في خضم الصراع المتصاعد، لا يكتفي العدو الصهيوني بآلة حربه التقليدية، بل يطلق العنان لجيش خفي قوامه الشائعات والحرب النفسية، مستهدفاً وعي وروح الشعب اليمني الصامد. إن الإعلانات المسبقة عن استهداف الموانئ تحذيرات زائفة، و قنابل موقوتة تسعى لزعزعة الاستقرار الداخلي وبث بذور الخوف والقلق في النفوس.
هذا التكتيك الخبيث، الذي يندرج تحت مظلة الحرب النفسية، يهدف إلى تحقيق أهداف استراتيجية متعددة الأوجه. فمن جهة، يسعى العدو لخلق حالة من الإرباك والشلل في الحياة اليومية، وتحويل الترقب إلى عبء نفسي مستمر يضعف الروح المعنوية ويستنزف القدرة على المقاومة. وكما فعل جنكيز خان بتهديداته المرعبة، وكما تجلت الجوانب النفسية في خطة "فال جرون" النازية، فإن الهدف هنا هو الضغط النفسي لتحقيق مكاسب سياسية دون الحاجة إلى توسيع نطاق العمليات العسكرية المكلفة.
ومن جهة أخرى، ينطوي هذا التكتيك على هدف استخباراتي خفي. فمن خلال حث المدنيين على توثيق الهجمات المزعومة، يسعى العدو للحصول على معلومات آنية حول مواقع الضربات وتأثيرها، وهو ما يخدم أغراضه التكتيكية المستقبلية. وهنا، يتحول المواطن، دون قصد، إلى مصدر معلومات مجانية للعدو.
الأخطر من ذلك، هو الاستغلال الدعائي لهذه "اللقطات المدنية". فبدلاً من أن تكون دليلاً على وحشية العدوان، يتم تداول هذه الصور بشكل انتقائي في وسائل إعلام العدو لـ "رفع معنويات مستوطنيه المهزوزة" وتقديم صورة زائفة عن انتصارات وهمية تعوض عن هزائمهم المتلاحقة أمام صمود وبسالة الشعب اليمني. إن نشر صور "الغارات والتفجيرات والحرائق" يهدف إلى خلق صورة ذهنية تدعم روايات العدو الكاذبة للتقليل من تأثير العمليات النوعية التي تنفذها قواتنا الباسلة.
إن هذا الاستغلال البشع لوسائل التواصل الاجتماعي والهواتف المحمولة يؤكد على ضرورة إدراكنا العميق لأبعاد الحرب النفسية. فالحاجة الملحة لتعزيز معنويات العدو المنهارة، خاصة بعد الضربات الموجعة التي يتلقونها، تدفعه إلى فبركة ونشر هذه المشاهد المصطنعة.
إن التهديدات المستمرة والعيش تحت وطأة ترقب الهجمات يخلق إجهاداً نفسياً مزمناً لدى السكان. فالحياة في ظل عدم اليقين بشأن المستقبل القريب تحمل في طياتها عواقب وخيمة على الصحة النفسية، وقد تقلل من قدرة الأفراد على استيعاب الحقائق والتصدي لروايات العدو.
إن التاريخ حافلا بأمثلة على استخدام الإعلانات المسبقة عن الهجوم كأداة للحرب النفسية. ففي الحرب العالمية الثانية، كانت خطة ألمانيا "فال جرون" تعتمد بشكل كبير على الضغط النفسي على تشيكوسلوفاكيا وحلفائها. واستخدم الحلفاء المنشورات والبث الإذاعي لتقويض معنويات دول المحور.
وفي سياق مماثل، قامت القوات الجوية الأمريكية بإسقاط منشورات تحذيرية على المدن اليابانية قبل قصفها، ورغم المظهر الإنساني الظاهري، كانت هذه التحذيرات تهدف أيضاً إلى تعطيل عمليات العدو وخفض الروح المعنوية. وتكرر الأمر في الحرب الكورية وحرب العراق، حيث استخدمت قوات التحالف منشورات لإبلاغ المدنيين بالهجمات الوشيكة وتقويض الأنظمة المعادية. هذه الأمثلة التاريخية تؤكد أن هذا التكتيك ليس جديداً، ويتم استخدامه لخدمة أهداف عسكرية وسياسية أوسع.
الاعلام الرقمي ساحة معركة جديدة
في عصرنا الرقمي، أصبحت منصات التواصل الاجتماعي والصحافة المواطنة أدوات خطيرة يمكن أن يستغلها العدو دون قصد منا. فالانتشار السريع للمعلومات، بما في ذلك اللقطات غير المؤكدة، يمكن أن يخلق حالات الإرباك ويساهم في انتشار الدعاية المعادية بسرعة.
