ورد ذكر هذه الدواب وفائدتها واستخداماتها في القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً، وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾، وهو المنزَّلُ من الله الخبير العليم على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد -صلوات الله عليه وعلى آله-، الذي اختاره اللهُ من أُمَّـة العرب؛ تكريمًا لها على سائر الأمم، لتكون حاضنةً لرسالته الخاتمة للرسالات السماوية، وأنزل الله -سُبحانَه وتعالى- القرآن الكريم بُلغتها؛ رفعًا لشأنها؛ وتعظيمًا للمهمة الملقاة على عاتقها وفي مرحلة من الزمن كانت الخيل والبغال والحمير أهم وسيلة برية سريعة للركوب والتنقل، وكان لها دور كبير في مواجهة الأعداء، خُصُوصًا اليهود والنصارى المتأصل والمتجذر عداؤهم لهذه الأُمَّــة؛ بسَببِ دينها، كما أوضح ذلك القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾.

ورغم أن الله -سبحانه وتعالى- قد أورَدَ ضمنَ الآية وسائلَ أُخرى ﴿وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ لتناسب كُـلّ عصر وزمان، لكن الأُمَّــة حين تخلَّفت وانشغلت باختلافاتها البَيْنة وسمحت لليهود والنصارى باختراقها وزرع بذور الشقاق فيما بينها واصطناع مظاهر الاختلاف الوَهْمية المتعددة، التي لا أَسَاس لها، حينها تحوَّل أغلبُ حكام وفقهاء الأُمَّــة إلى مُجَـرّد دواب يمتطي ظهورَها اليهودُ والنصارى، وهي تصولُ وتجولُ يستخدمونها في رفس ودهس وركل كُـلّ حر وكل غيور من أبناء الأُمَّــة! وبشكل متكرّر في كُـلّ مكان من جغرافية الأُمَّــة وفي كُـلّ زمان من أزمنتها.

ولقد رأينا في زمننا وقبل أكثر من عقدين تلك الهجمة الشرسة لمطيةٍ من مطايا اليهود والنصارى تتربّع على عرش السلطة في العاصمة صنعاء حين قرّرت ودون ذنب ودون سابق إنذار مواجهة حُرٍّ وغيور من أبناء الأُمَّــة في جبال مران من محافظة صعدة، ساءه حالُ شعوبها فاستشعر مسؤوليتَه وانطلَقَ محذرًا ومنذرًا من خطر داهمٍ مُقبِل يتربَّصُ بالأُمة محمولٍ على ظهور حكامها، وصارح شعوبَها حينها، بأن حالَها أسوأ من حال من ضرب اللهُ عليهم الذلة والمسكنة، مستخلصًا هذا التوصيف من إدراكه أن الأُمَّــةَ أصبحت في الوقت الراهن تحت أقدام اليهود، فبادَرَ دون تردّد بتذكير الأُمَّــة بواجباتها ومسؤوليتها المترتبة على الإخلال بهذه الواجبات، ولم يكتفِ بذلك بل انطلق مجاهدًا في سبيل الله تعالى راجيًا منه ثمرةً لجهوده وجهاده، بأن تصحوَ الأُمَّــة من غفلتها وأن لا يطول سُباتُها.

وكان ما يتعرض له أبناء الشعب الفلسطيني من أهم الواجبات التي طالب شعوبَ الأُمَّــة أن تنهض بها لكن مطايا اليهود والنصارى لم تمهلْه طويلًا فارتقى شهيدًا –رضوان الله عليه- ونحن نشاهد اليوم تجلياتِ نظرته الثاقبة، حين تحدث عن الحكام العرب وأنهم في مناصبهم مأمورون لا يتجاوز حالُهم حالَ مديري أقسام الشرطة، ينفذون التوجيهات الصادرة إليهم بقبض وإحضار المطلوبين! وليس أكثر من ذلك، وليس بمقدورهم تجاوُزُ التوجيهات الصادرة إليهم!

وها نحن نشاهدُ اليوم، ومنذ ما يقرب من سنتين ما يتعرض له أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة من إبادة جماعية بالقتل المباشر وبالتجويع حتى الموت، وما تعرضوا له ليس قصصًا تروَى، بل وقائع حية يشاهدها مباشرة الحكامُ والمحكومون في شعوب الأُمَّــة العربية، ودون أن يحرك الجميع ساكنًا رغم استغاثات الملهوفين من الأطفال والنساء وكبار السن، ورغم أن ما يعلن يوميًّا من أرقام الضحايا أمر مهول غير أن الجميع ينتظر ما سيعلن في اليوم التالي، في تجاهل تام لأمر الله -جلَّ وعلا- بالنصرة للمستضعفين المظلومين في قوله تعالى: ﴿وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ في الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ﴾.

وإذا لم يكن بمقدور الحكام والفقهاء العرب إدراكُ خطورة ما جرى ويجري بحق إخوانهم في قطاع غزة من أفعال إبادة جماعية، على مدى ما يقرب من عامين كاملين، فَــإنَّ اعتبارَهم مُجَـرّدَ مطايا لليهود والنصارى من فئة (وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ) قليلٌ في حقهم؛ فهم فوق ذلك يُعَدُّون من شر ما خلق الله من الدواب على وجه الأرض كما قال تعالى: ﴿إنَّ شَرَّ الدَّوَآبِّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ﴾.

فما يلوذ به حكامُ الشعوب العربية وفقهاؤها من صمت تجاه أفعال جريمة الإبادة الجماعية المشهودة أمرٌ غير معقول وغير مقبول وكأنهم صُم لا يسمعون وبُكم لا ينطقون، وَإذَا ما سَلِمُوا من عقاب أولياء الله في الدنيا اعتمادًا على جبروت وسطوة من يمتطي ظهورَهم من اليهود والنصارى، فَــإنَّهم لن يَسْلَمُوا قطعًا من عقاب الله -سبحانه وتعالى-؛ فقد توعَّدهم بجهنمَ مأوى لهم وبئس المصير قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ، لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا، أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ﴾.

صدق اللهُ العليُّ العظيم.

ولا عدوانَ إلَّا على الظالمين.