لماذا نحن إذا ما اتبعنا القرآن لا يحركنا؟ هل نحن نتبع ما أنـزل الله إلينا؟ ولكنه لا يحركنا؟ إذاً نحن غير متبعين للقرآن وغير متبعين لمحمد (صلوات الله عليه وعلى آله).
ونحن لا نزال تمر السنين علينا سنة بعد سنة، تطلع لحيتك، ثم يبدأ الشيب فيها، ثم تصفى شيب، ثم تتعصى ثم تموت، وسنة بعد سنة ونحن لا نفكر من جديد في تصحيح وضعيتنا مع الله سبحانه وتعالى، وفي أن نلتفت التفاتة واعية إلى القرآن وإلى واقعنا, ما بالنا؟ لم نتساءل حتى ونحن نقرأ القرآن عندما نصل إلى قوله تعالى: {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً} بعد أن تحدث عن المسلمين كيف يجب أن يكونوا حتى يصلوا إلى درجة أن يضربوا الآخرين فيصبحـوا فيما إذا تحركـوا هم ضدك لن تكون حركتهم أكثر من مجرد أذية, طنين ذباب لا أثر له {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ} (آل عمران:111) {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ}(آل عمران:112).
ألسنا نقرأ هذه الآية، ثم لا ننظر إلى أنفسنا؟ إذاً فما بال هؤلاء الذين قد ضُربت عليهم الذلة والمسكنة هم من يهيمنون علينا؟ هل أحد منا يتساءل هذا السؤال عندما يصل في سورة إلى هذه الآية؟. هل أحد يتساءل: هؤلاء قوم ضرب الله عليهم الذلة والمسكنة, وباءوا بغضب من الله ونراهم مهيمنين علينا إذاً ما بالنا؟!. ما السبب؟. هل أحد يتساءل؟؟. لا نتساءل, لا نتساءل جميعاً لا نحن ولا علماؤنا ولا كبارنا ولا صغارنا، لا نتساءل نتلو القرآن هكذا بغير تأمل أشبه شيء بالطنين في شهر رمضان وفي غير رمضان، لا نتساءل، لا نتدبر، لا نتأمل، لا نقيّم الوضع الذي نعيشه.
ثم في نفس الوقت لا ننظر من جهة أخرى إلى أنه هل بالإمكان أن نصل إلى الجنة؟ هل نحن في طريق الجنة أو أن طريق الجنة طريق أخرى؟ طريق الجنة هي طريق أولئك الذين قال عنهم في هذه السورة بالذات: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٌ} (المائدة:من الآية54).
ما هم من نوعيتنا نحن نقول: ما نشتي مشاكل, ما هذه الكلمة معروفة عندنا: ، القرآن هو يلغي هذه، ومن يقولون هذه الكلمة أبداً لا يمكن أن يكونوا من أهل الجنة ولا يمكن أن يكونوا ممن يعزون دين الله, ولا ممن يعتزون في الدنيا ولا ممن يعتزون في الآخرة.
ويقول عن هذه النوعية: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} ألسنا أقوياء على بعضنا بعض في الخصومات؟ وكل واحد منا يقرح كل ما يملك في رأس الآخر على مشرب, والاّ على قطعة أرضية والاّ على أي حاجة وأذلاء أمام الكافرين، أمام أهل الباطل، أمام اليهود والنصارى أذلاء.
يذل الكبير فينا ونحن نذل بذله، يخاف الرئيس أو الملك فيقول: أسكتوا, لا أحد يتحدث, ونحن نقول: تمام. ولا نتحدث, ونسكت، يخاف ونخاف بخوفه إلى هذه الدرجة أصبحنا, أذلة أمام اليهود والنصارى، أذلة أمام أهل الباطل والله يقول عن تلك النخبة: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٌ}.
{يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} ينطلقون هم؛ لأنهم قوم كما قال عنهم: {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} ليسوا حتى بحاجة إلى كلام كثير يزحزحهم, ويدفعهم فينطلقون متثاقلين. هم من ينطلقون بوعي كامل وبرغبة كاملة؛ لأنهم يحبون الله {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} ومن يحب الله لا يبحث عن المخارج والممالص من عند سيدي فلان أو سيدنا فلان.
من يحب الله لا يبحث عن أسئلة هم قوم يبحثون عن العمل الذي فيه رضى الله؛ لأنهم يحبون الله والله يحبهم.
{يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٌ} لم يقل حتى، ولا يخافون قتل قاتل،أو لا يخافون القتل. أساساً هم منطلقون للجهاد, هم من يريدون أن يستبسلوا ويبذلوا أنفسهم في سبيل الله، أن تخوفه بالقتل هذا شيء غريب هو شيء لا يثيره ولا يخيفه؛ لأنه يجاهد.
ماذا بقي أن تعمل؟ أن تلومه. قد يأتي اللوم مثلاً يقول: . من هذا اللوم يحصل؟ هم واعون لا يخافون لومة لائم، عارفون لطريقهم وعارفون لنهجهم وعلى بصيرة من أمرهم، لا يمكن لأحد أن يؤثر فيهم فيما إذا لامهم.
{وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٌ} أما أن يخاف المشاكل أو يخاف القتل فهذا الشيء الذي لا تستطيع أن تخيفه به؛ لأنه منطلق مجاهد، أن تنطلق إلى مجاهد لتخوفه بالقتل هذا غير صحيح، هو لن يتأثر. أن تخوف الإمام علي في بدر بالقتل هل سيخاف؟ لا يمكن أن يخاف وهو في ميدان الجهاد، وهو انطلق مجاهد مستبسل يبذل نفسه في سبيل الله.
دروس من هدي القرآن الكريم
لا عذر للجميع أمام الله
ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي
بتاريخ: 21/12/1422ه
اليمن - صعدة