في معرض حديث مجلسنا اليومي الذي نرتشف فيه الوعيَ والبصيرةَ من محاضرات الشهيد القائد المؤسس السيد الحسين بن بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه، وعقب الدرس توجهت إلى الحاضرين متسائلاً:
لماذا، وبماذا انتصرنا على الأعداء رغم إمكاناتهم الهائلة مقابل إمكاناتنا المحدودة، في عدوانهم المستمر منذ عشر سنوات، مع ما رافقه من حصار خانق حتى اليوم؟ ثم تَلاه طوفانُ غزة، الذي سارعنا لتقديم الدعم والإسناد لأبطال غزة، وفرضنا حصارًا على كيان الاحتلال الغاصب من البحرين الأحمر والعربي، وأغلقنا باب المندب. فضلًا عن قصف المستوطنات بمختلف الصواريخ والمسيَّرات.
وهنالك استغاث الكيانُ بالفرعون الأمريكي لتحييدنا عن إسناد غزة، فكسرنا شوكته وأفشلنا حملته، وغيرنا المعادلات فحيَّدناه عن إسناد الكيان اللقيط بفضل الله. وها نحن نخوض الملاحم ونَسْطُرُ الانتصارَ تلو الانتصار؟ فما أن انتهيتُ من سؤالي حتى انبرى الولدُ محمدٌ مستأذنًا للحديث فأجزته.
فاستطرد قائلاً:
«لربما أجابك البعض ببساطة بالقول: لأننا نملك (صواريخَ فرط صوتية وباليستيةً والمسيَّراتِ على اختلافها: طائراتٍ وغواصاتٍ)، ناهيك عن أن الشعبَ اليمنيَّ معروفٌ بقوته وبأسه الشديد عند لقاء أعدائه. حتى قيل: إن اليمنَ مقبرةُ الغزاة، وخيرُ شاهدٍ على صحة هذه المقولة ما حلَّ بالعثمانيين في مذبحةٍ غربيَّ العاصمة صنعاء التي سُمّيت بهذا الاسم نسبةً لمذبحتهم في ذلك الموضع، فضلًا عن مقابرِهم المتناثرة في مناطق شتى من البلاد.
والمعلوم عن الشعب اليمني عِزَّتُه وإباؤه وحريته وأنفته، التي تجعله يرفض الذلَّ والهوانَ والخضوعَ للمتجبرين. وهيهات لشعب الحكمة والإيمان أن يُستعبد! أوَما قرأتَ قولَ الله فيهم: ﴿نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ﴾؟
وقد يجيبك البعض بقوله: لعل تضاريسَ اليمنِ تحول دون تمكن الغزاة من التوغل في البلاد والوصول إلى جباله ووديانه، مهما امتلكوا من العتاد والآلاف المؤلَّفة من الأجناد.
فهل ذلك كافٍ للنصر في كل الأوقات؟
لا شك أن اليمنيين هم أهل إيمان وحكمة فصنعوا مختلف السلاح، وهم أولو قوة وبأس شديد فثبتوا وصمدوا واستبسلوا في كل المعارك لكسر الغزاة على مدى التأريخ كالجراكسة والعثمانيين والبريطانيين.
إن كلَّ ما ذكرناه آنفًا من المقومات يُعد من أسباب وعوامل النصر.
بيد أن الحقائق القرآنية وفقًا لسنن الله تؤكد أن النصر المطلق عطاءٌ وهبةٌ من الله الأعلى لعباده المؤمنين المجاهدين الصابرين متى ما نصروا الله سبحانه وتعالى؛ وهو وعد الله الضامن للنصر الإلهي إذا ما انطلقوا في جهادهم في سبيل الله لرد كيد المعتدين الظالمين المتجبرين، انتصارًا لمظلوميتهم ونصرةً للمستضعفين المعتدى عليهم من الطغاة والغزاة المحتلين؛ ذلك أن الله قد أذن لهم ووعدهم بنصره لقوله تعالى: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴾ وقوله عز من قائل: ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ وقوله تعالى: ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ﴾
ويلزم لتحقيق هذا النصر الإعدادُ للمواجهة بقدر المستطاع من القوة والإنفاق في سبيل الله لقوله تعالى:
﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ﴾
وليس للكثرة أثر في تحقيق النصر فالمؤمنون على قلتهم يحظون بالنصر والتمكين قال تعالى: ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾
وقال سبحانه وتعالى: ﴿قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾
ولكي نستأهل المدد الرباني بملائكته ومعونته والتوفيق والسداد والنصر المطلق، فينبغي أن يكون ذلك مقترنًا بإيمان مطلق بوعود الله، وافتقارٍ إليه، وتوكلٍ عليه، مع الإكثار من ذكر الله والاستغفار؛ فنحن لا شيء إلا بالله، فضلًا عن الحذرِ الشديد من التفريط بتوجيهاته.
