في كُـلّ مرة نرى غزة تُذبح نسأل:

أين الضمير؟ أين النخوة؟ أين الأُمَّــة؟

لكننا لا نسأل السؤال الأهم:

من قتل الضمير أولًا؟ ومن سلب هذه الأُمَّــة نخوتها وهي تضحك؟

الحقيقة أن القاتل معروف،

لم يأتِ من السماء، ولم ينفجر من باطن الأرض،

بل تربّى بيننا، وتزيّا بزيّ العلماء،

وتدثّر بثياب الدين،

واحتلّ منابر الوعظ ليمارس أبشع عملية غسيلٍ للأُمَّـة:

غسل الوعي، وإعادة تشكيل العقل العربي والإسلامي ليكون خانعًا بطبعه، أعزل أمام الباطل، جبانًا أمام العدوّ.

علماء السوء، دعاة الفكر الوهَّـابيّ الأمويّ، هم خط الدفاع الأول عن كُـلّ طاغية،

هم من لجموا أفواه الشعوب بفتاوى الطاعة العمياء،

هم من أوهموا الأُمَّــة أن المذلّة دين، والصمت حكمة، والنفاق فقه واقع.

غزة لا تُذبح بصواريخ العدوّ فقط،

بل بخذلان أُمَّـة أُفرِغت من مضمونها الأخلاقي والديني،

على يد دعاة البلاط، وأبواق السلطة، ومشايخ الفتنة.

لا تطلب من جثّة أن تنهض،

فهذه الأُمَّــة لم تمت وحدها، بل أُميت ضميرها عمدًا وبإصرار،

حتى صار منظر الدم مشهدًا عابرًا،

والصراخ خلف الشاشات مُجَـرّد ضوضاء.

نحن أمام جريمة ثقافية ممنهجة،

عدوّها الأول ليس العدوّ الصهيوني فقط،

بل أُولئك الذين علّموا الناس كيف يبرّرون للعدوّ جرائمه بألسنتهم،

قبل أن يبرّرها سلاح العدوّ بصواريخه.

هؤلاء هم العدوّ الأخطر،

الذين جعلوا من الدين جلدًا مسلوخًا عن قيمه،

ومن الإسلام مؤسّسة بيروقراطية لا علاقة لها بتحرير ولا مقاومة.

فلا تسألني عن صمتهم،

بل اسأل: من علّمهم أن يكونوا صامتين،

ومن أقنعهم أن الموت تحت الأنقاض قَدَر شعب، لا قضية أُمَّـة.

حين تجيب على هذا السؤال، ستعرف أن علماء السوء لا يصنعون فتاوى فقط،

بل يصنعون أُمَّـة عاجزة، فاقدة لذاتها.

وهذه هي الجريمة التي لن تسقط بالتقادم أمام الله تعالى.