يتحدث الـ"نتتياهو" بكل صراحة أن أي مكان هو هدف لهجوم "جيشه"، بتأكيده أنه سيستهدف قادة حماس في أي مكان في الخارج، ما يعني أنه حتى في حالة الشك في وجود القادة في مكانٍ فإنه سيقصفه دون أي اعتبار للدولة التي تستضيفهم، وهذا يؤكد أن العدو يسير فعليا في مخطط ترسيخ الاستباحة.

لكن ما يمكن الجزم به أن العربدة الصهيونية لم تأت من فراغ، بل هي نتاج لحالة الصمت والخذلان الذي أبداه القادة العرب تجاه الإبادة في غزة، الأمر الذي شجع العدو الصهيوني أكثر من أي وقت مضى، وقد عزز هذا المشهد المخرجات الهزيلة التي انبثقت عن القمة العربية الإسلامية التي انعقدت أمس في قطر، والتي لم تغادر مربع الشجب والتنديد والادانة، ومطالبة الجهات الدولية للتحرك نيابة عن الدول التي انتهك العدو سيادتها.