غير أنه ليس بإمكان أي طائفةٍ أو شعبٍ في أي بلد – مهما كانت تضاريس بلده، وكيفما كان ماضيه أو حاضره، ومهما بلغ من القوة وشدة بأسه وكثرة عدده وعتاده – أن ينتصر (أو بالأصح: لن يحقق أيَّ تفوقٍ أو انتصار) ما لم يقاتل المؤمنون عدوهم صفًّا كأنهم بنيانٌ مرصوصٌ بصبر وثبات؛ وهي الطريقة التي يحبها الله.
ومن هذا المنطلق، يقتضي حصول النصر وجوبًا أن تمتلك الأمةُ ثلاثَ ركائز أساسية، وهي: *القيادةُ، والمنهجُ، والأمةُ*.
فأما القيادةُ: فليست تلك التي تقود إلى النصر وهي تقود شعوبَها لتحقيق الانتصارات الشخصية.
بيد أن القيادةَ التي تحمل همَّ شعبها وأمتها، وتربط الأمةَ بالقائد الفعلي لهذا الكون، وتدعونا إلى الانتصار لدين مَنْ خلقنا، مالك يوم الدين. قيادةٌ ربانية لا تنفك تدعونا بداعي الله بالحق والعدل والعبودية لله رب العالمين، والدفاع عن المستضعفين المظلومين.
وأما المنهجُ: فليس أيُّ منهجٍ قادرٌ أن يحقق للأمة العزةَ والكرامةَ والمجدَ كالقرآن الكريم.
فآياتُه المحكمات أنزلت من لدن حكيم خبير، يعلم السرَّ في السماوات والأرض، وهو أعلم بما ينفعنا وما يضرنا. فآياتُه كفيلة بأن تجعل من أي شخصٍ يساوي أمةً لوحدها، وتجعل من لا شيءٍ يكون كلَّ شيءٍ، فترتقي بالناس، وتحررهم من العبودية لغير الله رب العالمين.
ومهما تكلمنا عن القرآن الكريم، لن أستطيع وصفه؛ فهو بحرٌ لا يُدرك قَعْرُه.
وأما الأمةُ: فالمراد الأمةُ الحيةُ الفاعلةُ المؤثرةُ، المستجيبةُ لله الأعلى في كل المواقف على اختلافها، صغيرها وكبيرها، حتى يكون الواحدُ منهم في تحركاته وأفعاله جنديًا شاملَ المهام. فنبي الله إبراهيمُ كان أمةً.
وليست الأمةُ بكثرة العدد والمناصرين، وإنما بكمال الوعي والبصيرة، وصدق الولاء، والتسليم المطلق، والتفاني في العمل بإخلاص ومحبة، والاستبسال في الجهاد في سبيل الله وبذل الجهد.
وختامًا فإنه ما كان لنا أن ننتصر إلا لأننا أمةٌ عرفنا خالقَنا وربَّنا، وتولَّينا في أمرنا بتولية مَنْ عرَّفنا بمنهج الله ودينه حقَّ المعرفة، فانطلقنا بجهادنا ونحن نعلم يقينًا أن مَنْ توكلنا عليه هو الله رب العالمين، فصَغُر كلُّ ما دونه في أعيننا.
قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ﴾
ثم أنهى حديثه بالقول: وبهذه الركائز وما رافقها من إعداد ولجوء إلى الله والخشية منه والإقبال عليه بالدعاء انتصرنا، وبهكذا مسار حتمًا سنحرر فلسطين. ولعل ما تحقق لنا من انتصارات خلال عشرة أعوام من المواجهات لخير برهان وشاهد ودليل.
فقلت: أحسنتَ أيها الولد المبارك، باركك الله وأحسن إليك، وزادك وإيانا علمًا ويقينًا وإيمانًا وتسليمًا.
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
*والحمد لله رب العالمين*