كشفت البحرية الأمريكية نتائج التحقيقات التي أجرتها بشأن خسائر مجموعة حاملة الطائرات (هاري ترومان) أثناء مواجهة الجيش اليمني في البحر الأحمر، والتي تضمنت فقدان ثلاث مقاتلات من طراز (إف-18) وإصابة الحاملة بأضرار نتيجة اصطدامها بسفينة تجارية، وأقرت نتائج التحقيقات بأن هجمات الجيش اليمني فرضت ضغوطاً هائلة على القوات الأمريكية، كما أقرت بأن صاروخاً يمنياً كاد يصيب حاملة الطائرات في مايو الماضي.
وبحسب تقرير مطول نشره موقع أخبار المعهد البحري الأمريكي، الجمعة، فإن التحقيقات التي نُشرت الخميس ركزت على أربعة حوادث وقعت بين أواخر ديسمبر 2024، وأوائل مايو 2025، أثناء فترة انتشار حاملة الطائرات (هاري ترومان) والسفن المرافقة لها في البحر الأحمر لمواجهة الجيش اليمن وهي المهمة التي شملت حملة القصف المكثفة التي شنتها إدارة ترامب على مدى 52 يوماً ضد اليمن.
الحادث الأول الذي ركزت عليه التحقيقات هو إسقاط مقاتلة (إف-18 سوبر هورنيت) بـ”نيران صديقة” الطراد الصاروخي (يو إس إس جيتيسبيرغ) التابع لمجموعة (هاري ترومان) في ديسمبر 2024، ووفقاً للتحقيقات فإن طاقم السفينة (جيتيسبيرغ) “كان في بعض الأحيان غير متصل ببقية المجموعة الضاربة أثناء العمل عن بعد، ولم يكن يشارك في اجتماعات التخطيط قبل مهمة الضربة الأولية في 21 ديسمبر”.
وأضاف التحقيق أن “خطة الهجوم والدفاع الجوي المرتبط به لم تكن مفهومة جيداً لدى (جيتيسبيرغ) ولم يفهم مختلف أعضاء فريق المراقبة في مركز معلومات القتال توقيت الحدث، أو خطة المغادرة والعودة إلى القوة، أو الاستجابة للتهديد المحتمل”.
وزعم التحقيق أن “العديد من الأنظمة التي تُحدد الطائرات الصديقة كانت إما مُطفأة أو لا تعمل، ولم يُبلّغ عن العديد من هذه الأعطال لقيادة المجموعة الهجومية على حاملة الطائرات قبل انطلاق أول سلسلة رئيسية من المهام الهجومية في 21 ديسمبر”.
ويروي التحقيق أنه في يوم الحادث “طارت دفعات من طائرات (سوبر هورنيت) من حاملة الطائرات (هاري إس ترومان) إلى اليمن لضرب أهداف الجيش اليمني بينما كانت السفن الحربية (جيتيسبيرغ) و(ستاوت) و(يو إس إس جيسون دونهام) و(يو إس إس سوليفان) ومجموعة من طائرات (سوبر هورنيت) الدفاعية تعمل بالقرب من حاملة الطائرات.. وبعد إطلاق حزمة الضربات مباشرة تقريباً، كان هناك رد فعل يمني أسرع من المتوقع، مما أدى إلى استهداف واسع النطاق من قبل الدفاعات المتاحة للتهديدات الجوية”.
وأضاف: “أطلق الجيش اليمني موجات من الطائرات المسيّرة المضادة للسفن وأحادية الاتجاه لساعات، بينما كانت المجموعة الضاربة تتصدى للتهديدات، وعلى متن حاملة الطائرات، وجّه قائد المجموعة بعض طائرات (سوبر هورنيت) العائدة من مهام هجومية للانضمام إلى المقاتلات التي تحمي المجموعة، وبالإجمال، وقعت 14 طلعة جوية مختلفة للدفاع الجوي على مدار أربع ساعات، وشاركت فيها 11 طائرة فردية، بدلاً عن ست طلعات جوية كانت مجدولة”.
وبحسب التحقيق فإن السفينة (جيتيسبيرغ) أبلغت المجموعة عند الساعة 1:40 دقيقة بأن المنطقة خالية من آثار معادية، ولكن على مدار الأربعين دقيقة التالية تلقت مجموعة الدفاع الجوي أوامر متضاربة وظلت في الجو، وعلى متن الحاملة (هاري ترومان) وجّه القائد الذي أشرف على الهجمات في اليمن المقاتلات الدفاعية المتبقية بالعودة إلى حاملة الطائرات، ولكن الأمر لم يكن مفهوماً لكامل قطع مجموعة حاملة الطائرات، ومع عودة المقاتلات إلى الحاملة، كانت مناوبات موقعين رئيسيين في مركز معلومات القتال التابع للسفينة (جيتيسبيرغ) قد تغيرت، وكان البحارة يستعدون لهبوط مروحية على سطحها، مما قلل من تغطية رادار البحث الجوي التابع للسفينة، وفي الوقت نفسه، تعطلت طائرة (إي-2 دي هوكآي) التي كان رادارها يشرف على المجموعة الضاربة بأكملها، ونقلت مسؤولياتها إلى إحدى المدمرات”.
