موقع أنصار الله | من هدي القرآن الكريم | 

 

 

{وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً} هذه وحدها تكفي لمن يتأمل؛ لأننا نقول: إن الله سبحانه وتعالى هو العالم هو العليم {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} (الأنعام: من الآية73) {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} (البقرة: من الآية255) {يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} (الفرقان: من الآية6) إذاً هو العالم.. أليس كذلك؟ هو العالم واسع العلم، هو من أحاط بكل شيء علماً، فهو من يجب أن نلتفت نحوه ليعلمنا، وليس فقط أن ندعوه أن يرزقنا العلم وننطلق من مصادر أخرى نبحث عن العلم. 
{وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي} زدني أنت {عِلْماً}، حتى العلوم الأخرى هذه الاختراعات، وعلوم الصناعة، يقال: إن كثيراً من المخترعين ـ وهم أثناء تجاربهم ـ يلمسون وكأن هناك شبه توفيق إلهي أو تدخل إلهي في المسألة، فيرشدهم إلى شيء معين فيبتكر شيئاً من خلال تجاربه المتعددة. 

يلمس البعض منهم يداً غيبية تتدخل في القضية، يطلب الشيء فيبرز إلى الوجود من الاختراعات العظيمة غير ذلك الشيء الذي كان متجهاً نحوه وهو يجري تجارب يريد شيئا آخر.
واسع العلم، من وسع كرسيه السموات والأرض، من أحاط بكل شيء علماً.. أليس هو الذي ينبغي أن نعرفه من خلال ما يهدينا إليه هو، من خلال كتابه الكريم؛ لأنه هو من خلقنا، هو من يريد أن نعرفه تلك المعرفة التي تترك أثراً في نفوسنا، وليست معرفة بمجرد المعرفة، أو علماً بمجرد العلم، فنقول: كم قرأت في كتب الكلام؟ -التي سميت فيما بعد: !- كتاب كذا، وكتاب كذا، وكتاب كذا، إلى آخره.. ما شاء الله، نقول هكذا.

عالم.. عالم لمجرد العلم، وعقائد لمجرد العقائد، علم محدود عقائد أتعامل معها بشكل أحكام أصدرها، وليس هناك أثر لها في النفس.
أما القرآن الكريم فهو كتاب عملي، كتاب عملي، معرفة تترك أثراً في النفوس، تترك هذه النفوس أثراً في الحياة، معرفة تزكو بها النفوس، فينعكس أثر هذه النفوس صلاحاً في هذه الحياة، والله سبحانه وتعالى هو الذي خلق الإنسان هو يعلم من أين يأتي له، وكم هي المداخل ليعرف إلهه، المعرفة العملية.. ألسنا نرى في القرآن الكريم كيف كان يهدد الكافرين بجهنم، هذا على طريقة المعتزلة ونحوهم غير منطقي؛ لأنه تهدد الكافرين بجهنم، وهو بعد لم يؤمن بمحمد ولا بالقرآن، لم يؤمن بعد بهما حتى تهدده بجهنم، وجهنم إنما جاء الخبر عنها من قبل القرآن الكريم ومن قبل رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله).. إذاً فهذا غير منطقي، سيكون كثير من القرآن غير منطقي.

لكن من يدري أن الله سبحانه وتعالى هو الذي يعلم أن هذا الإنسان ـ وإن كان ما يزال جاحداً ـ أن أسلوب القرآن وأسلوب النبي (صلوات الله عليه وعلى آله) هو ذلك الأسلوب الذي ينفذ إلى أعماقهم رغماً عنهم، ينفذ إلى أعماق نفوسهم رغماً عنهم.
فيسمع التهديد والإنذار بأنه إذا ما كذبوا قد يحيق بهم ما حاق بالأمم السابقة، قوم صالح.. وقوم هود وقوم نوح.

ألم يظهر في القرآن الكريم تهديد للكافرين، كيف تهددهم وهم بعد لم يؤمنوا بالقرآن الكريم ولم يؤمنوا بمحمد (صلوات الله عليه وعلى آله)؟ لكن محمداً, شخصية محمد (صلوات الله عليه وعلى آله)، كماله والمعجزات التي تظهر على يديه هنا وهناك هي مما يترك أثره في النفس، حتى وإن كان صاحب هذه النفس ما يزال معلناً لكفره وجاحداً، عندما يسمع التهديد لا بد أن يترك أثره في النفس، ولو في لحظة من لحظات يومه أو ليلته، ولو قبيل نومه وهو فوق فراشه مسجى بلحاف، وهي اللحظة التي ـ عادة ـ يفكر الإنسان فيها كثيراً.

هذه المعرفة معرفة عملية تدفعك لتغوص إلى أعماق نفسك، ثم تدفعك عملياً إما أن تكون ممن ينطلق على وفق الهدى والإيمان، أو تتجلى هناك، تتجلى هناك خبيثاً منافقاً أو كافراً.. ما الذي حصل في تاريخنا نحن؟ عالم بعد عالم لم يظهر لك مؤمن بشكل صحيح أو منافق بشكل واضح أو كافر بشكل واضح، صفوف علماء من هذه الطائفة، وصفوف داخل هذه الطائفة، وصفوف هنا وصفوف هناك، لم تتجل الأشياء؛ لأن ما قدم, لأن ما في داخلهم ليس من النوع الذي يجلي بشكل كامل.
مع أن الجميع يصبغون ما يقدمونه بصبغة إيمانية، فهو لا يرى نفسه بالتأكيد أنه مصيب, أو أنه مخطئ، أنه مؤمن أو أنه منافق، أنه محق أو أنه مبطل، أنه مهتد، أو أنه ضال؛ ولهذا وجدنا في الساحة أشياء كثيرة من الضلال وأصحابها يقدمونها على أنها من دين الله، ويتعبدون الله بأنهم يقدمونها لعباده.. ضلال كثير نزل.

لكن القرآن الكريم هو وحده ـ إذا ما حاولت أن تهتدي به ـ ستعرف نفسك من خلاله، كتاب عملي، تعرف نفسك من خلاله، وتعرف الآخرين أيضاً من خلاله، وتعرف الفنون الأخرى من خلاله، وتعرف الحياة كلها من خلاله، وتعرف إلهك بالشكل الذي يليق بك كعبد له أن تعرفه به، تتجلى لك الأمور, تتجلى لك المواقف.
فنحن عندما نتحدث عن معرفة الله سبحانه وتعالى نتناول أشياء كثيرة من خلال القرآن الكريم مما قد يرى البعض بأنها تدل على جهل أن نتناولها ونحن في إطار الحديث عن معرفة الله, من أجل أن نعرف كيف نتولاه فنكون من أوليائه بتوفيقه.


دروس من هدي القرآن الكريم
معرفة الله نعم الله - الدرس الثاني
ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي
بتاريخ: 19/1/2002م
اليمن - صعدة