إن صعوبة التحقق من صحة المعلومات في البيئة الإعلامية المعقدة تجعل الأفراد أكثر عرضة للتلاعب. لذا، يصبح التفكير النقدي والإلمام بالإعلام ضرورة حتمية لتجنب الوقوع في براثن الدعاية المضللة. إن فهم رغبتنا الغريزية في الحصول على المعلومات الآنية وميلنا لمشاركة المحتوى المثير هو مفتاح تطوير استراتيجيات مضادة فعالة.
إن محاولة السيطرة على الرواية ومنع انتشار الشائعات الضارة في العصر الرقمي مهمة صعبة، بل إن قمع المعلومات قد يؤدي إلى نتائج عكسية. الحل الأمثل يكمن في تشكيل الرواية بشكل استباقي من خلال تقديم معلومات دقيقة وموثوقة. فبناء الثقة في المصادر الرسمية وتقديم تحديثات آنية وشفافة هو السلاح الأقوى لمواجهة الدعاية المعادية.
سلاح الوعي درعنا في وجه الحرب النفسية
لمواجهة هذه العمليات النفسية الخبيثة، يصبح بناء الوعي والصمود لدى المواطن اليمني ضرورة قصوى. إن تثقيف الأفراد حول تكتيكات وأهداف الحرب النفسية هو خط الدفاع الأول ضد التلاعب. ففهم آليات عمل الدعاية يمكن الأفراد من تقييم المعلومات بشكل نقدي ومقاومة تأثيرها.
يجب تشجيع المواطنين على التشكيك في مصادر المعلومات ودوافعها، خاصة قبل مشاركتها. فتطوير مهارات التفكير النقدي يمكنهم من تحليل المعلومات بموضوعية وتحديد التحيزات والنوايا التلاعبية المحتملة. كما أن تعزيز الإلمام بالإعلام يجعل الأفراد مستهلكين أكثر وعياً وأقل عرضة للدعاية.
من الضروري توضيح كيف أن مشاركة لقطات الهجمات، حتى بقصد التوثيق، يمكن أن يستغلها العدو لأغراض دعائية واستخباراتية. يجب حث المواطنين على الاعتماد على المصادر الرسمية والموثوقة للحصول على المعلومات وتجنب تداول الشائعات أو اللقطات التي تخدم أهداف العدو.
كما يجب العمل بنشاط على دحض روايات العدو وتقديم الحقائق. فمجرد الإنكار لا يكفي، بل يجب تبني استراتيجية استباقية لتشكيل البيئة الإعلامية وتقديم رواية بديلة مقنعة وصادقة تسلط الضوء على صمود الشعب اليمني وتفضح جرائم العدو وتكشف أكاذيبه.
يجب تنفيذ برامج لتعزيز الصمود النفسي لدى الأفراد والمجتمعات. فتدريب آليات التكيف ومهارات إدارة الإجهاد والتفكير النقدي يمكن أن يعزز قدرة السكان على مقاومة تأثير الدعاية المعادية. ويجب التركيز على الرسائل التي تعزز الوحدة والتضامن الوطني، لأن المجتمع المتحد هو الأقوى في مواجهة محاولات العدو لتقسيمه وإضعافه.
فهم التكتيكات ودوافعها لمواجهتها بفعالية
إن الإعلان المسبق عن الهجمات ليس سوى حلقة في سلسلة متطورة من تكتيكات الحرب النفسية التي تهدف إلى بث حالات الارباك وجمع المعلومات وتعزيز معنويات العدو المهزوزة. إن فهم هذه التكتيكات ودوافعه هو الخطوة الأولى نحو مواجهتها بفعالية.
إن الوعي العام والتفكير النقدي والمشاركة المسؤولة للمعلومات هي أدواتنا الأساسية في مواجهة هذه التهديدات النفسية. يجب على كل مواطن أن يكون يقظاً وأن يشكك في المعلومات التي يتلقاها، خاصة تلك التي تأتي من مصادر معادية. إن الاعتماد على المصادر الرسمية والموثوقة وتجنب نشر الشائعات أو اللقطات التي تخدم أهداف العدو هي خطوات حاسمة لإفشال مخططاتهم.
في الختام، نؤكد أن وحدتنا وصمودنا هما أقوى أسلحتنا في مواجهة هذا العدوان الشامل. فمن خلال الحفاظ على يقظتنا وتعزيز تماسكنا الاجتماعي وتطوير قدرتنا على مقاومة التلاعب النفسي، سننتصر بإذن الله وسنحفظ عزيمتنا وكرامتنا في وجه التحديات.