ويذكر التحقيق أن “المدمرة التي تولت المسؤولية لم تكن على علم بمكان بقية مقاتلات الدفاع الجوي، ولم تكن تعلم أن نظام تحديد الصديق من العدو لدى سفينة (جيتيسبيرغ) كان معطلاً، وبالنسبة للمراقبين الجدد، ظهرت المقاتلات على شاشاتهم كجهات اتصال مجهولة”.
وبسبب ذلك، يقول التحقيق إن “فريق مركز العمليات المشتركة في (جيتيسبيرغ) اعتقد أن هذه المقاتلات كانت صواريخ كروز مضادة للسفن تابعة للعدو، وأصدر قائد السفينة، الكابتن جوستين هودجز، توجيهاته لطاقمه بإطلاق صاروخين من طراز (إس إم-2) على طائرتين، بدون التحقق من وسائل أخرى”.
ويروي التحقيق أن “طيار مقاتلة (سوبر هورنت) شاهد إطلاق الصاروخ من السفينة الحربية، لكنه كان في حيرة بشأن الهدف”.
ونقل التحقيق عن طيار قوله في ذلك الوقت: “يا إلهي، هذا الأمر جنوني، لا أصدق أنهم يسقطون طائرة بدون طيار الآن”.
ولكن في غضون ثوانٍ “أدرك الطيار وضابط أنظمة الأسلحة أنهما هدفان، فقفزا من الطائرة (سوبر هورنت) قبل أن يتم تدميرها بالصاروخ الأول، فيما تمكنت الطائرة الثانية من طراز (سوبر هورنت) من تنفيذ مناورة مراوغة وكان طاقمها على وشك القفز، لكن الصاروخ الثاني من طراز (إس إم-2) تم تعطيله قبل الاصطدام”، حسب ما جاء في التحقيق.
وقال قائد الطائرة الثانية: “لقد مر الصاروخ على بُعد ١٠٠ قدم من طائرتنا، وهزّها، ثم انفجر على يسارنا فوق سطح الماء”.
وجاء في التحقيق أنه “كان من الممكن التخفيف من حدة المشاكل الكامنة في (جيتيسبيرغ)، من خلال التخطيط الفعال والتنفيذ في الوقت المناسب قبل العمليات الهجومية في 21 ديسمبر، لكن لم يحدث أيٌّ من ذلك، وقد أدت إخفاقات محددة في عملية التخطيط إلى تفاقم سيناريو التكامل الصعب أصلاً للمجموعة الهجومية”.
وأشار تقرير المعهد البحري الأمريكي إلى أن “هودجز” غادر قيادة السفينة (جيتيسبيرغ) في يناير 2025، بعد تغييره.
ونقل التقرير عن مسؤول كبير في البحرية الأمريكية قوله: “لقد استثمرنا أكثر من 55 مليون دولار منذ هذه الحادثة لتصحيح عيوب نظام أسلحة (إيجيس)” وهو النظام الأساسي الذي تعمل به السفن الحربية الأمريكية
الحادث الثاني التي حققت فيه البحرية الأمريكية، كان اصطدام حاملة الطائرات (هاري ترومان) بالسفينة التجارية (بشيكتاش إم)، وذلك بعد شهرين من الحادث الأول، أثناء عبور الحاملة من اليونان إلى قناة السويس.
وتوصل التحقيق الذي أجراه الأدميرال تود ويلان، إلى أن “سوء الإدارة البحرية، والافتقار إلى التدريب أديا إلى الاصطدام الذي وقع في 12 فبراير 2025 بالقرب من بورسعيد في مصر”، حسب ما نقل التقرير.
واكتشف التحقيق “سلسلة من الأخطاء التي وقعت على الجسر في ذلك المساء قبل الاصطدام، بما في ذلك سجلات سطح السفينة المسجلة بشكل غير صحيح، والاتصالات غير الفعالة بين البحارة، وعدم وجود إرسال نظام التعريف التلقائي من حاملة الطائرات”.
كانت حاملة الطائرات تبحر بسرعة 19 عقدة عندما اصطدمت بالسفينة التجارية، وأدى ذلك إلى “تضرر رافعة طائرات تقع في مؤخرة مصعد الطائرات الأيمن للحاملة، واختراق الهيكل فوق خط الماء في مؤخرة الحاملة”، وبعد أسبوع من الاصطدام، أقالت البحرية الأمريكية الكابتن سنودن من قيادة (هاري ترومان).
