في مشهد يتكرّر منذ عقود، تواصل آلة الحرب الإسرائيلية عدوانها الهمجي على قطاع غزة، وسط مجازر تُرتكب يوميًّا بحق المدنيين العزّل، في ظل صمت دولي مريب وعجز أممي مطبق. وبينما يرزح أكثر من مليوني فلسطيني تحت وطأة الحصار والجوع والدمار، جاءت الخطوة اليمنية كصرخة في وجه هذا الظلم المُستمرّ.
القوات المسلحة اليمنية أعلنت قرارًا استراتيجيًا جريئًا: استهداف السفن التابعة للشركات التي تتعامل مع إسرائيل.
خطوة عسكرية لم تأتِ من فراغ، بل انطلقت من قناعة راسخة بمعادلة جديدة في الصراع: الحصار بالحِصار، والتصعيد بالتصعيد.
القرار لا يعكس فقط تضامنًا مع الشعب الفلسطيني، بل يعيد رسم بعض ملامح الردع في المنطقة.؛ إذ ترى القيادة اليمنية أن الضغط الاقتصادي على إسرائيل — عبر ضرب خطوط الإمدَاد البحري وسلاسل التوريد — يشكل نقطة ضعف يمكن استغلالها لإرباك المنظومة اللوجستية داخل الكيان، وزيادة التكاليف المرتبطة بالشحن والتأمين، وهو ما قد يُحدث تأثيرا فعليًا في الداخل الإسرائيلي، اقتصاديًّا وسياسيًّا.
لكن ما وراء القرار بُعدٌ أعمق من السياسة والعسكر. إنه استجابة إنسانية وأخلاقية، في وجه ما يوصف بأنه "إبادة جماعية" تُنفذ أمام أعين العالم. اليمن، برغم جراحه، قرّر ألا يقف موقف المتفرج. فقد جعل من صرخات الأطفال، واستغاثات الثكالى، ومعاناة الشيوخ في غزة، دافعًا لاتِّخاذ موقف يتجاوز الشجب والإدانة، نحو الفعل المباشر.
الرسالة واضحة: من يشارك أَو يتواطأ أَو يصمت أمام هذه الجرائم، فلن يكون بمنأى عن العواقب. ولم تعد الجغرافيا، ولا الحواجز السياسية، تبرّر الحياد في زمن المجازر.
وفي سياق عربي وإسلامي يشهد تراجعًا حادًّا في المواقف الرسمية، يعكس الموقف اليمني روح الأُمَّــة التي لا تزال تنبض بالكرامة والوعي بقضيتها المركزية: فلسطين. فهو يُثبت أن الإرادَة الشعبيّة والمقاومة الواعية لا تحتاج دائمًا إلى إمْكَانيات هائلة، بل إلى قرار، وإيمان بالحق، واستعداد للتضحية.
قد تختلف الآراء حول الوسائل، لكن ما لا يمكن إنكاره أن قرار القوات المسلحة اليمنية كسر دائرة الصمت، وفرض على المشهد بُعدًا جديدًا، يُعيد للمنطقة مفهوم الردع الشعبي، والعدالة من خارج المؤسّسات الدولية الصامتة.
إنها رسالة تقول بوضوح: غزة ليست وحدها.