موقع أنصار الله . تقرير | علي الدرواني

لقد مثلت ثورة 21 سبتمبر محطة فارقة في التاريخ السياسي والاجتماعي اليمني، وفتحت نافذة ضوء على واقع قاتم، وأضاءت الطريق الموحش لشعب طالت معاناته وحرمانه لعقود، وجاءت هذه الثورة في سياق وطني ملتهب، عبّر فيه الشعب عن رفضه القاطع لسياسات الإفقار والتبعية والتهميش. ولم تكن هذه الثورة مجرد ردة فعل عفوية أو انتفاضة لحظية، بل كانت مشروعاً تحررياً يحمل في طياته رؤى استراتيجية لبناء يمن جديد، مستقل القرار، عادل في حكمه ونظامه، حر في إرادته.
للوهلة الأولى، قد تبدو الأهداف المرفوعة للتحرك الثوري في مستوى أقل من ثورة، وأكبر من احتجاج،
لكنها في حقيقتها وجوهرها تنطوي على مسائل دقيقة وغاية في الأهمية، تجعل منها أهدافاً ثورية بامتياز.
إن هذه المطالب -رغم بساطة شعاراتها- تحمل في أعماقها جوهر الثورة الحقيقي: استعادة الشعب لدوره، واسترداد الوطن لقراره، وفتح الطريق نحو دولة عادلة ومستقلة وذات سيادة.

أولاً: إسقاط الجرعة – رفض سياسات التجويع:


كان العنوان الأبرز لانطلاقة ثورة 21 سبتمبر هو إسقاط "الجرعة السعرية"، والتي تمثلت في رفع الدعم عن المشتقات النفطية. لم تكن هذه القضية معزولة عن الواقع المعيشي للناس، بل مثّلت جوهر المعركة بين إرادة الشعب وسياسات الإفقار الممنهجة. فرفع الدعم لم يكن مجرد قرار اقتصادي، بل كان تجسيداً لتوجه خطير في تحميل المواطن تبعات فساد الحكومات المتعاقبة، وتخلي الدولة عن دورها الاجتماعي. وبالتالي، فإن إسقاط الجرعة لم يكن فقط رفضاً لغلاء المعيشة، بل دفاعاً عن حق الإنسان اليمني في الحياة الكريمة، ووقوفاً في وجه استهداف لقمة عيشه.

ثانياً: إسقاط الحكومة – كسر التبعية واستعادة القرار الوطني:


الهدف الثاني للثورة تمثل في إسقاط حكومة الوصاية، التي كانت تعمل وفق أجندات خارجية، مرتهنة لدوائر النفوذ الإقليمي والدولي، وغير معنية بمصالح الشعب. لقد أدرك الثوار أن هذه الحكومة ليست سوى أداة لتنفيذ سياسات لا تخدم الوطن، بل تزيد من معاناة المواطن، وتعزز من تفكك الدولة. ومن هنا، فإن إسقاط الحكومة كان خطوة باتجاه تحرير القرار السياسي اليمني، وإعادة الاعتبار لمفهوم السيادة الوطنية المغيبة.
وليس إسقاط الحكومة مجرّد مطالبة بتغيير وزاري، بل موقف سيادي في وجه حكومة مرتهنة لإملاءات الخارج.
ثالثاً: تنفيذ مخرجات الحوار – نحو دولة مدنية عادلة:
أما الهدف الثالث، فكان التمسك بضرورة تطبيق مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل، الذي توافق عليه اليمنيون بمختلف مكوناتهم. هذه المخرجات مثّلت خارطة طريق حقيقية نحو بناء الدولة المدنية الحديثة، دولة العدالة والحرية والمواطنة المتساوية. إلا أن القوى المتضررة من التغيير سعت لإفشال تنفيذ هذه المخرجات، وتعطيل مسار الانتقال السياسي السلمي. لذلك، فإن الثورة جاءت لتؤكد على ضرورة المضي قدماً في تنفيذ ما توافق عليه الشعب، وتجسيد المبادئ التي من شأنها أن تضع حداً لحكم الفساد والإقصاء.
فلم تكن -إذاً- المطالبة بتنفيذ مخرجات الحوار مجرد دعوة لتطبيق وثيقة سياسية، بل مشروعاً لبناء دولة جديدة تنهي عقوداً من الاستبداد والتمييز والفساد والتبعية للخارج، وإقامة دولة قوية قادرة على النهوض والتنمية واستثمار المقدرات والثروات الوطنية، وفق مصالح الشعب وأولوياته.

ثورة مستمرة بأدوات الوعي والمواجهة

إن الواقع الذي تعيشه اليمن اليوم، يؤكد أن يوم 21 سبتمبر 2014 لم يكن نهاية لمسار، بل بداية لتحول كبير في الوعي الشعبي والسياسي. إنها ثورة تعكس طموحات شعب يبحث عن الكرامة، ويصر على نيل حريته واستقلاله، واستعادة قراره الوطني المختطف، من جهة، ومن جهة أخرى بداية لنوع جديد من المؤامرات والمحاولات لافشال هذه الثورة، وكانت جلية في العدوان السعودي الأمريكي طوال العقد الماضي، الأمر الذي فرض تحديات خطيرة أزاحت أولويات الثورة في التنمية والإصلاح الإداري والمالي والسياسي، لصالح الدفاع عن الارض والقرار والسيادة.
ورغم التحديات الكبيرة التي واجهتها منذ انطلاقتها، فإنها ما تزال -حتى اليوم- تمثل -لدى قطاعات واسعة من الشعب اليمني- أملاً حقيقياً في بناء وطن مستقل، يتسع للجميع، ويُدار بإرادة وطنية خالصة، بعيداً عن الوصاية والهيمنة والتبعية.
وقد حققت الكثير من الإنجازات، بفعل تكاملي بين الشعب والقيادة،  صموداً وثباتاً، وتحركاً للتغيير ولو بشكل بطيء في إدارة البلد والسياسات الإدارية والاقتصادية الناجحة، إلى جانب النجاحات الأمنية، وفرض السكينة والطمأنينة رغم التحديات.
واليوم، وبعد أكثر من عقدٍ على انطلاقتها، لا تزال الثورة تواجه محاولات محمومة من قوى إقليمية ودولية، في مقدمتها الولايات المتحدة والنظام السعودي والاماراتي، وينضم لهم الإسرائيلي بوضوح، يسعون لإعادة اليمن إلى مربع الوصاية والتبعية، عبر أدوات داخلية تحركها أجنداتهم، وتعمل على تقويض الاستقلال الوطني.
لكن، وبرغم حجم المؤامرات وشراستها، تثبت الثورة -يوماً بعد آخر- أنها أكثر صلابة وقدرة على الصمود والمواجهة، مستندة إلى وعي شعبي متجذر، وإرادة لا تنكسر، وإيمان راسخ بحق اليمنيين في تقرير مصيرهم، وبناء دولتهم الحرة والمستقلة.