موقع أنصار الله ||مقالات ||شاهر أحمد عمير

ما أشد حاجة الأُمَّــة اليوم إلى وعيٍ يعيدها إلى توجيهات السماء، وإلى مرجعية ربانية تحفظ كيانها من التمزق والضياع، بعد أن أُقصيت الحقيقة وتقدّمت المصلحة السياسية على النص الإلهي. لقد رسم الله ورسوله للمسلمين خط الهداية والطاعة من الانحراف بقوله:

"إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ"، آية كريمة نزلت في شأن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، لتقرّر ولاية إلهية لا تقبل الجدل، وترسم للمسلمين خطًا واضحًا فيمن يتولّون أمرهم بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. هذه الآية لم تكن منعزلة عن السياق التاريخي والديني الذي بلغ ذروته في يوم الغدير، حين أعلن النبي الأكرم، وبأمرٍ من ربه، بعد أن نزل عليه قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ"، فوقف في وادٍ بين مكة والمدينة، في حر الظهيرة، وخاطب عشرات الآلاف ممن حجّوا معه، قائلًا: "ألستُ أولى بكم من أنفسكم؟" قالوا: بلى، قال: "فمن كنت مولاه فهذا عليٌّ مولاه، اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه... "

بهذا الإعلان النبوي الإلهي، خُتمت الرسالة، وكُمل الدين، وتمّت النعمة، وارتفعت راية الولاية لعلي بن أبي طالب عليه السلام، كامتداد للنبوة، وقيادة للأُمَّـة من بعد الرسول. ولكن سرعان ما انقلبت الأمور رأسًا على عقب بعد وفاة النبي، متجاوزين الإعلان العلني في غدير خم، ومتناسين أن أمر الخلافة لم يكن شورى بين الناس، بل نصٌّ من السماء، وتكليفٌ إلهي.

ما حدث عقبَ وفاة النبي كان نقطةَ الانحراف الكبرى في مسار الأُمَّــة؛ إذ تم إقصاء الإمام علي عليه السلام، وبدأ عهد جديد يقوم على اجتهادات سياسية ومصالح قبلية، بدلًا من الاستمرار في الخط الإلهي النبوي.

هذه المخالفة العظيمة كانت بداية لانفراط عقد الأُمَّــة، وانقسامها إلى مذاهب وطوائف، وسيطرة الجبابرة والظالمين على مقاليد الحكم، بدءًا من معاوية بن أبي سفيان، الذي حوّل الخلافة إلى مُلكٍ عَضُوضٍ، ثم إلى ابنه يزيد الذي لم يكتف باغتصاب السلطة، بل أقدم على أعظم جريمة في تاريخ الإسلام، بقتله سبط رسول الله، الإمام الحسين عليه السلام، في كربلاء، وسبي نساء آل البيت، في مأساة ما تزال جراحها تنزف في ضمير الأُمَّــة حتى اليوم.

إن ما تعيشُه الأُمَّــةُ الإسلامية اليوم من انقسامات وحروب ودمار وانهيار للقيم، هو ثمرة مباشرة لهذا الانحراف عن التوجيه الإلهي في الغدير. إن الأُمَّــة التي خالفت وصية النبي في أعظم موقف، لا يمكن أن تنعم بوحدة ولا بعزة ولا بكرامة.

إن الجرائم التي يرتكبها الكيان الصهيوني في فلسطين بحق أكثر من خمس وخمسين ألف شهيد خلال ما يربو على ستمِئة يوم من العدوان، وما يحدث في اليمن وسوريا ولبنان والعراق والسودان وليبيا، من دماء تسفك وأرواح تزهق، ليست سوى امتداد منطقي لتخلي الأُمَّــة عن القيادة التي اختارها الله ورسوله لها.

لو أن الأُمَّــة التزمت بخط الغدير، لما تولى رقاب المسلمين طغاة بني أمية وبني العباس، ولما ضاعت قدسيةُ الدين في دهاليز الحكم الوراثي، ولما وجدنا أنفسَنا اليوم في مشهد تتآمرُ فيه الأنظمةُ العربية مع العدوّ الصهيوني، بينما تتخاذلُ عن نصرة الشعوب المظلومة والمستضعَفة. إن التاريخ لا يرحم، والسنن الإلهية لا تحابي، وكُلُّ أُمَّـة تنحرِفُ عن توجيه نبيها، تستحقُّ ما ينزلُ بها من ذُلٍّ وفُرقة وتمزُّق.

نحن اليوم بأمسِّ الحاجة إلى أن نعودَ إلى جوهر الدين، إلى النقطة الفاصلة التي غيّرت مجرى التاريخ، وهي واقعة الغدير.

إن ولاية الإمام علي عليه السلام لم تكن مُجَـرّد شأن سياسي، بل كانت ولاية لله ولرسوله، ورفضها كان رفضًا لله ورسوله، ومن هنا تبدأ الكارثة.

نحن اليوم نتولَّاك يا الله، ونتولَّى رسولَك، ونتولى الإمامَ عليًّا؛ تصديقًا لقولك الحق، ونبرأ ممن خالفهم وأعرض عن توجيههم.

إن كُـلّ من يخالفُ النبوةَ ويقصي أهلَها، لا يمكن أن يصنع أُمَّـة قوية، ولا حضارة راشدة، ولا كرامةً إنسانية.

ومن هنا نؤمن أن طريق النهوض يبدأ من تصحيح المسار، والاعتراف بالحقيقة، والعودة إلى الولاية التي أمر الله بها رسول الله صلوات الله عليه وآله وسلم، وتولِّي الله ورسوله والإمام علي وتولي اليوم أعلام الهدى السيد القائد عبدالملك بن بدر الدين الحوثي -حفظه الله- ولي للأُمَّـة العربية وقائد للأُمَّـة لما نراه اليوم نتائجَ تولِّيه الشعب اليمني من عزٍّ وفخر في مواجهة التحديات التي تواجهها الأُمَّــة ومناصرة الشعب الفلسطيني واللبناني والتصدي لقوى الشر أمريكا وكيان الاحتلال الصهيوني والسعوديّة والإمارات التي حاولت احتلالَ اليمن وتدميرَه لصالحِ الكيان الإسرائيلي المجرم وأمنه.