تضمّن ميثاقُ الأمم المتحدة عددًا من الآليات التي من شأنها الحفاظُ على السلم والأمن الدولي، وإعادته إلى نِصابه في حال الإخلال به، ومن أهم هذه الآليات ما ورد النص عليه في الفصل السابع من هذا الميثاق، الذي جاء بعنوان (فيما يتخذ من الأعمال في حالات تهديد السلم والإخلال به ووقوع العدوان) وكان الفصل السابع من فصول ميثاق الأمم المتحدة أكثر هذه الفصول حضورًا على الساحة الدولية، وكانت قرارات مجلس الأمن الدولي تستند إلى هذا الفصل بشأن النزاعات الدولية المُخلة بالسلم والأمن الدولي، غير أن ما اتضح في الوقت الراهن، هو أن حضورَ الفصل السابع كان مرتبطًا دائمًا بتلك النزاعات التي أطرافها الدول الموصوفة غربيًّا بأنها من العالمِ الثالث ومن شأن تلك النزاعاتِ تهديدُ المصالح غير المشروعة للقوى الاستعمارية الغربية.
ولم تكن القوى الاستعماريةُ الغربية معنيةً بالنزاعات التي لا يترتب عليها تهديد مباشر لمصالحها، بل إن هذه القوى قد عملت على إثارة وتأجيج عشرات النزاعات المسلحة بين عدد من الدول وجعلت منها أسواقًا استهلاكية لمنتجات مصانعها من مختلف وسائل الموت والدمار، ولم يُطبَّق الفصل السابع منذ نشأة منظمة الأمم المتحدة على أي نزاع طرفه إحدى القوى الاستعمارية الغربية، وإن كان من شأن ذلك النزاع تهديدُ السلم والأمن الدولي!
وينطبق ذات القول على كيان الاحتلال الصهيوني الذي مثّل منذ تأسيسه من جانب القوى الاستعمارية الغربية قاعدة متقدمة لهذه القوى في منطقة الشرق الأوسط، تراقب من خلالها شعوب هذه المنطقة، لضمان استمرار تخلفها، وأن تمثل مُجَـرّد مخزون للموارد الأولية لهذه القوى، وسوق استهلاكية لمنتجاتها، وعلى مدى العقود الماضية عملت القوى الاستعمارية من خلال قاعدتها المتقدمة الكيان الصهيوني على قمع كُـلّ الحركات الوطنية والتحَرّكات الشعبيّة، الهادفة إلى التخلص من الهيمنة والسطوة الاستعمارية للقوى الغربية.
وما يؤكّـد أن القوى الاستعمارية الغربية إنما استخدمت الفصل السابع للحفاظ على مصالحها غير المشروعة، أن الشعب الفلسطيني تعرض منذ رحيل الاستعمار البريطاني وإحلال الكيان الصهيوني الغاصب محله في الأراضي العربية الفلسطينية المحتلّة، لجرائم تعد إخلالًا بالسلم والأمن الدولي، ومع ذلك لم يثار موضوعُ تطبيق الفصل السابع في مواجهة الكيان الصهيوني بشأن تلك الجرائم التي استمرت وتتابعت على مدى عقود من الزمن.
واليوم ومنذ ما يقربُ من عامين ومع ما أصاب وسائل الاتصال والتواصل من تطور هائل جعل العالم كله عبارة عن غرفة عمليات مشتركة، الجميع يشاهد بشكل مباشر كُـلّ ما يجري في أية نقطة جغرافية على الكرة الأرضية، وما جرى ويجري في قطاع غزة من أفعال إبادة جماعية مشاهدة بشكل مباشر في جميع أنحاء العالم، ومع ذلك لم يجر أيّ نقاش حول تطبيق الفصل السابع بما يتضمنه من وسائل وإجراءات لقمع الكيان الصهيوني، بوصفه المقترف المباشر لأفعال جريمة الإبادة الجماعية.
