تعدَّدت الوقائعُ المفاجئة التي أربكت التحضيرات المسبقة للقاء ثنائي جريمة الإبادة الجماعية، ترامب ونتن ياهو في وكر الجريمة العالمية المسمى البيت الأبيض، وأفسدت تلك الوقائع اللمسات الأخيرة لسيناريو الإخراج الهوليودي للترتيبات الاحتفائية بوَهْمِ الإنجاز، الذي ترتب على عملية "عربات جدعون" في غزة، وجريمة العدوان على الجمهورية الإسلامية الإيرانية؛ فالجميع محليًّا وخارجيًّا مدرك تمامًا أنه لا إنجاز، بل إخفاق، وأن الرغبة الأمريكية الترامبية لمسمى وقف إطلاق النار في غزة، المعلنة مؤخّرًا هي نتيجة حتمية للفعل المؤثر لكمائن الموت، التي نفذها المجاهدون من أبناء الشعب الفلسطيني في مختلف مناطق القطاع، وكذلك فَــإنَّ وقف جريمة العدوان على الجمهورية الإسلامية الإيرانية كان سببه الفعل المؤثر لرد الشعب الإيراني على الجريمة، وليس رغبة ثنائي الإجرام في السلام، أَو تحقيق هدف ذلك العدوان الإجرامي الغادر؛ فالهدف أبعد وأعمق من مُجَـرّد قصف عدد من المواقع النووية!
ووفقًا لترويج الماكينة الإعلامية المصاحبة المغطية للجريمة، الذي سبق اللقاء الثنائي؛ فقد كانت الجمهورية الإسلامية وفقًا لهذا الترويج مُجَـرّد ملف على طاولة النقاش، يضاف إليه ملف آخر حاول المجرم "نتن ياهو" أن يضعه على الطاولة بعدوانه على الموانئ اليمنية، الذي سبق اللقاء بنظيره في الإجرام ترامب، للإيهام بأن بيدهما وحدهما إدارة ملفات المنطقة، بالإضافة إلى الملف الأَسَاسي المطروح على الطاولة المتمثل في الرغبة الأمريكية الترامبية، بحث اتّفاق ما سمي بوقف إطلاق النار مع حماس في قطاع غزة.
ولعل المجرم نتن ياهو قد تفاجأ بالرد اليمني بعد مرور ساعتين على جريمة العدوان على الموانئ اليمنية وغيرها من الأعيان المدنية، وكان من شأن هذا الرد بحد ذاته طمس معالم وآثار جريمة نتن ياهو، التي أراد من خلالها أن يضع اليمن كملف على طاولة النقاش، وبأنه في معالجته لهذا الملف قد اتخذ إجراءات عقابية من شأنها قمع حالة الإزعاج التي تثار ضد كيانه المجرم من هذا النطاق الجغرافي البعيد، لكن رد الشعب اليمني كان أقوى وأسرع أثرًا بعشرات الأضعاف من الأثر الذي توقعه المجرم النتن من جريمته العدوانية.
ولم يقف رد الشعب اليمني عند ذلك المستوى المرتفع، بل تعداه إلى مستوى أكثر علوًا وارتفاعًا، عندما استهدفت قواته المسلحة بعملية مشتركة بالزوارق المسيّرة والصواريخ والطيران المسيّر سفينة (ساحر البحار) التي تعد واحدة من عشرات السفن التي انتهكت قرار الحظر، الذي سبق إعلانه من جانب القوات المسلحة اليمنية، متضمنًا فرض حصار بحري على موانئ الكيان الصهيوني في الأراضي المحتلّة، وتم بموجبه تحذير الشركات المالكة للسفن التجارية والمشغلة لها من مخاطر التعامل مع الكيان الصهيوني؛ باعتبَار ذلك التعامل يمثل شراكة في جريمة الإبادة الجماعية، التي اقترف أفعالها هذا الكيان المجرم ولا يزال يقترفها في قطاع غزة حتى اليوم، وما ذلك إلَّا نتيجة لاستمرار تدفق مختلف الاحتياجات والمواد الأولية اللازمة لاستمرار عجلة الصناعة المحلية للكيان الصهيوني في الدوران، بما يسهم بشكل كبير في الاستقرار الداخلي؛ ليتفرغ هذا الكيان المجرم لمواصلة فصول جريمته في قطاع غزة.
