موقع أنصار الله ||مقالات ||ياسر مربوع

يوم الغدير ليس مناسبةً مذهبية، ولا محصورة بفئة، بل إعلان ربَّانيٌّ بأن القيمَ لا تُترَكُ للفراغ، وأن الخطَّ الإلهي لا ينتهي بوفاة نبي، بل يستمرُّ بقيادةِ مَن يحملُ عِلمَ النبوة، وروحَ الجهاد، وبصيرةَ الموقف.

في يوم الغدير، لم يكن رسول الله -صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله- يخطب في الناس ليُحييَهم بعبارة وداعية، بل كان يُتمم البلاغ، ويؤسّس لأهم ما تحتاجه الأُمَّــة بعده: القيادة على أَسَاس الهداية، لا الهوى.

وقف وقال بوضوح: "من كنت مولاه، فهذا عليٌّ مولاه"، ليكون هذا الإعلان امتدادًا لنهج النبوة، وتثبيتًا لخط الحق في وجه مشاريع التزييف والانحراف.

لكن الأُمَّــة، ما إن غاب جسدُ النبي، حتى دخلت في منعطف تاريخي خطر، حَيثُ بدأ التراجُعُ عن توجيهاته في أخطر موضع: موضع القيادة.

ومن هناك، تسللت الخلافات، ثم تحولت إلى صراعات، ثم أصبحت أنظمةٌ تُقصِي الحقَّ وتُمجِّد الباطل، وبهذا خسر المسلمون المعركة قبل أن تبدأ، حين ابتعدوا عن التوجيه النبوي، وانشغلوا بالملك والوراثة بدلًا عن الرسالة والأمانة.

واليوم، حين نعود إلى مناسبة يوم الولاية، فَــإنَّنا لا نعود للتاريخ كأحداث، بل كدروس.

فالمعادلة لم تتغير:

لا يزال هناك من يتمسكون بوصايا النبوة، ويجعلون ولاءهم لله ورسوله والذين آمنوا، لا لواشنطن ولا لتل أبيب.

وهناك بالمقابل من انحرفوا عن خط النبوة، فتحوّلوا إلى أدوات في أيدي المستكبرين، لا يبالون بالقدس، ولا تغضبهم المجازر، بل يُسارِعون في رضا العدوّ ولو على حساب دينهم وشعوبهم.

في اليمن حيثُ أنصار المصطفى وشيعة الكرار، ما حادوا عن توجيـهات النبي "صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله" قيد أنملة فتحوّلوا من أناس محاصرين، إلى صُنّاع معادلة جديدة في المنطقة.

بإيمانهم، وولائهم الصادق، أعادوا هيبةَ الأُمَّــة، وكسروا شوكة العدوّ.

وحين صمت المطبِّعون، تحدّثت صواريخُ صنعاء باسم غزة، وهتفت صنعاء باسم القدس؛ لأَنَّها لم تنسَ يومَ أن قال النبي: "فهذا عليٌّ مولاه"، وفهمت أن الولاية موقف، لا احتفال.

بينما الآخرون، الذين تخلّوا عن خطِّ الهداية، نراهم اليوم يتزاحمون على توقيع الاتّفاقات مع الكيان الصهيوني، ويبيعون قضايا الأُمَّــة في بازار السياسة؛ وسوق المصالح والخيانة، حتى أصبحوا شركاء في العدوان بدلًا عن أن يكونوا سندًا للمظلومين.

فالفرق واضح اليوم كما كان بالأمس:

– هناك من اختاروا الولاءَ لله ورسوله، فكانوا مع المستضعَفين، وكان الله معهم.

– وهناك من اختاروا الولاء لأعداء الله، فهانوا وسقطوا، وتخلّى عنهم حتى من تحالفوا معه.

والولاية في مضمونها ليست طقسًا، بل وعيٌ وموقفٌ؛ ويوم الغدير ليس مناسبةً مذهبية، ولا مناسبة محصورة بفئة، بل هو إعلان ربَّانيٌّ بأن القيمَ لا تُترَكُ للفراغ، وأن الخطَّ الإلهي لا ينتهي بوفاة نبي، بل يستمرُّ بقيادة مَن يحملُ عِلمَ النبوة، وروحَ الجهاد، وبصيرةَ الموقف.

واليوم، أكثر من أي وقت، نحن بحاجة إلى هذا المفهوم:

أن تكون الولاية جدارَنا الأخير، وهُويتَنا السياسية والأخلاقية، وأن يكون ولاؤنا لمن نصر الله، لا لمن نصر الدولار. وأن نجسدَ الولايةَ مشروعًا للمواجهة لا شعارًا يردّد في الهواء الطلق؛ بل دماء تُبذَلُ في سبيل الحق.