ومع أن ما تم عرضُه على مجلس الأمن الدولي بشأن الحالة في قطاع غزة تحت عنوان (وقف إطلاق النار)، وهذا العنوان مضلِّل وزائف ومخادع، فالحالة في قطاع غزة (جريمة إبادة جماعية)، ومع ذلك فقد تصدت القوى الاستعمارية الغربية الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي وعلى رأسها الإدارة الأمريكية، لتعطيل إجراءات المجلس حتى في ما يتعلق بشأن ذلك العنوان الزائف والمضلل والمخادع، لتوفير المزيد من المساحات الزمنية لكيان الاحتلال والإجرام الصهيوني، لاقتراف المزيد من أفعال جريمة الإبادة الجماعية، هذه الجريمة التي عدَّتها الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1948م (آفة بغيضة تتطلَّبُ تعاونًا دوليًّا لتحرير البشرية منها).
ورغم أن الإبادةَ الجماعية الموصوفة من جانب الجمعية العامة للأمم المتحدة بأنها آفة بغيضة، تقترف أفعالها على مرأى ومسمع من الجمعية العامة للأمم المتحدة، بشكل مباشر يوميًّا وعلى مدار الساعة منذ ما يقرب من عامين، ضد أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، ودون أن تتحَرّك الجمعية العامة للأمم المتحدة حتى لاستدعاء ذلك الوصف لتذكير الإنسانية بأن جريمة الإبادة الجماعية لا تزال تمثل (آفة بغيضة) وأن هذه الآفة لا تزال تتطلب تعاونًا دوليًّا لمواجهتها.
لكن لماذا تتغاضى الجمعية العامة عن الحالةِ القائمة بحق أبناء الشعب الفلسطيني، وتبخل عليهم حتى بمُجَـرّد الإقرار بشكل جماعي بأن ما يتعرضون له يعد جريمة إبادة جماعية، رغم أن المعطيات الواقعية في قطاع غزة على درجة من اليقين والوضوح، تفوق آلاف المرات الحالةَ التي أقرت وفقًا لمعطياتها سنة 1948 بأن الإبادة الجماعية (جريمة بمقتضى القانون الدولي، تتعارض مع روح الأمم المتحدة ويدينها العالم المتمدن)! واعترفت حينها بأن هذه الجريمة قد (ألحقت في جميع عصور التاريخ خسائرَ جسيمة بالإنسانية)!
فهل سقطت الإنسانية عن الجمعية العامة للأمم المتحدة؟ وهل انتهى العالم المتمدن الذي تحدثت عنه الجمعية للأمم المتحدة في حينه بأنه يدين جريمة الإبادة الجماعية؟ أم أصبح ذلك العالم المتمدن عالمًا همجيًّا متوحشًا؟ أم أن الحالةَ في قطاع غزة لا تمت للإنسانية بصلة؟ أم أن الإنسانية والعالم المتمدن في الغرب فحسب؟ ولماذا كُـلّ هذا الغياب للفصل السابع من فصول ميثاق الأمم المتحدة عندما يتعلق الأمر بحالات الإبادة الجماعية وحالات العدوان عندما تكون ساحتها الجغرافيا العربية والإسلامية؟
تجدر الإشارة إلى أن إقرارَ الجمعية العامة للأمم المتحدة بالوصف السابق للإبادة الجماعية كان عقب الترويج الواسع لما سمي بالمحرقة المزعومة "الهولوكست" بحق اليهود، التي لم تكن مشاهدة بشكل مباشر كما هو الحال بالنسبة للمحرقة الصهيوغربية، بحق أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، ومع ذلك اكتسب الصهاينة بفعل النفاق العالمي تعاطُفًا كَبيرًا نتج عنه إقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بخطورة الإبادة الجماعية بموجب قرارها رقم 96 لسنة 1946م وما تبع ذلك من تبنِّيها اتّفاقيةَ منع الإبادة الجماعية والمعاقَبِ عليها لسنة 1948م.
