في صحراء كربلاء سُفِك الدم الطاهر، لا ليروي تراب الأرض، بل ليُزهر في وجدان الأحرار ثورة لا تخمد، ورسالة لا تموت.

سُفك الدم الطاهرُ على الرمال الطاهرة، وقامت على دماء الحسين إمبراطوريات وممالك أرادت أن تزيف التاريخ وأن تطفئ نور الله لكن يأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون.

لقد مرّت القرون، وتبدلت الوجوه، ولكن كربلاء لم تُغلق كتابها. فهذا الحسين منارًا إلى ضوءه يهتدي الباحثون عن الكرامة، وملاذًا يحتمي بأسواره التواقون إلى الحرية؛ ورمزًا خالدًا للمستضعفين والمسحوقين في كُـلّ الدنيا.

فأين الحسين؟

وأين قاتلوه؟

اليوم، في غزة، تُفتح الصفحة نفسها، وتُخطّ بمداد الجراح ذاتها. فالحسين لم يمت، ما دام في الناس من يهتف: "هيهات منّا الذلّة"، وغزة لم تُهزم، ما دامت تقف على رُكامها كما وقف الحسين في ساحة الطف، وحيدًا شامخًا.

اليوم، حَيثُ كربلاء العصر الحديث، "غزة الجهاد والمقاومة" تُحاصر كما حوصر الحسين، ويُذبح أطفالها كما ذُبح الرضيع في حجر والده على ضفاف الفرات.

تصرخ أم فلسطينية، في قلب الدمار: "هل من ناصر ينصرني؟"، وليس ثمة صوتٌ يُجيب إلا ذلك الصوت القادمُ من مضارب اليمنيين، أنصار الرسالة وبقية الله في أرضه خرجوا يسمعون الدنيا بملءِ أفواههم؛ لبيك يا حسين لبيك يا غزة هاشم.. معكم ولو تبدلت الأرض غير الأرض والسماوات؛ ولو تنكر لكم البعيد وخذلكم الصديق والقريب؛ ما تركناكم حتى يأذن الله بالنصر أَو نهلك دونه.

وقفت زينب في مجلس يزيد، لا كسجينة، بل كقائدة.

قالت له بثقة:

"فكد كيدك، واسعَ سعيك، وناصب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا. "

وها هي كلماتها تُقال اليوم، بصوت أُمٍّ فلسطينية فقدت أبناءها الأربعة: لكنها ما زالت تلدُ ذكورًا تسميهم بأسماء الشهداء.

فما أشبه كربلاء بغزة، وما أشبه زينب بكل امرأة فلسطينية ما زالت تربي في الملاجئ أبطالا يشبهون القاسم والعباس.

كربلاء تعيش في كُـلّ أرض ترفض الذل، وتُقاوم رغم الجراح.

غزة اليوم ليست معزولة، بل هي امتداد طبيعي لكربلاء، ودم أطفالها هو صدى لدم الحسين، وسكينه، ورضيعه.

فليعلم المستكبرون جميعًا:

أن السيوف وإن تقطّعت في الأجساد، إلا أن الدم لا يُهزَم،

وأن صوت الحسين، صوت الحق، لا يُخرسه التاريخ،

وأن الحكاية ستُروى دائمًا:

في كُـلّ عصرٍ هناك كربلاء، وفي كُـلّ أرضٍ هناك حسين، وفي كُـلّ جسدٍ يسقط، هناك ثورة تنتصر.