في خطوة جديدة تُجسِّد تحدّي اليمن للهيمنة الأمريكية وأدواتها، أعلنت حكومة صنعاء إصدار ورقة نقدية جديدة، فئة 200. لتكون الخطوة أكثر من مجرد إجراء مالي أو مصرفي، بل صفعة مدوّية في وجه الحرب الاقتصادية الممنهجة التي استهدفت الشعب اليمني، وعنوانًا صريحًا لمرحلة من التحدي والثبات في وجه الحصار والعدوان.

إصدارٌ نقدي جديد لا يأتي بمعزل عن مسار طويل من الصمود اليمني، بل هو ثمرة من ثمار ثورة 21 سبتمبر، التي لم تكتفِ بإسقاط الهيمنة السياسية بل امتدت يدها لتنتزع القرار الاقتصادي من قبضة واشنطن وأدوات صناديقها السوداء.

تتجلى في هذه الورقة أبعادٌ تأريخية ثقافية وفكرية عميقة، ففي وجهها الأمامي يظهر جامع الجَنَدَ في تعز، الذي أسّسه الصحابي الجليل معاذ بن جبل بأمر من رسول الله صلوات الله عليه وآله، كمَعْلَم روحي وتاريخي يربط اليمنيين بجذورهم الإسلامية، ويعبّر عن البعد الحضاري لهوية اليمن التي يحاول العدوان طمسها. إنه تذكير بأن المعركة ليست فقط على الجغرافيا أو الاقتصاد، بل هي معركة على الذاكرة والانتماء، وعلى الوعي الجمعي للشعوب.

وفي الجهة الخلفية، تم اختيار ووضع صورة ميناء المعلا في عدن، المدينة الجنوبية التي يحاول الاستكبار العالمي وأدواته تحويلها إلى كانتون معزول. لكن هذه الرسالة البصرية البليغة تؤكد أن الوحدة اليمنية ليست شعارًا يُرفع، بل إيمانٌ راسخ بأن اليمن واحد من صعدة إلى المهرة، ومن صنعاء إلى عدن.

لقد كانت الحرب الاقتصادية إحدى أقذر أدوات العدوان الأمريكي السعودي، حيث سعى لتحويل البنك المركزي إلى سلاح حصار وتجويع، وتدمير العملة كوسيلة خنق بطيء للشعب اليمني. لكن صنعاء، بهذا الإصدار، لا ترد فقط على هذا العدوان، بل تعلن أنها قادرة على إعادة هندسة النظام المالي وفقًا لمصالحها الوطنية، وبمعايير تحفظ الكرامة والاستقلال.

هذه الورقة النقدية ليست حبرًا على ورق، بل توقيع جديد لمرحلة من التحرر والسيادة. إنّها تقول ببساطة: اليمن هنا، حيٌّ يُقاوم، يُدير اقتصاده، ويحفظ ذاكرته، ويرسم مستقبله بنفسه.