في لحظة استثنائية من لحظات التاريخ، وفي مشهد تختلط فيه الدموع بالمطر، وتتوشّح فيه الأرض بكرامة الشرفاء، شهدت العاصمة صنعاء ومختلف المحافظات اليمنية يومًا لا يُنسى.. يومًا تلاقت فيه السماء بالأرض، لا لتهطل مطرًا فحسب، بل لتشهد على وفاء شعب، وعلى ملحمة لا يصنعها سوى الأحرار في زمن الانكسار.
رغم الأمطار الغزيرة التي غمرت الشوارع، ورغم حبات البرد التي كانت تقسو على الأجساد، لم يتراجع اليمنيون، ولم ينكفئوا إلى دفء البيوت. بل خرجوا من ميادين صنعاء إلى ميادين صعدة، من ذمار إلى إب، من تعز إلى الحديدة وغيرها، في مسيرات مهيبة كأنها نهرٌ بشريٌّ جارف، يصرخ بالحقيقة في وجه عالمٍ أخرس؛ لم تكن المظاهرات مُجَـرّد مناسبة، بل كانت إعلانا جديدًا بأن قضية فلسطين لا تزال في صدارة الوجدان اليمني.
رغم اضطراب الطقس الجوي بأمطاره الغزيرة الممزوجة بحبات البرد، واضطراب الطقس السياسي برياح المؤامرات وتيارات التطبيع، واشتعال الطقس العسكري بنيران العدوان والحصار، خرج اليمنيون كما يخرج النور من عتمة الليل، لا يثنيهم بردٌ ولا ترهبهم نار المؤامرات ولا تهزهم رياح التهديدات، ولا تربكهم الحسابات.
لقد تحدّوا جميع الظروف – جوًّا وسياسةً وسلاحًا – وأثبتوا أن إرادَة الشعوب حين تتصل بالمقدّسات، تصبح أقوى من أي مناخ، وأصلب من أي جدار.
لقد كانت قطرات المطر التي تبلّل وجوههم دموع السماء على أطفال غزة، وكانت حبات البرد المتساقطة شاهدةً على صلابة الإيمان في قلوبهم، وإصرارهم على أن لا تذبل راية فلسطين، ولا تنكسر كرامة الأُمَّــة.
وكلما اشتدّت المعاناة في سبيل نصرة غزة، كلما تعاظم شعور اليمنيين بالطمأنينة، وكأنهم يخوضون معركة الشرف على طريق النصر المؤجل. ومن يرى هذا الحشد الممتد من شمال اليمن إلى جنوبه، ومن سهوله إلى جباله، يدرك أن الأُمَّــة لا تزال بخير، وأن النصر قادم لا محالة.
لقد أثبت اليمنيون – مرةً أُخرى – أنهم شعب لا يخذل إخوانه في فلسطين، ولا يتخلّى عن قضاياه في أحلك الظروف.
أنهم باقون على العهد، لا يحيدون، ولا يبدّلون، وأنهم اختاروا موقعهم في الصفوف الأولى، مهما كلّف الثمن.
سلامٌ على يمننا، أرضًا وشعبًا، وسلامٌ على هذه الهامات الشامخة التي أبت إلا أن تكون في طليعة المدافعين عن الحق، مهما كان الطقس، ومهما كانت التضحيات.
وسلامٌ على غزة التي تنزف، وقد عرفت أن لها هناك، في الجنوب العربي، شعبًا لا ينام على الضيم، ولا يخذله المطر ولا البرد ولا الجوع ولا نيران الأعداء.