ولم تكن معركة البحر الأحمر غائبة عن هذا الحادث، حيث أشار التحقيق إلى أن “الإرهاق كان عاملاً بشرياً في التصادم”، لافتاً إلى أن “رؤساء الأقسام وصفوا أجواء العمل على متن الحاملة بأنها كانت تفرض ضغوطاً لإنجاز المهام”.
ونقل تقرير المعهد البحري الأمريكي عن مسؤول كبير في البحرية الأمريكية قوله إن “بيئة القتال في البحر الأحمر كانت صعبة، والخدمة تعاني من نقص في الأفراد”.
وقال المسؤول: “لدينا 18,000 فجوة في البحر، ونعمل جاهدين على تجاوزها، ومع ذلك، لا يأذن قادة الأساطيل للسفن أو الأسراب أو الوحدات بالانتشار إلا إذا كانت مُجهزة ومدربة ومُجهزة لتنفيذ تلك المهمة، وهذا لا يعني أننا لن نُعرّض هؤلاء البحارة لمواقف صعبة، كما فعلنا مع (هاري ترومان)”.
وذكر التحقيق أن الإصلاحات التي تم إجراؤها للحاملة بعد الاصطدام، كلفت البحرية 685 ألف دولار، وتضمنت جهود سد الثقوب، وإقامة حاجز مؤقت، واستبدال قضبان الأمان، وإضافة دعامات هيكلية، وإزالة المواد التالفة غير الهيكلية، بحسب التحقيق.
ومع ذلك كشفت صور تم نشرها مؤخراً أن أضرار الاصطدام ما زالت موجودة بشكل واضح على هيكل حاملة الطائرات (هاري ترومان) وقد لجأت البحرية إلى طلائها بلون مماثل للون الهيكل وتغطيتها بلافتات ضخمة لإخفائها، وهو ما يعني أن الإصلاحات التي تم الحديث عنها كانت أولية.
وأشار التحقيق إلى أنه كان هناك ثمانية بحارة في مساحة تبعد أقل من ثلاثة أمتار عن موقع الاصطدام، وكان من الممكن أن يؤدي تغيير في مسار السفينة بمقدار درجة واحدة إلى التسبب في ثماني وفيات.
وأضاف: “كان من الممكن أن يُسبب تغيير طفيف في توقيت الاصطدام أو زاويته نتائج كارثية، فلو وقع الاصطدام على بُعد 100 قدم للأمام، لكان من المرجح أن يُسبب ثقباً في حجرة ينام فيها 120 بحاراً”.
الحادث الثالث الذي تم الكشف عن نتائج التحقيقات فيه، كان فقدان مقاتلة (إف-18 سوبر هورنت) أخرى في 28 أبريل 2025، من على متن حاملة الطائرات (هاري ترومان) في البحر الأحمر، وذلك أثناء حملة القصف التي نفذتها إدارة ترامب ضد اليمن وشاركت فيها الحاملة.
وذكر التحقيق أن “الحاملة كانت تبحر بسرعة تقارب 15 عقدة، عندما أعلن ضابط العمليات التكتيكية عن اقتراب صاروخ باليستي متوسط المدى، وقام فريقٌ مُختصٌّ في حظيرة الطائرات بإزالة دعامات العجلات وسلاسل التثبيت من طائرة (سوبر هورنت) مُتوقفة في المصعد، لسحبها إلى الحظيرة حتى يتم إغلاق أبواب سطحها”.
وأضاف أنه “في الوقت نفسه، أجرت حاملة الطائرات مناورة مراوغة- وفقاً لإجراءات التشغيل القياسية- بزيادة سرعتها إلى 30 عقدة (55.5 كيلو متر في الساعة)، ثم الانعطاف يميناً بمقدار 10 درجات قبل زيادة معدل الانعطاف إلى 15 درجة، وقد أدى هذا المعدل المتزايد إلى ميل السفينة بشكل أسرع قبل أن يتم التخفيف إلى 10 درجات، ثم إلى درجتين”.
وبحسب التحقيق فإن “المقاتلة غير المُثبّتة وجرار السحب بدآ بالتدحرج إلى الخلف، مما أجبر سائق المكابح في قمرة قيادة الطائرة، وسائق الجرار على القفز من موقعيهما قبل أن تتهاوى الطائرة والجرار من الحافة”.
وقال المحققون إن الطائرة “ربما عانت من فشل في نظام الفرامل” وأشاروا إلى وجود “وجود طلاءً غير فعال مانع للانزلاق في حظيرة الطائرات، والذي لم يتم استبداله منذ يناير 2018”.
