كان بإمْكَان إيران في تعاطيها وتعاملها مع الكيان الصهيوني أن تتعامى مثل باكستان، أَو تتعاونَ مثل تركيا، أَو تتآمرَ مثل الإمارات والسعوديّة ومصر والمغرب والبحرين..

كان بإمْكَانها أن تبقيَ على علاقتِها الحميمية مع هذا الكيان المجرم، ومع أمريكا ودول الغرب بالصورة التي كانت عليه أَيَّـامَ نظام حُكم الشاه..

كان بإمْكَانها أن تقولَ إن فلسطين قضية عربية، وإن أمر ومسؤولية تحريرها أَو مناصرتها أَو دعمها لا يجبُ أن تقعَ إلا على عاتق العرب وحدَهم فقط..

كان بإمْكَانها أن تفعل ذلك كله..

ولن يلومَها أحد.. أو يعتب عليها أحد..

على الأقل كانت ستسرحُ وتمرحُ في المنطقة وتهيمن عليها كيفما تشاء، وأينما تشاء، ومتى تشاء..

ولن يكلمها أحد، أو يؤاخذها أحد..

وكانت ستُصدِّر ثورتَها في أي اتّجاه تريد..

وتمارسُ أحلامَها التوسعية، ومشاريعها الإمبراطورية، عيني عينك، وأمام الجميع، فتصنع ما تريد، وتطوِّر ما تشاء، سلاحًا نوويًّا أَو كيماويًّا أَو جرثوميًّا، أَو حتى (حممي)..

ولن يعارضها أحد.. أو يستعديها أَو يحاصرها أحد..

لكنها أبت، وآثرت أن تخسرَ علاقتَها الحميمية والمميزة التي كانت تقيمُها مع أمريكا والكيان الصهيوني على أن تخسرَ انتماءها وهُويتَها الإسلامية..

أن تخسر العالم كلَّه على أن تخسر «فلسطين»..

وأن تعاديَ وتواجهَ أمريكا والكيان الصهيوني لعينَي «فلسطين» والأمة الإسلامية..

هذه هي إيرانُ الإسلامية..

ويجي لك اليوم واحد منبطح يقول ويشيع في الناس أن إيران تتاجرُ بقضية فلسطين، وإنها فقط تتخذُ منها وسيلةً للنيل من الدول العربية والعمل على تخريبها والعبث بمحتواها وخارطتها المذهبية والفكرية والثقافية والسياسية؛ ليتسنى لها السيطرة عليها وعلى مقدراتها..

يا حبيبي:

لو كانت إيران كذلك، لكانت، بكل بساطة، قد سلكت الطريقَ الأولَ الأسهل والأقل كلفة، ولكانت، وبدعم أمريكي وصهيوني لا محدود، (داعسة) على أكبر كبير في المنطقة العربية..

ولكانت، من بدري، قد صدّرت ثورتَها وأفكارها، بلا رقيب أَو عتيد، وغصبًا عن كُـلّ ناعق وناهق..

ولكانت أَيْـضًا أغنى وأثرى وأعتى من أغنى وأثرى وأعتى دولة عربية اليوم..

ولكان الطريقُ إلى أمريكا لا يمر إلا عبرها.

ولكان كُـلُّ حاكم أَو نظام عربي يخطُبُ وُدَّها ويتمنى رضاها..

ولكان إمامُ الحرم المكي أَو المدني، وبأمر ملكي، لا يستهلُّ خطبتَه أَو موعظته إلا بالدعاء لها ولمرشدها وشعبها..

لكنها لم تشأ أن تكونَ كذلك..

أو أن تسيرَ في ذلك الطريق..

تحملت المشاقَّ والصعابَ والحصارَ، وركبت الأخطار والأهوال، واستعدت العالَمَ كله على أن تسير في ذلك الطريق..

واختارت الطريقَ الآخر..

اختارت طريقَ المقاومة..

وهذه هي الحقيقة..

فهل لا يزال عندك شكُّ في ذلك..؟