ولذلك فَــإنَّ كافة السفن التي تعمل على إمدَاد الكيان الصهيوني بكل الاحتياجات التي تمكّنه من الاستمرار في مواصلة أفعال جريمة الإبادة الجماعية، بحق أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، تعتبر هذه السفن والشركات المالكة والمشغلة لها شريكة في الجريمة، وينطبق عليها من إجراءات (المنع والقمع) ما ينطبق على الكيان الصهيوني؛ بوصفه المنفذ المباشر لأفعال جريمة الإبادة الجماعية، ومن ثم فَــإنَّ (منعَ) هذه السفن من تزويد هذا الكيان المجرم بالوسائل المساعدة على استمرار الجريمة، واجب أخلاقي وإنساني على جميع الدول، خُصُوصًا بعد أن تنصلت منظمة الأمم المتحدة ومجلس أمنها عن هذا الواجب.
وما لم تذعن هذه السفنُ لإجراءات المنع من الوصول إلى موانئ الكيان الصهيوني في الأراضي المحتلة، المعلن عنها مسبقًا وتلتزم بالحظر المفروض على الملاحة لخدمة الكيان الصهيوني المجرم؛ فَــإنَّه لا مناص مع ذلك من استخدام إجراءات (القمع) في مواجهتها؛ باعتبَار أنها قد نزعت صفتها المدنية وأصبحت وسيلة إسناد عسكرية للكيان الصهيوني المجرم، ينطبق عليها ما ينطبق على جنوده ومعداته العسكرية، بل الأكثر من ذلك ينطبق عليها ما ينطبق على المرتزِقة في النزاعات المسلحة بين الدول، فلا يستفيد المرتزِق من المزايا والحقوق التي يوفرها القانون الدولي لأسرى الحرب من الجانبين المتنازعين.
وما سبق يمثل الأَسَاس القانوني والإنساني والأخلاقي للقوات المسلحة للشعب اليمني في استخدامها للإجراءات القمعية في مواجهة السفن المنتهكة لقرار حظر الدخول إلى الموانئ الصهيونية في الأراضي الفلسطينية المحتلّة، ولا تعد هذه الإجراءات بأية حال مخلةً بحُرية الملاحة في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، بل إن واجب اتِّخاذ الإجراءات القمعية من جانب القوات المسلحة اليمنية في حق السفن المنتهكة لقرار الحظر يشمل أية نقطة تتواجد فيها تلك السفن في أعالي البحار.
ولا عبرة مطلقًا بالإدانات الصادرة عن الخارجية الأمريكية أَو البريطانية أو غيرها من القوى الاستعمارية الشريكة في جريمة الإبادة الجماعية، التي تردّدها الماكينة الإعلامية الناطقة بالعربية، والتي يحلو لمالكيها ومشغليها والقائمين عليها الترويج لأمنياتهم الشيطانية بعودة حالة العدوان على اليمن من جانب القوات الصهيوأمريكية؛ بسَببِ الإجراءات القمعية التي اتخذتها القوات المسلحة اليمنية، وترتب عليها إغراق السفينة المنتهكة لقرار الحظر المسماة (ساحر البحار).
وتجدر الإشارة إلى أن الماكينة الإعلامية القذرة الناطقة بالعربية بجميع شبكاتها، لم تتوقف للحظة عن الترويج للعدوان على الشعب اليمني؛ بسَببِ موقفه الأخوي، الديني، الأخلاقي، الإنساني، المساند لأبناء الشعب الفلسطيني، ولا حاجة لنا هنا لسرد قبائح تلك الشبكات التي تخدم بها كيان الاحتلال الصهيوني والقوى الاستعمارية الغربية الشريكة له في الجريمة، وعلى رأسها الإدارة الأمريكية، ويكفي أن نشير هنا إلى جزئية بسيطة من تغطية وتناولات أقل هذه الشبكات سوْءًا وتحامُلًا على اليمن، وهي شبكة "الجزيرة" الإعلامية التي تناولت واقعة إغراق سفينة (ساحر البحار) بشكل يخدم الكيان الصهيوني وشركاءه في الجريمة!