ورغم ثبوت حالات العدوان من جانب القوى الاستعمارية الصهيوغربية على عددٍ من البلدان العربية والإسلامية، إلا أن الفصلَ السابع ظل على حاله غائبًا عن المشهد، ودون حاجة لإيراد حالات سابقة نكتفي هنا بحالتين فقط فما تعرض له الشعب اليمني من عدوان صهيوأمريكي سافر، لم يترتب عليه أيُّ حضور للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة! وكذلك الحال بالنسبة للعدوان الصهيوغربي على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، فالفصل السابع ملتزِمٌ حالةَ الغياب رغم أن الإجرامَ والعدوان هو الحاضر الوحيد في الساحة!
ولا حضور كذلك لمجلس الأمن الدولي حتى لتقييم الحالة على أرض الواقع، وما إذَا كان ينطبق عليها وصفُ العدوان من عدمه وفقًا للمادة (39) من الميثاق التي نصت على أن (يقرّر مجلس الأمن ما إذَا كان قد وقع تهديد للسلم أَو إخلال به أَو كان ما وقع عملٌ من أعمال العدوان، ويقدم في ذلك توصياته أَو يقرّر ما يجب اتِّخاذُه من التدابير طبقًا لأحكام المادتَين 41 و42 لحفظ السلم والأمن الدولي أَو إعادته إلى نصابه).
ورغم انعقاد مجلسِ الأمن الدولي مرتَينِ إلا أن القوى الاستعماريةَ الصهيوغربية قد حالت حتى دون صدور بيان من المجلس يعتبر ما تعرضت له الجمهورية الإسلامية عدوانًا من شأنه الإخلال بالسلم والأمن الدولي! وهو ذات السلوك الذي تمكّنت من خلاله تلك القوى من الحيلولة دون صدور قرار أَو بيان من مجلس الأمن الدولي يصف الحالة في غزة بأنها إبادة جماعية أَو أن يصدر قرار ملزم بوقف إطلاق النار في قطاع غزة، وفقًا للترويج الزائف والمضلِّل عن الحالة في القطاع بأنها نزاعٌ مسلح!
وتمكّنت القوى الاستعماريةُ الصهيوغربية بوضعِها المتميز في مجلس الأمن الدولي ليس من تغييب الفصل السابع فقط، بل من تعطيل المجلس بشكل عام؛ إذ لم يصدر عنه أي إجراء ليس لوقف جريمة الإبادة الجماعية أَو جريمة العدوان، بل حتى لمُجَـرّد الإدانة التنديد، وأصبحت النصوص القانونية التي تخول المجلس إجراءات محدّدة مُجَـرّد حبر على ورق ومنها المادة (41) من الميثاق التي نصت على أن (لمجلس الأمن أن يقرّر ما يجب اتِّخاذُه من التدابير التي لا تتطلب استخدام القوات المسلحة لتنفيذ قراراته، وله أن يطلب إلى أعضاء "الأمم المتحدة" تطبيق هذه التدابير، ويجوز أن يكون من بينها وقف الصلات الاقتصادية والمواصلات الحديدية والبحرية والجوية والبريدية والبرقية واللاسلكية وغيرها من وسائل المواصلات وقفًا جزئيًّا أَو كليًّا وقطع العلاقات الدبلوماسية).
وكذلك المادة (42) منه التي نصَّت على أن (إذا رأى مجلس الأمن أن التدابيرَ المنصوص عليها في المادة 41 لا تفي بالغرض أَو ثبت أنها لم تفِ به، جاز له أن يتخذَ بطريقِ القوات الجوية والبحرية والبرية من الأعمال ما يلزم لحفظِ السلم والأمن الدولي أَو لإعادته إلى نصابه. ويجوز أن تتناول هذه الأعمال المظاهرات والحصر والعمليات الأُخرى بطريق القوات الجوية أَو البحرية أَو البرية التابعة لأعضاء "الأمم المتحدة".).
