في هذا الزمن الذي تتسارع فيه الأحداث، تتكشف مؤامرة كبرى تستهدف جوهر الوجود الفلسطيني، متجاوزةً كل الخطوط الحمراء والقيم الإنسانية. إنها ليست مجرد محاولة لإدارة صراع، بل هي عملية ممنهجة لتصفية القضية الفلسطينية.

ويسعى العدو الإسرائيلي ومعه الأمريكي إلى تحويله قطاع غزة إلى منطقة غير صالحة للعيش. منذ السابع من أكتوبر 2023، لم يدّخر العدو الإسرائيلي جهداً في قصف وتدمير مقومات الحياة في غزة، وارتكاب جرائم إبادة جماعية. ورغم كل ذلك، لا يزال الشعب الفلسطيني ومقاومته الأبية صامدين وثابتين على أرضهم.

تُقدم هذه المؤامرة تحت ستار "إنهاء الحرب" و"إطلاق سراح الأسرى الصهاينة"، لكنها تخفي في طياتها خطة لـترحيل قيادات المقاومة السياسية والعسكرية بالكامل من القطاع، بهدف القضاء على أي وجود للمقاومة في غزة، كما أفادت هيئة البث الإسرائيلية (كان) يوم الخميس 27 يونيو 2025. هذا الترحيل المقترح يمثل طموحاً صهيونياً قديماً لم يتمكن العدو من تحقيقه حتى في أقوى اعتداءاته السابقة.

وفي هذا السياق، تبرز ثلاث محاور رئيسية للمؤامرة:

  • الملف الأمني: استهداف المقاومة وتصفية وجودها: تُعتبر هذه النقطة هي الأساس الذي تُبنى عليه كل التطورات. يسعى المخطط إلى إنهاء أي وجود لفصائل المقاومة في غزة، سواء عبر الترحيل القسري لقياداتها أو التدمير الشامل لبنيتها التحتية، وذلك لضمان عدم عودة المقاومة كقوة فاعلة. وقد أفادت صحيفة "إسرائيل اليوم" أن ترامب ونتنياهو اتفقا على إنهاء الحرب في غزة خلال أسبوعين.
  • الملف الإداري: إدارة عربية تابعة ومفروضة: لا يُقصد إعادة غزة إلى السلطة الفلسطينية بشكلها الحالي، بل تُطرح فكرة إدارة مؤقتة تتألف من تحالف عربي (يشمل جمهورية مصر العربية والإمارات)، تحت إشراف أمريكي صهيوني غير معلن. هذه الإدارة لن تكون لخدمة الفلسطينيين، بل لفرض ضبط أمني كامل وإعادة هندسة للحياة في القطاع، بما يخدم مصالح الاحتلال. وقد أكدت الدول العربية مراراً وتكراراً أنها لن تشارك في إعادة تأهيل غزة بعد الحرب في غياب موافقة الاحتلال على حصول السلطة الفلسطينية على موطئ قدم في القطاع كجزء من الطريق إلى ما يسمونه بـ"حل الدولتين" في المستقبل، وهو ما يرفضه نتنياهو بشدة، وفق ما ذكرته وسائل إعلام عبرية يوم الخميس 27 يونيو 2025.
  • الملف الاقتصادي: غزة كساحة للتطبيع والتهجير الناعم: ستتحول غزة إلى ساحة لمشاريع اقتصادية ضخمة بتمويل خليجي ودعم أمريكي، تهدف إلى ربط القطاع بشبكة مصالح إقليمية، بعيداً عن القضية الفلسطينية. كما يُطرح بند "الهجرة الطوعية" الذي يهدف إلى تقليل الكثافة السكانية وتفكيك الهياكل المجتمعية في القطاع، وهو ما يخدم أهداف التصفية الناعمة، بحسب صحيفة "إسرائيل اليوم". هذا البند، على وجه التحديد، يكشف عن النية الخبيثة في تفريغ غزة من سكانها تدريجياً، مع تقديم ذلك كـ"فرصة" للفلسطينيين، في حين أنه يمثل تهجيراً مقنعاً يستهدف تصفية الوجود الديموغرافي.

 

الضفة الغربية.. ضم صهيوني وتفكيك مجتمعي مستمر

لا تقتصر المؤامرة على غزة فحسب، بل تمتد لتشمل الضفة الغربية، حيث يعمل الاحتلال على ضمها بشكل تدريجي وممنهج، مستغلاً انشغال العالم بأحداث غزة والصراع مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية. فقد أعلنت "الحكومة" الصهيونية عن تأسيس 22 مستوطنة جديدة في مايو 2025، في خطوة تؤكد نية الاحتلال في فرض سيادته الكاملة على أجزاء واسعة من الضفة الغربية. وتُحول الصلاحيات الإدارية من الإدارة المدنية العسكرية إلى إدارة مدنية صهيونية خالصة، تحت إشراف الصهيوني سموتريتش، الذي أعلن أن عام 2025 سيكون "عام السيادة على الضفة الغربية". هذا يعني أن الاحتلال لا يكتفي بالاستيطان، بل يهدف إلى تغيير الوضع القانوني للضفة الغربية، وتحويل مناطق "ج" إلى مناطق ذات سيادة صهيونية كاملة، مما يقضي على أي أفق لدولة فلسطينية متصلة جغرافياً وقابلة للحياة.