ويتضح ذلك من خلال مقارنة بسيطة بين تغطية هذه الشبكة، وبين المعطيات المتاحة والمتداولة والمعلنة من جانب الجهات الرسمية؛ فحين صدر بيان (المتحدث العسكري للقوات المسلحة اليمنية)، تناولت قناة الجزيرة في تغطيتها ووصفها للبيان بأنه صادر عن المتحدث باسم (جماعة أنصار الله الحوثيين)، وحين تم بث الوقائع السابقة لاستهداف السفينة، ومنها التواصل مع ربانها كانت تحمل عنوان (الإعلام الحربي للقوات المسلحة اليمنية)، غير أن قناة الجزيرة في تغطيتها وتناولاتها، وصفت ذلك بالإعلام الحربي (للجماعة)!
وكان يمكن لقناة الجزيرة الناطقة بالعربية إن كانت تحوز حَــدًّا أدنى من المهنية والموضوعية والحيادية، أن تقدم للرأي العام تغطيتها بشكل آخر مثلاً: في ما يتعلق بالناطق العسكري (الناطق العسكري للقوات المسلحة لحكومة صنعاء)، وبالنسبة لبث الوقائع السابقة لعملية الاستهداف (الإعلام الحربي للقوات المسلحة لحكومة صنعاء)، وبذلك تتجنب أي حرج أَو اتّهام بالانحياز، ويمكنها أن تتحدث عن حكومة عدن والمتحدث باسم حكومة عدن، والمتحدث باسم القوات المسلحة لحكومة عدن؛ فالواقع أن في عدن حكومة فعلًا وفي صنعاء حكومة أيضًا.
ولن تلام قناة الجزيرة من أي طرف كان إذَا كانت تناولاتها وتغطيتها بهذا الشكل الواقعي الموضوعي؛ فلا علاقة لها من حَيثُ الأصل بمن شكل الحكومة في عدن، ومن شكل الحكومة في صنعاء؛ فإن لم تكن مشكّلة من الإنس فلا ضير ولا ضرر يلحق شبكة الجزيرة حتى لو تشكلت الحكومة من الجن! المهم أن تكون تغطيتها وتناولاتها لما هو قائم على أرض الواقع، والواقع أن القائم على أرض الواقع حكومة في العاصمة صنعاء، كفتها أرجح من كُـلّ حكومات العالم العربي والإسلامي، بل والعالم أجمع! فما الذي دفع شبكة الجزيرة إلى اختزال الشعب اليمني وحكومته في مسمى (جماعة)؟
هذا الاختزال للشعب اليمني الذي هو في كفة وبقية شعوب العالم في كفة، وكفة الشعب اليمني أرجح، كما عبّر عن ذلك بحق السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي -يحفظه الله- وهذا الاختزال بكل تأكيد متعمد وموجه ومقصود وأهدافه خسيسة ودنيئة ومنحطة، تهيئ الرأي العام العالمي لعدوان همجي على البلد تحت عنوان آخر، ذلك أن تقديم الشعب اليمني أمام الرأي العالم العالمي، بأنه مُجَـرّد جماعة محلية تعدى خطرها النطاق الداخلي للبلد إلى النطاق الخارجي، ومثّل تهديدًا لطرق الملاحة والتجارة الدولية، ومن ثم ستتم تغطية العدوان على الشعب اليمني بأنه مُجَـرّد ملاحقة لتلك الجماعة المحلية التي تجاوز خطرها النطاق الجغرافي لليمن!
وهذا التناول من جانب شبكة الجزيرة وغيرها من الشبكات الإعلامية الناطقة بالعربية في غاية الخطورة، والواجب على جميع النخب العربية التي تبقى لديها ذرة من الغيرة والنخوة تجاه ما يتعرض له أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة من إبادة جماعية، أن يعملوا بكل جِدٍّ على فضخ تناولات الشبكات الإعلامية الناطقة بالعربية، التي تخدم الكيان الصهيوني؛ فهذه الشبكات والأنظمة المالكة لها، بعد أن خذلت أبناء الشعب الفلسطيني، وتآمرت عليهم ها هي تتآمر على القلة القليلة من أبناء الأُمَّــة التي تدافع عن مظلوميتهم وتساندهم، بكل ما يتوافر لديها من إمْكَانات متاحة.