وإذا كان مجلسُ الأمن الدولي قد تنصَّلَ عن الواجبات السابقة؛ بسَببِ تأثيرِ القوى الاستعمارية الصهيوغربية، فَــإنَّ كُـلَّ الإجراءات التي اتخذتها الجمهوريةُ الإسلامية والجمهورية اليمنية في مواجهةِ الكيان الصهيوني وشركائه في جريمة الإبادة الجماعية، تندرج ضمن الواجباتِ التي ألزم بها الميثاقُ مجلسَ الأمن الدولي، فإذا سقطت هذه الواجبات عن المجلس لأي سبب كان، فلا تسقط بحال من الأحوال عن الدول فرادى وجماعات وفقًا للمادة (48) من الميثاق التي نصت على أن (الأعمال اللازمة لتنفيذ قرارات مجلس الأمن لحفظ السلم والأمن الدولي يقوم بها جميع أعضاء "الأمم المتحدة" أَو بعض هؤلاء الأعضاء وذلك حسبما يقرّره المجلس).
وطالما كانت الغاية حفظ السلم والأمن الدولي ومنع وقمع كُـلّ من يخل به، وطالما أن الجمهورية الإسلامية والجمهورية اليمنية عضوان في الأمم المتحدة، فَــإنَّ هذه الغاية (حفظ السلم والأمن) تظل قائمة أصدر المجلس قرارات بشأنها أَو لم يصدر، وتظل الواجباتُ قائمةً على عاتق كُـلّ دولة يمكنها مع غيرها أو بمفردها اتِّخاذ ما في وسعها من الإجراءات التي من شأنها منع العدوان وقمع المعتدي ومنع الإبادة الجماعية وقمع مقترف أفعالها، ويعد ذلك تجسيدًا لما ورد بالمادة (56) من الميثاق التي نصت على أن (يتعهَّدَ جميعُ الأعضاء بأن يقوموا، منفردين أَو مشتركين، بما يجب عليهم من عملٍ بالتعاون مع الهيئة لإدراك المقاصد المنصوص عليها في المادة 55).
ولأن القوى الاستعمارية الصهيوغربية تحديدًا دائمةَ العضوية في مجلس الأمن الدولي قد عطَّلت المبادئَ النظريةَ التي قامت عليها منظمةُ الأمم المتحدة، ووظّفت هذه المنظمة لتحقيق مصالحها غير المشروعة وأطماعها الاستعمارية، وصادرت حقوق الشعوب، خُصُوصًا العربية الإسلامية، وهو ما يوجبُ على هذه الشعوبِ مقاومةُ الأطماع الاستعمارية بما يكفلُ منعها وردعها عن الاستمرار في نهجها الاستعماري التوسعي، الذي أخل إخلالًا جسيمًا بما تضمَّنته المادة (55) من الميثاق التي نصَّت على أن (رغبةً في تهيئة دواعي الاستقرار والرفاهية الضروريَّين لقيام علاقات سليمة ودية بين الأمم المتحدة مؤسّسة على احترام المبدأ الذي يقضي بالتسوية في الحقوق بين الشعوب وبأن يكون لكُلٍّ منها تقريرُ مصيرها، تعملُ الأممُ المتحدة على:
1- تحقيق مستوى أعلى للمعيشة وتوفير أسباب الاستخدام المتصل لكل فرد والنهوض بعوامل التطور والتقدم الاقتصادي والاجتماعي.
2- تيسير الحلول للمشاكل الدولية الاقتصادية والاجتماعية والصحية وما يتصلُ بها، وتعزيز التعاون الدولي في أمور الثقافة والتعليم.
3- أن يشيعَ في العالم احترامُ حقوق الإنسان والحريات الأَسَاسية للجميع بلا تمييز؛ بسَببِ الجنس أَو اللُّغة أَو الدين، ولا تفريقَ بين الرجال والنساء، ومراعاة تلك الحقوق والحريات فعلًا.