مخطط "أبراهام" الموسع وأبعاده الكارثية

تتجاوز هذه المؤامرة القضية الفلسطينية لتعيد رسم خريطة المنطقة بالكامل، وذلك عبر توسيع "اتفاقيات أبراهام". تُقدم هذه الاتفاقيات، التي كانت في السابق مساراً للتطبيع السياسي والاقتصادي، كأداة استراتيجية لإعادة هيكلة المنطقة حول الاحتلال، تحت عنوانين رئيسيين: مواجهة الجمهورية الإسلامية الإيرانية وتجاوز القضية الفلسطينية.

فقد صرح المبعوث الأمريكي الخاص إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، لشبكة "سي إن بي سي" يوم الأربعاء، أن هناك توقعات بإعلانات كبيرة حول دول جديدة ستنضم لاتفاقيات إبراهيم. وأشارت السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض، كارولين ليفيت، يوم الخميس، إلى رغبة ترامب في انضمام سوريا، وذكرت صحيفة "إسرائيل اليوم" يوم الثلاثاء أن مستشار الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي يعتقد أن سوريا ولبنان هما أبرز المرشحين للانضمام. في حين أثيرت ما يزعم بـ "إمكانية السلام" مع سوريا مراراً وتكراراً في الأشهر الأخيرة حيث وردت أنباء عن اتصال مباشر بين سوريا و"تل ابيب" في أعقاب سقوط نظام الأسد في العام الماضي، وفق ما ذكرته وسائل إعلام عبرية يوم الخميس 27 يونيو 2025.

إن أي تواطؤ عربي في الانسياق وراء مشاريع المجرمين نتنياهو وترامب، ستكون له عواقب وخيمة على الفاعلين. فالمشروع الصهيوني لم يعد سراً، ولا خيراً يمكن إخفاؤه، بل صار مشروعاً علنياً ويجري العمل على تنفيذه خطوة بخطوة. هذه، هي الفرصة الوحيدة أمام الأمة العربية والإسلامية لتوحيد كلمتها والوقوف صفاً واحداً في وجه المشروع الصهيوني الذي لن يتوقف عند أي محطة، فهو لا يعرف صديقاً ولا مسالماً ولا مطبعاً. خارطته واضحة، وغير قابلة للنقاش، وإنما قابلة للتصدي الحاسم، وهذا لن يكون إلا بوحدة الأمة.

أوراق القوة الفلسطينية والعربية القادرة على إفشال المؤامرة

في مواجهة هذه المؤامرة الدنيئة، يبرز صمود أسطوري للشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة، يُثبت أن إرادة الحياة أقوى من آلة الحرب والإبادة، رغم القصف العنيف والدمار الشامل والاجتياح البري وجرائم الإبادة التي تهدف إلى جعل غزة غير صالحة للعيش، لا يزال الشعب الفلسطيني ومقاومته ثابتين على أرضهم.

ولا تزال المقاومة تدير المعارك من "المسافة صفر" بكل قوة واقتدار، بل وتواصل قصف الداخل الصهيوني في الأراضي المحتلة في يافا وغيرها من المغتصبات الصهيونية بالصواريخ، رغم وجود جنود وآليات العدو الصهيوني على كل شبر من غزة. هذا الاستنزاف المستمر للعدو يؤكد أن كل جهود الاحتلال لتدمير المقاومة قد باءت بالفشل، وأن قدرة المقاومة على التكيف والصمود تفوق كل التوقعات الصهيونية، رغم جبروت العدو الصهيوني وما يفرضه من إجراءات حولت مواقع صرف المساعدات والإغاثة الإنسانية إلى مذابح ومصائد جماعية لشهداء لقمة العيش، يظل الشعب الفلسطيني صامداً، متمسكاً بأرضه ورافضاً للتهجير. هذا الثبات هو الجدار الأخير أمام مخططات التصفية، ويؤكد أن إرادة الشعب لا يمكن كسرها مهما بلغت وحشية العدوان.

كما أن انهيار الردع الصهيوني يعد فرصة للمواجهة، لاسيما وقد كشفت الحرب الأخيرة عن هشاشة غير متوقعة في المنظومة العسكرية الصهيونية، مما أضعف قدرتها على فرض إرادتها بالقوة. هذا الانهيار في الردع الصهيوني يمنح الدول العربية والأمة الإسلامية فرصة تاريخية للوقوف صفاً واحداً ضد هذا المشروع التصفوي. فالاقتتال الداخلي في "حكوم"ة الاحتلال، والضغوط التي يواجهها نتنياهو بسبب محاكماته، يضاف إلى حالة الضعف والارتباك داخل الكيان.

أوهام صهيونية أمام واقع الصمود

في كل الأحوال، فإن المشروع الصهيوني سيبقى مجرد أوهام وأحلام أمام صمود المقاومة الفلسطينية الصلبة والثابتة على أرضها. إن المؤامرة الأمريكية-الصهيونية، ورغم خباثتها ومحاولاتها المستميتة، لن تنجح في تصفية القضية الفلسطينية ما دام هناك شعب مقاوم ومقاومة باسلة متمسكة بحقوقها، ودول عربية وأخرى إسلامية حرة ترفض الانصياع لمخططات التصفية. إن العدو الصهيوني، وإن امتلك آلة حرب مدمرة، لا يملك الإرادة القوية التي يمتلكها الشعب الفلسطيني. وهذا هو ما سيحسم المعركة في النهاية.