بالأمس كان المشهد في فلسطين عنوانًا لملحمة البراءة الثائرة: أطفال حفاة، بقمصان ممزقة، يحملون الحجارة في مواجهة جرافات الاحتلال، يُطارِدون جنديًّا مدجّجًا بالسلاح بحجرٍ صغير وإيمانٍ عظيم... هؤلاء هم أطفال الحجارة الذين أذهلوا العالم وأربكوا آلة الحرب الصهيونية بثباتهم.
واليوم، أُولئك الأطفال لم يغيبوا، بل كَبُروا، وتحوّلوا إلى فرسان "حجارة داوود"، رجالٌ أشداءُ يديرون المعركةَ بصواريخَ دقيقة، وخطط محكمة، وتكتيكات أدهشت حتى خصومهم. صاروا أبطالًا لا يُقاتلون بالحجارة، بل يصنعون المعادلات بالصواريخ، يضربون يافا ، ويُسقطون أُسطورةَ الأمن الصهيوني.
وفي الضفة الأُخرى من جغرافيا الأُمَّــة الجريحة، كان هناك صوت آخر، يعلو من جبال اليمن:
"الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام".
هكذا كان يصرخ الأشبال في المساجد، في المجالس، بعد صلوات الجمعة،... أشبال نشأوا على الوعي والبصيرة، على ثقافة قرآنية ترى أن العدوّ يمثل خطرًا، وَمشروعًا استكباريًّا يجب كسره.
أُولئك أشبال صرخة الحق، كبروا بدورهم، وتشكّل وعيُهم في زمن الحروب الست إلى زمنِ العدوان والحصار، فصاروا اليوم أبطالَ الصواريخ الفرط صوتية والمسيَّرات الهجومية بعيدة المدى. هم من يقفون خلفَ "حاطِم" و"وبركان" و"فلسطين١، ٢"، "ويافا" وهم من يضعون توقيع "اليمن" على كُـلّ عملية تهزّ الكيان في البحر أَو على اليابسة.
إنهم أبناء المشروع القرآني الذين فهموا أن المعركة واحدة، وأن العدوّ واحد، وأن ما يُزرع في غزة يُحصَد في البحر الأحمر، وما يُهتَفُ في صنعاء يُسمَع صداه في القدس.
لم يعد الصراع بين شعبٍ أعزلَ وجيش محتلّ، بل بين محور مقاوم يُجيد لُغةَ العصر، وبين تحالف استكباري يتآكلُ من الداخل.
لم تعد الحرب بين حجر ودبابة، بل بين وعي أصيل وإمبراطوريات من الوَهْم.
فمن غزة إلى صنعاء، يتشكَّل جيلٌ لا يُراهِنُ على التسوية، ولا يركنُ إلى قرارات مجلس الأمن، بل يصنعُ واقعَه بيده، ويكتب تاريخَه بصوته وصاروخه.
جيلٌ يعرف أن الحرية لا تُستجدَى، وأن النصرَ لا يُهدَى، بل يُنتزَعُ انتزاعًا من بين أنياب الطغاة.
هؤلاء ليسوا فقط أبناءَ فلسطين أَو اليمن، بل أبناء الأُمَّــة كلها... هم الطليعة التي تعيد للمستضعَفين هيبتَهم، وللقضية الفلسطينية مكانتَها، وللمعادلات العسكرية ميزانَها الصحيح.
فطوبى لأطفال الحجارة الذين صاروا فرسانَ صواريخ.
وطوبى لأشبال الصرخة الذين صاروا مهندسي الردع.
وطوبى لأمةٍ ما زال فيها من يُجيد تحويلَ الألم إلى قوة، والدمَ إلى نصر.