ونقل التحقيق عن نائب الأدميرال جون غامبلتون، الذي كتب خطاب المصادقة النهائي للتحقيق، قوله إن “ضعف التواصل بين قمرة القيادة والسطح وحجرة حظيرة الطائرات ساهم بشكل كبير في الحادث”.
ووفقاً لما نقلته وكالة “أسوشيتد برس” فإن “سطح السفينة كان أكثر قذارة وانزلاقاً من المعتاد، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن الوتيرة التشغيلية العالية لعمليات الطيران القتالية أعاقت عمليات التنظيف المنتظمة التي تستمر عشرة أيام والتي كانت ضرورية”.
وأشارت الوكالة إلى أن المحققين “لم يتوصلوا إلى سبب عدم تشغيل مكابح الطائرة على وجه اليقين، بسبب وجودها تحت الماء، لكنهم أوصوا بتجريد البحار المسؤول عن تشغيل المكابح من مؤهلاته لأنه أظهر أوجه قصور في المعرفة المطلوبة وفهم النظام”.
وبرغم أن مسؤولين أمريكيين كانوا قد اعترفوا لوسائل الإعلام بأن فقدان هذه المقاتلة جاء أثناء مناورة لتجنب صاروخ يمني، فهذه هي المرة الأولى التي تعترف فيها البحرية الأمريكية بشكل رسمي بذلك.
وكان الحادث الرابع الذي ركزت عليه التحقيقات هو فقدان مقاتلة (إف-18) سوبر هورنت تابعة لحاملة الطائرات (هاري ترومان) في السادس من مايو، بالبحر الأحمر أيضاً، قبل ساعات من إعلان إدارة ترامب عن وقف إطلاق نار ثنائي مع اليمن.
وذكر التحقيق أن الطائرة أخفقت في عملية الهبوط على متن حاملة الطائرات، حيث حدثت فوضى وشوهدت ألسنة لهب أثناء عملية الهبوط.
وأقرت البحرية الأمريكية بأن الحادث وقع نتيجة “وتيرة العمليات السريعة، وضعف الكوادر والتدريب، وضعف المعرفة، بالإضافة إلى ممارسات الصيانة غير القياسية، وضعف معدات التوقف، وانخفاض مستوى المعرفة بشكل عام بين أفراد معدات التوقف”.
ووفقاً لما نقلته وكالة “أسوشيتد برس” فقد أقر التحقيق بأن “حاملة الطائرات كانت تواجه عدداً لا يحصى من هجمات الطائرات بدون طيار والصواريخ المجنحة، وعمليات قتالية عديدة، وحوادث إضافية، وتمديدات في الانتشار، مما أدى إلى زيادة الضغوط، وتأخر الصيانة الدورية”.
وأشار التحقيق إلى أن إصلاح الكابلات المعطلة كلف 207 آلاف دولار.
وقالت وكالة “أسوشيتد برس” في تقرير لها، إن نتائج التحقيقات “ترسم صورة لحاملة طائرات لم تتعرض لهجماتٍ صاروخيةٍ مُنتظمةٍ أرهقت الطاقم فحسب، بل تَعرَّضت أيضاً لضغوطٍ تشغيليةٍ أخرى ضغطت على كبار القادة لدرجةٍ جعلت قبطان السفينة وملاحها يُعانيان من قلة النوم، كان ذلك في منتصف فترة انتشارٍ استمرت ثمانية أشهر، بينما كان من المقرر أصلاً أن تستمر ستة أشهر”.
وأضافت أن “التحقيقات وجدت أنه في بعض أقسام حاملة الطائرات، أدت العمليات القتالية المكثفة إلى خدر بين أفراد الطاقم، وفقد بعض البحارة القدرة على رؤية الغرض من دورهم في المهمة”.
ونقلت الوكالة عن برادلي مارتن، الباحث البارز في مجال السياسات في مؤسسة (راند) والكابتن المتقاعد في البحرية، قوله إن “الحوادث التي وقعت مع حاملة الطائرات ترومان كانت بمثابة جرس إنذار للبحرية بشأن متطلبات المعركة ومخاطر الإفراط في تحميل السفن وطاقمها”.
وأضاف: “الرسالة الواضحة من هذا الانتشار هي أن البحرية ليست مستعدة للتعامل مع حقيقة القتال الممتد”، مشيرة إلى أن حاملة الطائرات “كانت بوضوح كانت تعمل على حافة خشنة”.
وتابع: “مستوى التهديد الجوي القادم من الحوثيين لا يُقارن إطلاقاً بالتهديد الصيني، ولكنه كان كافياً لإثارة القلق. وأعتقد أن ما رأيناه كان ضعفاً كبيراً في الجاهزية والإعداد”.