حدثني صنو التاريخ، سليل المجد وصولجان الحكمة، إن سألوك عن اليمن؛ فقلْ: هو الموج إذا غضب، والصخر إذا احتدّ، والسهم إذا أطلقَ لم يرجع، هو النجمُ حين يتيهُ العابر عن خرائط الجغرافيا، والفجر حين يُعيد صياغة المدى بحرًا وبرًّا وسما.
يا صاحِ؛ في ذات زمانٍ متقلب، وقُبيل انحناء الشمس على أكتاف البحر الأحمر، نطقت اليمن بلسان القائد، وأعلنت قواته المسلحة بلسان الشعب؛ بيان لا يعرف الحياد، عن انطلاقِ المرحلة الرابعة من الحصار والاسناد، لا هدفَ لها سوى كيانٍ معتدٍ غاصب، أرعن كاذب، لا جنسية تُنجيه، ولا موقعٌ يُعفيه.
فيا للهول..!؛ أيُّ رُبانٍ هذا الذي قلبَ ميزان البحار؟، وأيُّ مرفأٍ سيأوي المتواطئين إليه من قبضة اليمن القادم من ضمير الألم المسكوب على أخاديد الصمت ليملأها نارًا وحديدًا؟
يا صاحِ؛ هنا صنعاء، لا تنطقُ من فراغ، ولا تضربُ من وهم؛ فما وُلد هذا القرار إلا من رحمِ الإيمان والعمليات، والحكمة والتجارب الناصعات، ومن التاريخ العرمرم، الذي دوّنهُ ملح البحر والدم معًا.
يا صاحِ؛ لقد تحدث القائد، وكان صوته كدويّ رعدٍ وبريق صعق، صداه يتردد في الأرجاء وعم الفضاء؛ فانطلقت المرحلة كما تنطلق الصواعق من سحابها، لا تُخلف وعدًا، ولا تنتظر شكرًا ولا تصفيقًا.
فليس بعد اليوم رماد ولا ضباب ولا غبار؛ إما أن تكون ضدّ الاحتلال الغدار، أو تُحسب في طابور الخزي والعار؛ إذ لم تعد السفن تُقرأ بجوازات سفرها؛ بل بخط سيرها، وميناء ولائها؛ فالذي يقف في موانئ الصهيوني، يُعدّ هدفًا، وإن كتب على حافاته "أوروبي" أو "أمريكي" أو حتى "عربي"!
يا صاحِ؛ غزة تنزف، والعروبة مترفةً ترقص وتعزف، والعالم يضع المساحيق على وجوه القتلةِ الموتى، ويعمق الفوضى؛ هُنا قرر اليمن أن يزيح الغطاء عن مسرح النفاق، وأن يحيل صمت العالم إلى ضجيجِ بحرٍ مُزلزل في الآفاق، يحمله سلاحه وعتاده وإلى كل ميدان يزحف، وقرارات تدفعها سواعد كالفولاذ وقلوب لا ترجف.
يا صاحِ؛ البحر ملعب الغضب، ومسرح لوعدٍ يلتهب، من البحر الأحمر إلى الخليج وبحر العرب، ومن مرافئ آسيا إلى سواحل إفريقيا، صار كل خطٍ ملاحي يقرأ البيان العسكري اليمني، ويحسب المسافة بينه وبين "أي مكان تطاله الأيدي".
يا للهلع..!، أيّ خطوط تأمين ستتحمل كلفة الاقتراب من موانئ الاحتلال؟، أي شركة ستغامر باسمها وسفنها في لعبةٍ خاسرة مع اليمن الذي لا يلعب؟، وإنما يضرب ويؤدب.. ويشحن الأمة عزة، بحصارٍ لكل من يحاصر غزة.
يا صاحِ؛ فكل ميناء صهيوني يجب أن يتحول إلى سراب، وكل شركةٍ تتورط تتحول إلى همٍّ وخراب، وكل اقتصاد يحوم حول الكيان الغاصب، سيجد نفسه عالقًا في متاهة بحرٍ غاضب، لا مخرج منه إلا بالتراجع؛ فلا ينفعه التمويه أو لبوس البراقع.
دول عظمى وشركات كبرى الآن في مأزق؛ فهل تبقى على ولائها وتغامر بأساطيلها؟.. أم تفك الارتباط وتقطع الوصال والأوتار، قبل أن تبتلعها دوامة اليمن ووثبة الأنصار؛ فالجميع عليهم الاختيار بعد هذا الإشعار؛ فلم تعد الساحة تتسع إلا للأحرار.
فجأة.. وقف الراوي ينادي وفي صوته حشرجة ألم، وعليه غصة ندم يدفعها أمل: يا أمة العرب، أما آن لكم أن تُبحروا في الاتجاه ذاته؟، ألا ترون كيف تُكتب الملاحم؟
اليمن لا يفاوض بالهوان؛ بل يقارع الطغاة بالعزة والمتجبرين بالكرامة، لا يقف متفرجًا على غزة؛ بل يتحد مع الماء والنار ليقف معها.. وبها.. ولأجلها؛ فهل فيكم من يُتقن لغة اليمن إذا نطق؟
يا صاحِ؛ هكذا تكلم اليمن، بلهجةٍ لا تخشى من التهديد، ولن يتراجع عن وعيد، يطوّق السفن في خضم الطوارئ، ويكشف العورات في المرافئ، مطبقًا حصاره، يطوي المدى مطلقًا شعاره، كأنه يسير على يقينٍ لا يعرف الخسارة.
يا صاحِ؛ فإن رأيت من ليس بالقول يتعظ، أن احذروا الموج إذا انتفض، واحذروا اليمن فهاهنا نهض.. فلا يلوح بالبندقية عبثًا، ولا يرمي في البحر حجرًا.. بل قنبلة عالمية تصل لألف ميل، من العيار الثقيل.. وتمت المقالة وختمت المقامة، والبحر لم ينتهِ بعد؛ فإن للموج بقية...