موقع أنصار الله - بيروت – 7 جمادى الآخرة 1447هـ

بعد عام كامل على اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان والعدو "الإسرائيلي،" يتواصل مسلسل الخروقات الصهيونية بلا انقطاع، تحت غطاء أميركي واضح، فيما بقيت بنود الاتفاق منذ اليوم الأول حبراً على ورق من جانب العدو الذي لم يلتزم بأيّ من تعهداته، مستمراً في اعتداءاته ومتمادياً في نسف الأسس التي قامت عليها التهدئة.

فمنذ الأيام الأولى للتهدئة، لم يتوقف العدو عن تنفيذ غارات وعمليات اغتيال في القرى المتاخمة للحدود وفي مختلف مناطق جنوب لبنان والبقاع شرقاً، مستهدفاً أيضاً مخيمات اللجوء الفلسطيني من دون أيّ إنذار مُسبق.

وامتدّت الاعتداءات لتشمل الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت، حيث نفّذ العدو هجماتٍ متكررة أدّت إلى استشهاد عدد من اللبنانيين وإصابة آخرين، كما أنّ مواقع الجيش اللبناني وقوّة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان "اليونيفيل" لم تسلم من الاعتداءات في مؤشرٍ واضح على أنّ خروقات التهدئة باتت جزءاً من سياسة عسكرية مستمرة تتجاوز حدود الجنوب إلى عمق البلاد.

وتُظهر الأرقام الرسمية الأخيرة الصادرة عن وزارة الصحة اللبنانية أنّ حصيلة العدوان الصهيوني منذ 27 نوفمبر الماضي – تاريخ بدء تنفيذ اتفاق وقف الأعمال العدائية – وحتى 25 نوفمبر الجاري، تجاوزت 330 شهيداً وأكثر من 900 جريح، في ظلّ استمرار الغارات والاستهدافات العسكرية على الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت.

وفي السياق نفسه، كان المقرّر الخاص للأمم المتحدة المعني بحالات الإعدام خارج نطاق القضاء، موريس تيدبول بنز، قد شدّد في تصريح سابق على أنّ الاعتداءات الصهيونية المتكرّرة على المدنيين والبُنى المدنية في لبنان ترقى إلى "جرائم حرب"، وتشكل "انتهاكاً خطيراً لميثاق الأمم المتحدة ولقرار مجلس الأمن 1701، وللسيادة اللبنانية".

بهذا، يعيد التقرير الأممي تسليط الضوء على اتساع الهوّة بين النصوص الدولية التي يفترض أن تنظّم وقف الأعمال العدائية، والواقع الميداني الذي يشهد تصعيداً مستمراً من جانب العدو "الإسرائيلي"

وشدّد اتفاق وقف إطلاق النار بوضوح على امتناع كيان العدو عن استهداف الأراضي اللبنانية برّاً وبحراً وجوّاً، مقابل توقف حزب الله عن عملياته والتزام الطرفين بالقرار 1701 وحماية قوات "اليونيفيل"، كما منح الجيش اللبناني صلاحيات واسعة لضبط السلاح جنوب الليطاني وتفكيك البنى العسكرية غير المصرح بها.

وتضمّن الاتفاق خطةً لنشر 10 آلاف جندي في الجنوب وانسحاباً تدريجياً لقوات العدو إلى ما بعد الخط الأزرق خلال 60 يوماً، لكن الوقائع الميدانية التي تلت دخول الاتفاق حيّز التنفيذ جاءت مناقضة بالكامل لروحه، مع استمرار الاعتداءات "الإسرائيلية" وتوسّع رقعتها على نحو يقوّض أسس التهدئة.

بعد انقضاء مهلة الستين يوماً المنصوص عليها في الاتفاق، والتي مُدِّدت حتى 18 فبراير من جانب العدو من دون موافقة العدو ومن دون أن تُنفَّذ، امتنعت "إسرائيل" عن الانسحاب من المواقع التي تحتلّها جنوباً. فالوقائع الميدانية تظهر أنّ قوات العدو لا تزال متمركزة حتى اليوم في أكثر من 5 تلال أساسية: الحمامص مقابل بلدة الخيام، الدواوير مقابل مركبا، جبل الباط مقابل عيترون، اللبونة مقابل الناقورة، وجبل بلاط مقابل مروحين، مع توسيع انتشارها في محيط هذه النقاط، الأمر الذي يعكس بوضوح عدم نيّة انسحاب العدو في المدى القريب.

وفي أعقاب سريان الاتفاق، شُكّلت لجنة خماسية برئاسة الولايات المتحدة، تضم ممثلين عن فرنسا ولبنان و"يونيفيل" وكيان العدو، لتتولى الإشراف على وقف الأعمال العدائية. اللجنة، التي تُعرف باسم "الميكانيزم"، عقدت حتى الآن 13 اجتماعاً في رأس الناقورة، لكن اجتماعاتها انطلقت بوتيرة متباطئة أثارت امتعاضاً لبنانياً من آلية عملها.

وخلال مهلة تنفيذ الاتفاق وما تلاها، شهد الجنوب تصاعداً ملحوظاً في الخروقات الصهيونية التي وضعت الاتفاق برمّته تحت التهديد، مع استمرار الغارات والتحليق المسيّر واتساع رقعة الاعتداءات. وقد طالت الاعتداءات الصهيونية هذا العام مواقع للجيش اللبناني، ما أدّى إلى سقوط شهداء وجرحى، كما استهدفت قوّة "اليونيفيل" وتسبّبت بإصابات في صفوف عناصرها مباشرة أو بصورة غير مباشرة.

ومع تزايد المخاوف من توسيع "إسرائيل" عملياتها، تكثّفت الاجتماعات خلال الشهرين الأخيرين، وسط إصرار لبناني على أن تؤدي اللجنة دوراً فعّالاً في مسار إنهاء العدو، المطلب الذي لم يلقَ أيّ تجاوب من كيان العدو حتى الآن.

ومع مرور الوقت، أصبح واضحاً أنّ لبنان يتعرّض لسلسلة استهدافات شبه يومية، من غارات جوية إلى تدمير أراضٍ زراعية، فضلاً عن طائرات استطلاع لا تغادر الأجواء اللبنانية. وتُظهر بيانات قوات "اليونيفيل" حجم الخروق المستمرة، مسجّلة منذ توقيع الاتفاق أكثر من 7500 انتهاك جوي "إسرائيلي"، و2500 بري شمال "الخط الأزرق".